الجدير بالتنبيه كما يمكن ملاحظة ذلك من خلال ما رأينا أن هناك من المورفيمات ما يختص بالفعل فقط ، ومنها ما يختص بالاسم وحده ، ومنها ما يختص بهما معا ، ومن هذه المورفيمات على تنوعها واختلافها ما يتصل بهما ، ومنها ما ينفصل عنهما ، ومنها أيضا ما هو سابق أو
لاحـق لهما ، وعليه فهي إما سابقة أو لاحقة .
ـ السوابــق :
ـ سوابق الفعل :
سبق للنحاة العرب القدامى أن تحدثوا عما يسبق الفعل من أدوات وحروف وميزوا بين ما يتصل منها به ومـا ينفصل عنه ، وما هو مؤثر منها فيه أي ما يحدث تغييرا في حركة لام الفعل وما ليس هو مؤثر منها فيه ، ومن ذلك أن الفعل كما يقول عبد القاهر الجرجاني في كتاب الجمل (( ما دخله قد ، وسوف ، والسين ، نحو : قد قام ، وقد يقوم وسيقوم ، وسوف يقوم ، وتاء الضمير وألفه وواوه نحو: أكرمتُ ، وأكرمَا وأكرمُوا ، وتاء التأنيث الساكنـة نحو : نعمَتْ وبئْسَتْ ، وحرف الجزم : لمْ يَضْرِبْ .)) (1)
وبناء على ما تقدم يمكن تصنيف سوابق الفعل كالآتـي :
1 ـ سوابق متصلة غير مؤثرة : مثل السين وهي موجه تجعل الفعل خاصا بالمستقبل القريب .
2 ـ سوابق منفصلة : وهي قسمان :
أ ـ مؤثـرة : ومنها
ـ جوازم الفعل المضارع ، وهي إما اسم مثل " أنَّى ، أيَّان ، حيثما ، ما ، من ، متى ، مهما …إلخ أو حرف ومنها " إنْ ، إذما " التي تجزم فعلين ، ومنها ما يجزم فعلا واحدا مثل " لم " و" لا" الناهية ولام الأمر (2) ، وعلامة الجزم إما السكون الظاهر أو حذف حرف العلة من الأفعال الناقصة أو حذف النون من الأفعال الخمسة .
ـ نواصب الفعل المضارع : وهي " أن ، لن ، إذن ، كي"(3) ، وعلامة النصب إما الفتحة الظاهرة أو المقدرة فـي آخر الأفعال المعتلة أو حذف النون من الأفعال الخمسة .
تختلف " أن " عن بقية النواصب الأخرى في أنها تنصب الفعل المضارع بعدها إما :
1 ـ جوازاً بعد كل من :
ـ " لام كي " وهي التي تسمى لام التعليل .
ـ لام العاقبة وهي (( اللام الجارة التي يكون ما بعدها عاقبة لما قبلها ونتيجة له ، لا علة في حصوله وسببا في الإقدام عليه كما في لام " كي " وتسمى لام الصيرورة ، ولام المآل ولام النتيجة أيضا .)) (4)
ـ الواو والفاء وثم وأو العاطفات: وينصب (( الفعل بعدهن بأن المضمرة ، إذا لزم عطفه على اسم محض، أي جامد غير مشتق ، وليس في تأويل الفعل كالمصدر وغيره من الأسماء ، لأن الفعل لا يعطف إلا على الفعل ، أو على اسم في معنى الفعل وتأويله ، كأسماء الأفعال والصفات التي فـي الفعل فإن وقع الفعل في موضع اقتضى فيه عطفه على اسـم محض قدرت " أن " بينه وبين حرف العطف ، وكان المصدر المؤول بها هو المعطوف على اسم قبلها .)) (5)
2 ـ وجوبا بعد كل من :
ـ لام الجحود : وتسمى (( لام النفي ، وهي لام الجر التي تقع بعد " ما كان " أو " لم يكن "الناقصتين .)) (6)
ـ فاء السببية : وهي التي (( تفيد أن ما قبلها سبب لما بعدها وأن ما بعدها مسبب عما قبلها )) (7)
ـ واو المعيـة : وهي التي (( تفيد حصول ما قبلها مع ما بعدها فهي بمعنى " مع " تفيد المصاحبة )) (8)
ـ حتـى : وهي (( الجارة التي تكون بمعنى " إلى " أو " لام التعليل .)) (9)
ـ أو :ولا (( تضمر بعدها " أن " إلا أن يصلح في موضعها " إلى" أو " إلاَّ " الاستثنائية )) (10)
ما يلاحظ مما سبق اجتماع عاملين أو مورفيمين اثنين قبل الفعل المضارع ، أولها " أن " المضمرة التي يقتصر عملها في الفعل المضارع ، وثانيهما الحرف الذي أضمرت " أن " بعده في حالتي الجواز والوجوب ، وأن من هذه الحروف ما يعمل في المصدر المؤول بعده أي في الجملة الفعلية حيث تكون هذه الأخيرة إما في محل جر مع كل من " لام كـي لام العاقبة ، لام الجحود ، حتى " أو في محل رفع أو نصب أو جر مع " أو " بحسب المعطوف عليه . (11)
ب ـ غير مؤثرة : مثل سوف ، وهي موجه تجعل الفعل خاصا بالمستقبل البعيد .
والملاحظ أن هذه السوابق تتقدم الفعل إلزاما ، وهذا ما يتفق ومبدأ التوزيع الذي يتوخى توزيع عناصر الجملة وفق ما يقتضيه النظام اللغوي الذي يقر بما يجب تقديمه من مورفيمات وما يجب تأخيره منها .
ومن المفيد أن ننبه أن هناك من السوابق ما يختص بالفعل المضارع فقط ، ومنها ما يشترك فيه المضارع والماضي فـ" السين ، سوف ، لم ، أنْ " مع بقية النواصب "، لا الناهية ، ولام الأمر" وجوازم الفعل فهي تتصدر الفعــل المضارع ، وأما " قد " فهي تدخل على الفعلين معا مع اختلاف في الدلالة .
الملاحظ أن تأثير السوابق لا يقتصر في الفعل على تحول في الصوائت الوظيفية " حركـات الإعراب " التي يسميها أحمد حساني المميزات الوظيفية ، بل يتعداه إلى تحول في زمن حدوث الفعل حيث تنقل الفعل المضارع مثلا من الحاضر إلى المستقبل كما هي الحال مع " السين " و" سوف " أو إلى الماضي مع " لم "ومن هنا يمكن اعتبار هذه السوابق من ضمن محولات زمن حدوث الفعل أو عدمه .
والجدير بالإشارة أن هناك من السوابق واللواحق ما يتصل بالفعل في عمليتي التصريف والاشتقـاق ، وهو ما سبق أن تعرضنا إليه في أثناء حديثنا عن ارتباط المورفيم بعلم الصرف ، وعلى سبيل التمثيل يمكن لنا عنـد تحليلنا للفعل "استفتح ، يستفتح ، انتصر ، ناصر ..إلخ تحديد السوابق التي تصدر هذه الأفعال وهي " أست ، يست أت " وهي ما يعرف عند النحاة العرب بحروف الزيادة ، كما يمكن ومن خلال المقابلة بين الجذر والوزن مــا إن كانت الكلمة مشتقة أو جامدة .
ويتعين التمييز بين الفعل الماضي والمضارع والأمر ذلك أن السوابق تختلف في علاقتها وتأثيرها باختلاف نوع الفعل الذي تتصدره .
(1) ـ عن السمات التفريعية للفعل في البنية التركيبية ، أحمد حساني ب . ط ـ1993 ، ديوان المطبوعات الجامعية ص : 07 .
(2) ـ ينظر قطر الندى وبل الصدى ، ابن هشام ب.ط ـ ب. ت ، دار الإمام مالك ـ ص : 94
(3) ـ ينظر م . ن ـ ص : 65 .
(4) ـ جامع الدروس العربية ج2 ، مصطفى الغلاييني ـ ص : 173 .
(5) ـ جامع الدروس العربية ج2 ، مصطفى الغلاييني ـ ص : 174 .
(6) ـ م . ن ـ ص : 176 .
(7) ـ ن . ن ـ ص : 177 .
(8) ـ ن . م ـ ص : 177 .
(9) ـ م . ن ـ ص : 182 .
(10) ـ ينظر م. ن ـ ص : 173 وما بعدها .
(11) ـ ينظر م . ن ـ ص : 173 وما بعدها .