حادثة سيناء
خيوط في غير أنوالها، وأهداف من غير أفعالها
د فريد العمري
صار من البديهي معرفة أن توقيت الحادث وعلاقة إسرائيل به غير مستغرب أبدا، ونقول دائما إن اعتداءات المواطنين العرب على جيوش بلدانهم النظامية لم تكن وليدة الفكر العربي مطلقا، ولن تكون كذلك أبدا، وإنما كانت دائما تقع بفعل يد التآمر المطلقة من العدو الذي يتربص بالأمة العربية الشر دائما، وإسرائيل على وفق هذا التصور هي العدو الوحيد للأمة العربية، طبعا مدعومة من دول الاستعمار القديم والحديث، وإذا وضعنا هذا العمل الإرهابي في سياقه العملي والواقعي لا نستغرب أبدا أن يكون بفعل المؤامرة الإسرائيلية، فإذا تأكدنا مما نظنه صحيحا من أن الثورات العربية وما يسمى تجاوزا الربيع العربي هو بفعل التحريك المبرمج للشارع العربي لتغيير أنظمة انتهت فترة صلاحيتها في خدمة المشروع الصهيوني حيث وصلت إلى الحد الذي لم تعد فيه هذه الأنظمة قادرة على تجديد إنتاج استثمارات الأمن الصهيوني الذي عملت طيلة سنوات بقائها في الحكم على تأمينه، ولا نستثني نظاما من ذلك، حيث صارت الحاجة ملحة إلى إخراج وإنتاج مجموعات جديدة من قواعد شعبية عانت من ظلم تلكم الأنظمة لتقوم بالدور نفسه التي قامت به على أكمل وجه، من أجل تأمين هذه الدويلة المسخ، فإن هذا العمل الإجرامي المريع بحق القوات العربية المصرية يدفعنا إلى تتبع منظومة العمل السري الذي تمتهنه دوائر العدوان والتآمر على العرب حاضرا ومستقبلا مثلما كان ماضيا، فإذا كان النظام المصري السابق قد أمن دولة الخراب والتخريب على مدار عقود طويلة باتفاقية كامب ديفيد التي رضي هذا النظام بتكبيل نفسه بها، ومن خلفه الشعوب العربية كلها، فإن الحاجة كما بدت في الشارع العربي على مدار السنوات الطويلة كانت باستمرار تنادي بإلغاء معاهدة كامب ديفيد أو تعديلها، وقد حان الوقت المناسب لذلك، فهذا النظام البكر الذي انبثق من الشارع العربي كفيل بهذا الأمر، فإذا كان النظام السابق قد تكفل بحماية أمن إسرائيل بناء على بنود الاتفاقية بوضع عدد محدود من أفراد القوات المسلحة وبنوعيات محددة من الأسلحة، بحيث تبقى سيناء عصية على المواطنين بفعل قوات النظام المحدودة، وبفعل القوة الإسرائيلية المستمدة من المعاهدة، وأن أي نوع من العدوان القوي على الدولة المسخ سيعني تأثر دولة مصر بأكملها من أثر هذا الاعتداء حتى لو كان طفيفا إذا أرادت دولة الإرهاب تصعيده، وبهذا كانت هذه الدويلة محمية بفعل فوبيا المعاهدة الذي أمن عبر عقود طويلة مرور البترول والغاز المصريين من العبور باتجاه واحد وبأرخص الأسعار، وكذلك عبور مختلف البضائع في الاتجاهين، وطبعا كل ذلك لصالح الطرف المستفيد من المعاهدة أولا وأخيرا.
أما الآن وقد تبدلت قواعد اللعبة بحسب المخطط المرسوم بدقة عبر الدوائر إياها التي لا تغفل طرفة عين عن تتبع إرهاصات العمل العربي، وقدرته غير المحكمة في أغلب الأحيان، وما دام نبض الشارع وفعله المريب قد وصل إلى السلطة على وفق الهوى المطلوب، وحتى لا يقع المحظور ويخرج الأمر عن الطوق، فلم لا يكون تحقيق المطلوب الذي يسيطر عليه ممكنا؟؟ لماذا تبقى بنود معاهدة كامب ديفيد مقدسة وغير قابلة للتعديل؟؟ لماذا لا تكون هذه السانحة فرصة لاستبدال الحماية منتهية الصلاحية بحماية أقوى وأدوم يقوم بها من كان بالأمس مصدر خوف ورعب للعدو الصهيوني؟ لماذا لا تتحول دولة العدوان والإرهاب الأولى في العالم إلى محمية بفعل الجيش والقوات المصرية بدل أن تبقى محمية ببنود معاهدة لا تستطيع دول العالم الحفاظ عليها في وجه ثورة الشعب الذي كان أول أهدافه التي نادى بها إسقاطها؟ الآن يصبح خيار تعديل الاتفاقية خيارا مطروحا، ومقبولا من الطرف الذي ما فتئ يدافع عن قداستها، فهو المستفيد من ذلك، بل هو من خطط للوصول إلى هذا التعديل ولو أنه بدا مفروضا عليه، اليوم بعد هذا التعديل ستصبح إسرائيل آمنة مطمئنة على حدودها لأنها ستصبح محمية ممن كان ينادي بتدميرها عبر إلغاء اتفاقية العار التي وسمت مصر عبر عقود طويلة.
فليس غريبا أن يكون هذا الحادث المفتعل هو الطريق الذي سينادي به النظام الجديد في مصر، مستجيبا طبعا لبرنامجه الذي طرحه على الناخب (الشعب) المصري، وبهذا تكون مصر كلها قد وافقت من حيث تدري أو لا تدري، أو من حيث تقصد أو لا تقصد على تأمين حدود العدو الذي استمرأ استباحة حدود الأمة العربية وتفعيل أدوات الفتنة بين مختلف طبقاته: الدينية، والفكرية، والمذهبية، والعرقية، وغيرها من الإثنيات الموجودة في صلب مجتمعاتنا العربية، وهكذا تتحقق له أصعب حاجاته بأسهل الطرق نظرا لغفلة أبناء العروبة وعدم قدرتهم على توحيد نظرتهم إليه كعدو وحيد يريد تدميرهم، واجتثاثهم من الجذور التي أنبتتهم. Posted from my iPhone using Joomla Admin Mobile!