تقف على باب البيت الفخم الواقع بأحد الأحياء الرّاقية. تطأطئ الرّأس، تتفكر للمرّة المليون و تتردّد للمرّة الألف. الرّأس فيها يطنّ " إذا جدّتي متى الموعد؟ " و الذاكرة تستجدي الأحباب الذين رحلوا: الابنة والصهر و الزوج و لكن عبثا تستجدي، وحيدة في المواجهة خلفوها و وحيدة أمام باب البيت الفخم تقف.
الإصبع يرتجف، العضلات تتشنّج، الوجه يصفرّ والحلق يجفّ.
" إذا جدّتي متى الموعد؟ " والموعد يتأبّى و يتمنّع في حلف بغيض مع الحاجة و الفقر.
" إذا جدّتي متى الموعد؟ " والموعد يأبى إلا أن يحصد فيها الكرامة و العزّة قبل أن يحلّ.
" إذا جدّتي متى الموعد؟ " قريبا،قريبا جدّا أحبّتي.
تغمض عينيها على همس الوعد، تحارب في بسالة كلّ الثقل الجاثم على صدرها و في حركة سريعة تضغط على الزرّ و تجاهد النّفس حتى تبقيها على الباب.
تفتح السيّدة و تسألها عن حاجتها. يتحشرج فيها الصّوت و يتعثر حتى يكاد يختنق، تحزن فيها النظرة فتحمرّ العين و تدمع، تصرخ فيها النّفس " أيا ويح عزّتي " و تتمرّغ فيها الأنفة و تتلوّى لتسقط صريعة مع الكلمات المرتبكة " أبغي مالا لختان أحفادي سيّدتي ".
تختفي السيّدة في البيت لحين. تتركها للآمال و الأمل فالبيت فخم جدّا، واجهته كما القصور و حديقته ملكيّة، سيّارتان فاخرتان تربضان داخله و مسبح واسع يزيّن مدخله، السيّدة رحيمة رؤوفة على ما يبدو و قنص الموعد الهارب صار وشيكا.
تخرجها عودة السيّدة من عالم الآمال. مبلغ ماليّ يوضع مباشرة في كفها، دعوات طيّبة تخرج عفوا من حلقها و استكانة مريحة تدبّ في نفسها.
في الطريق من مدخل البيت إلى مخرجه تتصفح المبلغ فيجفّ فيها الحلق مجدّدا، يذبل الوجه و تحمرّ العين، تنتفض الكرامة وتتأوّه، تتمرّغ العزّة و تتفتت، تتمنّى الذات الاندثار على الوقوف بأبواب ثانية،يفرّ الموعد مجدّدا ساخرا متشفيا و يطنّ صوت الأحبّة مجدّدا " إذا جدّتي متى الموعد؟ ".
بقلم: بثينة غمّام