المحدد كما يعرفه اللسانيون هو (( الكلمة " أو مجموعة كلمات " تحدد مجال الاسم بتخصيصه وتحديد محتواه والتخصيص " Actualisation "هو نقل كلمة من معناها العام " الارض" مثلا إلى معنى خاص" الارض القاحلة " )) (1) ، وتكمن أهميته في تحديد المعنى وتوضيح مدلول الكلمة لدى المتلقي، وهو مستعمل في كافة اللغات البشرية إلا أن طريقة التعامل معه تختلف من لغة إلى أخرى وهذا بحسب ما يقتضيه النظام اللغوي والنحوي والتركيبي لكل منها . فموقع المحدد في العربية ليس هو نفس الموقع في كل من الفرنسية والإنجليزية مثلا ، بل الأكثر من ذلك أن موقع المحدد في اللغة الواحدة قد يتقدم عن الاسم أحيانا وقد يتأخر عنه أحيانا أخرى بحسب ما يفرضه السياق والنظم والتركيب .
قسم البنيويون المحدد إلى قسمين :
1 ـ محدد نحوي : وهو الذي يسبق الاسم عادة كالأدوات وأسماء الإشارة والعدد وكل وبعض وأداة التعريف " ال " .
2 ـ محدد اصطلح على تسميته "Modificateur " وهو ما يلي الاسم كالمضاف إليه والنعت وصلة الموصـول (2) وهو تقريبا التقسيم نفسه الذي نجده عند مارتيني حيث يرى أن هناك من المحددات ما هو نحوي ، ومنها ما هــو معجمي ، له وظيفة ثانوية لكونه يرتبط بالاسم الذي يليه فلو قلنا مثلا :
ـ البحثُ ، هذَا البحثُ ، خمسةُ بحوثٍ .
ـ بحثِي ، بحثُ سعيدٍ ، هذا البحثُ قيمٌ .
ـ بحثِي المتواضعُ الذي شرعت فيه منذُ سنة تقريبًا .
فالمحددات هي " ال ، هذا ، خمسة ، ي ، سعيد ، القيم، الذي شرعت فيه منذ سنة تقريبا " فمن منظور مارتيني يمكن التمييز بين ما هو نحوي منها عما هو معجمي ، فـ " ال ، هذا ، ي " محددات نحوية ، و" القيم ، سعيد ." معجمية .
ويبدو أن النحاة العرب قد تنبهوا إلى مسألة المحدد ضمن حديثهم عن التعريف والتنكير والنعت والاسم الموصول والتقييد الذي يعني عندهم (( أن يزاد على المسند والمسند إليه شيء يتعلق بهما أو بأحدهما ، مما لو أغفل لفاتـت الفائدة المقصودة أو كان الحكم كذبا ))(3) ، فالغرض من الزيادة إذاً زيادة الفائدة وتقويتها عند المخاطب ، ذلك أن الحكم كلما تعددت قيوده وكثرت ازداد وضوحا وتخصيصا ، فالاسم المعرف بـ " ال " أو " الإضافة " أو" المتبوع بنعت مخصص ومحدد في ذهن المتلقي ، ويمكن تمييزه عما سواه ،كما التفت هؤلاء وفي نفس السياق إلى موقع المحدد فقالوا إن المحدد " ال " لا يأتي إلا في أول الاسم ، والنعت لا يلي إلا منعوتا أو موصوفا والاسم الموصول يتصدر جملة " صلته " تزيل إبهامه وتتمم معناه ، ومن هنا فلبعض المحددات في العربية الصدارة ، ولا يجوز تأخيرها أو الفصل بينها وبين الاسم بعدها إلا أن هناك حالات قد يجتمع فيها أكثر من حدد ، ولأحدهما الصدارة حسب ما يقتضيه النظام اللغوي ، فما جاء قبل المحدد " ال" التعريف (( أسماء الإشارة " هذا الرجلُ "، " تلك المرأةُ ، هؤلاء الرجــال " ، " أحد ، كل ، بعض ، غالب ، جل، مختلف" كل الرجال ، بعض النساء ، غالــب الناس )) (4) وتسمى هذه المحددات التي تتقدم " ال " التعريف محددات سابقة .
من خلال ما سبق نتبين أنه قد يتجاور في العربية أكثر من محدد في وقت واحد، فلو قلنا:كلُّ الكتبِ، فـ " كل " محدد ، و" ال " محدد ثان اجتمعا في مركب اسمي واحد ، وهناك حالات قد يجتمع فيها ثلاثة محددات في الكلمـة الواحدة من ذلك قولنا : تلك الكتب ، فـ" التاء " اسم إشارة محدد أول ، و " لام " البعد محدد ثان ، و " كاف " الخطاب محدد ثالث .وهناك أيضا من المحددات ما يحل محل محدد آخر مثل " ال " التعريف التي قد يحل محلها العدد ، نقول : خمسة كتب ، أحد عشر كتابا ، فـ" خمسة " و" أحد عشر" محددان حلا محل " ال " وفي حالات أخرى قد يتجاور العدد مع " ال " فيشكلان محددا مركبا في مثل قولنا :
ـ خمسة كتب = خمسة + ال + كتب
ـ الأحد عشر كتابا = ال + أحد عشر " محدد " + كتابا .
والملاحظ أن المحدد " ال "(( يعين في كثير من الأحيان وظيفة الاسم عند التحاقها به أو غيابها عنه )) (5) ، وهذا لما لها من تأثير كبير في بنية الجملة فبواسطتها نميز بين التركيب والوظائف وتحديد المسند من التابع ، ذلك أن دخولها على المسند " الخبر " يحوله إلى تابع ، الأمر الذي ينجر عنه تغيير في تركيب وبنية ومعنى الجملة ، فلو قلنا على سبيل المثال :
ـ الكتابُ مفيدٌ .
ـ الكتابُ المفيدُ منعدمٌ .
ـ الهوامش ـ
(1) ـ اللسانيات العامة وقضايا العربية ، مصطفى حركات ـ ص : 97 .
(2) ـ ينظر م . ن ـ ص : 98 .
(3) ـ جواهر البلاغة في البلاغة والبيان والبديع ، أحمد هاشمي بك ـ ص : 157 .
ـ ينظر دلائل الإعجاز ، عبد القاهر الجرجاني ـ ص : 371 .
(4) ـ اللسانيات العامة وقضايا العربية ، مصطفى حركات ـ ص : 103 .
(5) ـ م . ن ـ ص : 101