إن تجاوز ما تعانيه الأمة من مشاكل الاقتصاد عامة، والإنتاج خاصة، يتم بتحقيق الضرورات الآتية:
1- تعبئة كل طاقات الأمة للإنتاج، وتحقيق الكفاية المادية والقوة الاقتصادية، ومحاربة السرف والترف،والاحتكار والتبذير، والنصب والسرقة، والربا والقمار، والغش والخداع، وتكديس الأموال وكنزها، والتصرف السفيه الذي ينافي المصلحة العامة للأمة، والقضاء على الكسب الخبيث،
والكشف عن ما أودع الله في الكون من خيرات في الأرض ومنابع الثروات الطبيعية واستغلالها.
2- تحرير العمال من قبضة الرأسمالية، والحث على العمل والكسب باعتباره القيمة الأسبق في الاقتصاد، وباعتباره واجب "على كل قادر عليه، والثناء كل على الثناء العمال المحترفين، وتحريم السؤال، وإعلان أن أفضل العبادة العمل، وأن العمل من سنة الأنبياء، وأن أفضل الكسب ما كان من عمل اليد، والزراية على أهل البطالة، الذين هم عالة على المجتمع مهما كان سبب تبطلهم، ولو كان الانقطاع لعبادة الله. فإن الإسلام لا يعرف هذا الضرب من التبطل"([1]).
ومن ثم فالعمل والكسب هو الناموس الطبيعي "الذي ربط الله به رزق كل دابة في الأرض، فلا محيد لكائن حي عنه بوجه من الوجود، إذن، فلا غرو أن يكون هو الأساس الأول لتحصيل الرزق، ولذلك نجده الأساس الأول في جميع النظم الاقتصادية الربانية والإنسانية"([2]).
3- تشجيع العمل الحر والملكية الخاصة والمبادرات الفردية بما لا يتنافى مع المصالح الاقتصادية العامة للأمة.
4- إنشاء شركات إسلامية صناعية ترفع من حيوية الاقتصاد، وتسهم في تحقيق الكفاية والقوة، والحض على التعاون.
5-تأميم المصالح الكبرى؛ من وسائل الإنتاج الأساسية التي تحقق المصلحة العامة، والمصارف والقروض، والتخلص من المؤسسات الربوية.
6- تنظيم الإنتاج وتشجيعه وتوجيهه وفق خطة تنموية حكيمة، تضعها الدولة لترفع من قيمة الاقتصاد وتيسير سبله، لا عرقلته والوقف في طريقه.
7- توفير فرص العمل لكل معطل له القدرة على العمل، وذلك بتشغيله في مجالات شتى: في الاستثمارات، أو الاستخراجات،أو مجال التصنيع، أو الخدمات الخاصة والعامة، أو البحث العلمي والفني...
8- تشجيع الإصلاح الزراعي، وتنشيط إنتاجه، والأخذ بالوصية النبوية: pمَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لأَحَدٍ فَهْوَ أَحَقُّ i ([3])، وبوصية أمير المؤمنين عمر بن الخطابt: « مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهْيَ لَهُ»([4]).
9- استعادة الأدمغة من أبناء الأمة من المهاجر، مع تدريب الخبرات والمهارات الضرورية.
10- إنشاء سوق واسعة لمنتجات المسلمين، وتحقيق التضامن الاقتصادي بين الدول الإسلامية.
11- التحرر من التبعية للجاهلية المادية، ومن نفوذ الرأسمالية، بتهييء نمط إنتاج واستهلاك، وتخطيط محكم، وتكنولوجية واسعة.
12-تقريب الشقة بين طبقات الأمة المختلفة، والقضاء على الطبقية التي استفحلت في جسد الأمة، فأثمرت فقرا مدقعا، وثراء فاحشا.
وعلى ضوء ما تقدم من الضرورات يتم إنعاش الاقتصاد، وتحقيق القوة الاقتصادية، ومواجهة تحديات التخلف ومشاكل الإنتاج، وتحقيق الأمن الغذائي، والاكتفاء الذاتي.
بإجمال: لابد من بذل الجهود والمساعي لنقيم اقتصادا إسلاميا منسجما شكلا ومضمونا ومظهرا ومخبرا وكمًّا وكيفا مع مقاصد الشريعة الغراء ومطالبها، خادما لها، محققا للمصلحة العامة للأمة.
ولا ننس أن من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ المال؛ لكن أموال الأمة احتكرها صناديد مجرمون، وذهبت نهبا للمبذرين والمترفين الجاثمين على رقابها. يكنزونها في بنوك الأعداء والصهيونية العالمية؛ ولهذا فحفظ المال لا يمكن تحقيقه إلا بالإسلام؛ بالجهاد الاقتصادي المذكور.
هذا، ولا يمكن الاقتصار على ما سبق ذكره من الضروريات فقط، بل لابد من بذل الجهود لتحقيق العدل الاجتماعي داخل المجتمع الإسلامي، وهذا يتطلب منا توحيد الجهود وتعبئتها لإنتاج ثروات قابلة للتوزيع، إذ لا يمكن توزيع الثروة دون إنتاجها، فالإنتاج أولا ثم التوزيع ثانيا، ولتحقيق النصر في معارك الإنتاج، وتحقيق العدل في التوزيع، لأن الأمة ما زالت تكتوي بنار التوزيع السيء لثرواتها من طرف شرذمة من المستكبرين والمترفين والمسرفين التي تحتكر صفوة الإنتاج في البلاد الإسلامية.
كما يتطلب الالتزام بالشريعة الإسلامية التي أمرت بزيال الجاهلية، وحرمت التبذير وإتلاف الطبيعة .
ويتطلب كذلك؛ تقويض دعائم الترف والفتنة التي تغرق الأمة في أوحال الطبقية والحروب القومية والطائفية.
فكان إذن، من الضروري والواجب أن يخضع توزيع الثروة للخطوط الشرعية العامة الآتية:
1- احترام الملكية الشخصية بشرط أن لا تتعارض مع مصلحة الأمة العامة.
2- احترام نظام التوارث وفرائضه كما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية واجتهاد علماء الأمة وفقهائها.
3- تنظيم جمع الزكاة وتوزيعها، بواسطة جهاز مستقل تقوم الدولة بتكليفه، ليقوم بجبايتها وتوزيعها على الأصناف الثمانية المذكورة في القرآن الكريم([5])، ويضاف إلى الزكاة الصدقات، توزع كذلك على مستحقيها من الفقراء والمساكين...
4- محاربة تبذير الأموال، ونبذ النموذج الجاهلي المادي القائم على الطموح التمتعي؛ وتبذير خيرات الأرض والسعي في خرابها ليحقق اقتصادا لا نهاية له.
5- تقليل الكماليات والاكتفاء بالضروريات: بمعنى "أن نسد الضروريات والحاجيات لكل أفراد الأمة أولا بأول، ثم لا نعط الكماليات في إنتاجنا واستهلاكنا إلا كما يعطي متنفس للمضطر من مريض يحتاج لترفيه وعلاج، ومتعلم يلتمس تخصصا، وعجزة يحتاجون لعناية خاصة، وطفولة ينبغي أن تحب الإسلام وهي في مهد عنايته"([6]).
6- الالتزام بشرع الله فيما أمر به من التمتع بنعم الله تعالى والطيبات من الرزق، في غير كلفة ولا زيادة عن الحاجة، مع إشراك المحتاجين فيها.
هذا فضلا على بذل الجهود باستمرار، لتحقيق التقدم الاقتصادي، والقوة الاقتصادية، و العدالة الاجتماعية في صورها الجسدية الموحدة المتماسكة بروابط المحبة والإخاء، والتكافل والتعاون، وذلك بالأعمال المنضبطة الحرة، و بالتكافل المعاشي([7]) داخل الأسرة([8]) والمجتمع([9])، والتعاون الاجتماعي، ودعم كل ما يمتن روابط المجتمع الإسلامي ويقويها، باعتبار كل ذلك من مقومات الجهاد الاقتصادي ودعائمه وأسسه المتينة.
وخلاصة القول: إن الإسلام أمرنا بأداء الواجبات والحقوق، ونهانا عن إضاعة الأموال وتبذيرها وإيتائها السفهاء. وأمرنا بالجد والعمل والتدبير لكسب الحلال، والمحافظة عليه، وتنميته، لنصرفه في حلال، وننفق منه في سبيل الله، وحثنا على التسابق والتنافس في الخيرات.
كل ذلك المال أو الرزق "أداة ووسيلة نحن مخاطبون أن نستعملها لنبلغ غايتنا، وهي رضى الله عنا عن طريق توزيعه بيننا التوزيع الشرعي العادل، وعن طريق تعبئة وسائلنا المادية لنتخذ أسباب الكفاية والقوة والمنعة والقدرة على حمل رسالتنا إلى العالم، وتبليغها والدفاع عنها"([10]).
إضافة إلى ذلك فإننا يوم نقرر مقاطعة بضائع المستكبرين في الأرض، لنصنع ونزرع ما يكفي لحياتنا، ويوم نصبح منتجين لا مستهلكين، ويوم يخرج من مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا شباب صلب الجسم، صادق الإيمان، مستنير الفكر، ثابت العزيمة، قادر على العمل و الإنتاج ، ويوم نتجاوز إكراهات العولمة([11])، وتحديات العصر بالوحدة الإسلامية، والاقتصاد الإسلامي، حينئذ نكون قوة كبيرة في الأرض، نرفع رؤوسنا، ونخشى الله ولا نخشى أحدا من المستكبرين، ويومذاك نكون أهلا لنصر الله الذي يخص المتوكلين عليه سبحانه والقائمين بالقسط في سبيله.
"ويوم نقرر غلق الأبواب على الغزو الاقتصادي الجاهلي في زماننا هذا زمن الحرب الاقتصادية الشاملة، والحماية الجمركية، والأزمة النقدية، والاحتكار المتعدد الجنسية، نكون قد خطونا خطوات لإدماج اقتصاد أقطارنا وإعداد الوحدة الإسلامية"([12]).
([5]) لقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة:60).
([7]) وموارد نفقات التكافل المعاشي هي: فريضة الزكاة، في المال حق سوى الزكاة، البر والبذل، صدقة الفطر، النسك في موسم الحج، الإرث، الهبة، الوقف، الكفارات، الوصية، الرّكاز، النذر، الغنائم، بيت مال المسلمين، وغيرها من النفقات.
([8]) التكافل داخل الأسرة يتم بالالتزام فيما أمرت به الشريعة الغراء فيما يتعلق بالنفقات على الأسرة: الأبوان إن كانا فقيران، والزوجة، والأبناء، والأقارب عن كانوا فقراء...
([9]) والتكافل داخل المجتمع يتم بكفالة وتوفير حاجيات المعاش للفئات الفقيرة والضعيفة أو المحرومة: الفقراء والمساكين، واليتامى، والمسنين، والزمنى، والمشردين، واللقطاء، والمقعدين...
وهناك فئات ليست بفقيرة لكنها تحتاج إلى من ينفس عنها كربها، أو يقدم لها يد المساعدة، أو غير ذلك: ويدخل فيه: مساعدة المدين المعسر، إعانة ابن السبيل، وحقوق الضيافة، ورعاية حق الجار...