بقلم: الباحث سمير لعفيسي
لا شك أن تحديد مفهوم الأدب قد أرق الإنسان منذ أن بدأ يعي ويفكر فيما أنتجه، وهذا التحديد أخذ طرقا ووسائل مختلفة؛ بعضها انطلق من منطلق علمي محض، ينظر في المسببات وعلاقتها بالنتائج، والبعض الآخر وهو ناتج عن المنطلق الأول، بنى قوالب أصبحنا نصطلح عليها باسم المناهج وحاول أن يقيد بها " مفهوم الأدب"، غير أن هذه المحاولات آلت جميعها إلى الفشل، وحتى لا نقلل من شأنها، ونسقط من قدرها، نقول بأنها أعطت صورة وصفية للأدب، وليس من الممكن لولا هذه المحاولات الفكرية والذهنية التي أخذت جهود كثير من الفلاسفة والمفكرين والأدباء، أن نتبين حقيقة ما الأدب؟
إن الأدب هو الإنسان، وهذا هو التعريف الدقيق له، ومادام الإنسان يتغير ويتطور، فلا يمكننا أبدا أن نحصر مفهوم الأدب في كلمة أدبية أو علمية مهما بلغت بها درجات العلمية والتخييل والاختراع، فمع تطور أشكال الحياة وتنوعها، يتنوع الأدب "الإنسان" ويأخذ أشكالا متنوعة كذلك، فهو يتلون كل لحظة في زي جديد، ويأخذ ألوانا مختلفة، وهذا التحول والتغيير المستمر هو ما جعل كل تحديد أو تعريف له يبقى مجرد وصف للحظة آنية لصورة من صوره؛ فالأدب بهذا المعنى أشبه ما يكون بفيروس الإيدز أو السيدا، فكلما سعت اللمفاويات T4 إلى التعرف عليه، وتحليل نواته، وفرز مضادات له، إلا ويأخذ شكلا آخر، إلى أن ينهك جهاز المناعة، وفي النهاية يموت حامل هذا الفيروس.
والمتأمل في التعاريف التي تناولت ماهية الأدب، أو في الدراسات الأدبية التي حاولت وتحاول تقييد النص الأدبي بمناهج محددة -وبخاصة إذا كانت بعيدة عن ثقافة هذا النص- قد كان مصيرها الموت، وأصبحت مجرد مستحاثات يزورها رواد الأدب قصد تكوين صورة ثقافية فحسب؛ ومعنى هذا أن كل منهج رهين بلحظة زمنية لا يتعداها، وقد يصلح لدراسة عينة من النصوص أو بالأحرى جانبا بسيطا منها. فحرية النص وابداعيته تكمن في تعدد القراءات، ودون قيود إلا بما تتطلبه لغة النص؛ أي وصفه وفق شروط ما اكتسبناه من معارف وعلوم.
ويزداد مفهوم الأدب " الإنسان" تعقيدا كلما تطورت العلوم الإنسانية، فهي وإن كانت تقرب لنا صورته وترسم لنا بعض ملامحه إلا ويزداد إيماننا بأن حقيقة تعريف الأدب سترافق الإنسان إلى يوم القيامة. والقارئ لكتاب الدكتور مولاي يوسف الإدريسي " التخييل والشعر حفريات في الفلسفة العربية الإسلامية" يدرك حقيقة تلك التحولات التي ترافق المفاهيم بشكل يجعلنا نجزم بأن النظر في مفهوم معين يمر بمخاض عسير قبل أن يصل إلى هيئته الحاضرة، وأنه من الصعب وضع تحديد دقيق لمفهوم من المفاهيم دون النظر العميق في مختلف السياقات التي عاش فيها؛ وعليه فالأدب مادام يرتبط في جوهره بروح الإنسان فسيبقى دائما متحولا ومتغيرا، ومتمردا على كل المناهج العقلية التي تحاول وضعه في قوالبها.