العلاقات التركيبية والصورة الشعرية في قصيدة ( شهداء )
للشاعر الدكتور/ غازي القصيبي
1) التعريف بالشاعر:
الاسم : غازي بن عبدالرحمن القصيبي
تاريخ
الميلاد : 1359 هـ - 1940 م
مكان
الميلاد : الأحساء – السعودية
الحالة
الاجتماعية : أب لأربعة سهيل وويارا وفهد ونجاد
• بكالوريوس
قانون - كلية الحقوق – جامعة القاهرة 1381 هـ - 1961 م
• ماجستير
علاقات دولية – جامعة جنوب كاليفورونيا 1384 هـ - 1964م
• دكتوراه
القانون الدولي – جامعة لندن 1390 هـ - 1970 م
المناصب
التي تولاها:-
• أستاذ
مشارك في كلية التجارة بجامعة الملك سعود في الرياض 1358هـ
• عمل
مستشارا قانونيا في مكاتب استشارية وفي وزارة
الدفاع والطيران ووزارة المالية ومعهد الإدارة العامة
• عميد
كلية التجارة بجامعة الملك سعود 1391هـ• مدير المؤسسة العامة للسكك الحديدية 1393
هـ.
• وزير
الصناعة والكهرباء 1396 هـ.
• وزير
الصحة 1402هـ
• سفير
المملكة في مملكة البحرين 1404 هـ.
• سفير
المملكة في المملكة المتحدة 1412هـ. • وزير المياه والكهرباء 1423هـ.
• وزير
العمل 1425هـ
المؤلفات:
في
الشعر:
-ورود
على ضفائر سناء : ديوان شعر.
-للشهداء
: ديوان شعر.
-الأشج : ديوان شعر.
-سلمى
: ديوان شعر.
-قراءة
في وجه لندن: ديوان شعر.
-يا
فدى ناظريك: ديوان شعر.
-واللون
عن الأوراد: ديوان شعر.
-سحيم
: ملحمة شعرية.
-الإلمام
بغزل الفقهاء الأعلام: مختارات شعرية.
-بيت
:مختارات شعرية -في خيمة شاعر(1+2): مختارات من الشعر العربي.
الروايات:
العصفورية
: رواية .
شقة
الحرية :رواية ( صورت مسلسلا تلفزيونيا).
رجل
جاء وذهب : رواية.
سلمى:
رواية.
حكاية
حب: رواية.
سبعة: رواية.
سعادة
السفير: رواية سياسية.
العودة
سائحاً إلى كاليفورونيا:رواية.
هما:
حكاية الرجل والمرأة.
كتب
ومؤلفات متنوعة:
الأسطورة
: يتكلم عن أميرة ويلز ديانا.
التنمية
( الأسئلة الكبرى):مواضيع التنمية السعودية.
ثورة
في السنة النبوية: تعمق لدراسة السنة النبوية.
الخليج
يتحدث شعراً ونثراً: سير أعلام من الخليج العربي.
أبو
شلاخ البرمائي: إبحار في عالم متنوع.
دنسكو:
عن ترشحه لمنظمة اليونسكو.
حياة
في الإدارة : سيرة عملية.
العولمة
والهوية الوطنية : محاضرات مجمعة عن العولمة.
أمريكا
والسعودية، حملة إعلامية أم مواجهة سياسية: عن الحملة الاعلامية الامريكية ضد
السعودية بعد 11 سبتمبر.
استراحة
الخميس: استراحات متنوعة وطريفة.
صوت
من الخليج: إلقاء الضوء على كتاب الخليج.
مع
ناجي ..ومعها: مختارات شعرية من شعر ابراهيم ناجي.
الغزو
الثقافي ومقالات أخرى: محاضرات وكتابات متنوعة عن الغزو الثقافي وغيره.
توفي عن عمر يناهز السبعين عامًا في يوم الأحد 5 رمضان 1431 هـ الموافق15 أغسطس 2010 الساعة العاشرة صباحًا في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض بعد معاناة طويلة مع المرض.
التمهيد
تعد الصورة الشعرية المرآة التي تعكس تجربة الشاعر ، وتظهر قدرته على إبرازها بكل أبعادها وملامحها ؛ فتظهر ماثلة أمام المتلقي متفاعلة معه كما تفاعلت مع مصورها ؛ لأنها من " أشد العناصر المحسوسة تأثيرًا في النفس ، وأقدرها على تثبيت الفكرة والإحساس فيها" ([1]).
وهي بهذا " جوهر الشعر وأداته القادرة على الخلق والابتكار، والتحوير والتعديل لأجزاء الواقع ، بل اللغة القادرة على استكناه جوهر التجربة الشعرية وتشكيل موقف الشاعر من الواقع ، وفق إدراكه الجمالي الخاص وطريقة الشاعر في تشكيله اللغوي (الجمالي) تمثل في أسلوبه في إدراك الواقع"([2]).
بل عدها بعض النقاد هي الشعر ، " فالشعر هو تعبير بالصورة ، وأن القصيدة الجيدة هي بدورها صورة "([3]).
وليس أدل على أهميتها من أن القرآن الكريم حرص على رسم الفكرة و إبرازها من خلال تصويرها ، فكانت الصورة هي " الأداة المفضلة في أسلوب القرآن ؛ فهو يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني ، والحالة النفسية ، وعن الحادث المحسوس ، والمشهد وعن النموذج الإنساني ، والطبيعة البشرية ، ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها ، فيمنحها الحياة الشاخصة ، أو الحركة المتجددة ، فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة ، وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد ، وإذا النموذج الإنساني شاخص حي ، وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية00"([4]).
وقد لفت اهتمام القرآن الكريم بها النقاد
العرب قديما ؛ فوجدنا الجاحظ - شيخ النقاد العرب – قد حصر رؤيته للشعر في أنه" صناعة وضرب من النسج
وجنس من التصوير"([5]) ، ثم عبَّر قدامة بن جعفر في حديثه عن سبل نقد
الشعر عن أن "المعاني للشعر بمنزلة المادة الموضوعة ، والشعر فيها كالصورة
كما يوجد في كل صناعة من أنه لا بد فيها من شيء موضوع يقبل تأثير الصور منها: مثل الخشب للنجارة
، والفضة للصياغة ، وعلى الشاعر – إذا شرع في أي معنى كان من الرفعة والضعة ، والرفث
والنزاهة ، والبذخ والقناعة ، والمدح ، وغير ذلك من المعاني الحميدة ، أو الذميمة
– أن يتوخى البلوغ من التجويد في ذلك إلى الغاية المطلوبة" ([6]).
وهذا يعني أن المعاني هي المادة الخام
للشعر ، التي يشكل منها الشاعر صوره في أفضل حالة مناسبة لأي غرض أراده .
ويرى ابن رشيق في كلامه عن حد الشعر "أن الشعر ما اشتمل على المثل السائر، والاستعارة الرائعة، والتشبيه الواقع، وما سوى ذلك فإنما لقائله فضل الوزن"([7]).
هذه العناصر التي ذكرها ابن رشيق هي ما يفرق الشعر عن غيره من النظم الفارغ من جوهر الشعر.
وإذا ما جئنا إلى إمام البلاغيين العرب الإمام عبد القاهر الجرجاني نجده قد رأى أن الصورة تعتمد على عنصرين متكاملين هما اللفظ والمعنى، وأنها من أهم أدلة التباين التي أشار إليها العلماء ، فقال:"واعلم أن قولنا (الصورة) إنما هو تمثيل وقياس لما نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا، فلما رأينا البينونة بين آحاد الأجناس تكون من جهة الصورة فكان بين إنسان من إنسان، وفرس من فرس بخصوصية تكون في صورة ذاك ، وليست العبارة عن ذلك بالصورة شيئاً نحن ابتدأناه فينكره منكر، بل هو مستعمل في كلام العلماء، ويكفيك قول الجاحظ:إنما الشعر صناعة، وضرب من النسج وجنس من التصوير"([8]).
ولكي يحقق الشاعر هدفه من التعبير بالصورة فلابد أن تكون" نابعة من العاطفة ، ومن هنا يكون الخيال هو الباعث على الوحدة العضوية في القصيدة"([9]) ؛ لأن الخيال بمثابة الطائر الذي يحلق به الشاعر في فضاءات وعوالم متنوعة ؛ فيمنحه " القدرة التي بواسطتها تستطيع صورة معينة أو إحساس واحد أن يهيمن على عدة صور أو أحاسيس في القصيدة فيحقق الوحدة فيما بينها بطريقة أشبه بالصهر"([10]) ، وهذا يحدث من خلال تصوير مشاعره وأفكاره في صورة مؤثرة معبرة ؛ فتتحقق المتعة الفنية التيهي " تعد إحدى أهم وظائف الصورة في الشعر، وبهذا أيضاً تصبح الصورة أكثر صدقاً وواقعية من الواقع ذاته."([11]).
إنها حالة فنية تجمع بين الواقع والخيال ، وبين المعقول واللامعقول ؛ لأنها لا تنقل الواقع كما هو ، بل كما يراه الشاعر ويشعر به ، وينعكس داخله ؛ فقد تكون مفردات الصورة جامدة ثابتة ، ولكن الشاعر يراها حية متحركة ذات دلالات أخرى ، فيكتشفها ويحاول نقلها للمتلقي والتأثير فيه بصورة أو بأخرى.
وتلعب ثقافة كل متلقٍ الدور الأكبر المعين له على تلقي الصورة كما رآها الشاعر تقريبا ، أو عدم تلقيها والنفور منها ؛ لهذا كان هناك المتلقي العام ذو الثقافة العامة ، والمتلقي الخاص ذو الثقافة الخاصة التي تمكنه من قراءة الصورة كما ينبغي .
ورغم اتفاق النقاد والبلاغيين قديما وحديثا على أهميتها غير أنهم اختلفوا في تعريفها ؛ وذلك بسبب اختلاف مشاربهم وتنوع رؤاهم ؛ فمن ينظر إليها نظرة بلاغية يراها تحتوي على وسائل بلاغية تشكلها مثل : التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز ، ومن ينظر إليها نظرة شاملة نجده يضيف إلى الصورة البلاغية : الصورة الذهنية و الصورة الرمزية بالإضافة إلى الأسطورة لما لها من علاقة بالتصوير([12]).
ومنهم من عرَّفها بأنها " تشكيل لغوي يكونها خيال الفنان من معطيات متعددة يقف العالم المحسوس في مقدمتها "([13]).
وهذا يعني أن الخيال هو المتحكم في إبرازها من خلال أدوات متعددة ، تعتمد أساسا على العالم المحسوس ، ولكن هذا التعريف غير جامع لمعنى الصورة الجوهري التي هي جوهر الشعر .
ويرى آخر أنها " هي الصوغ اللساني المخصوص الذي بواسطته يجري تمثل المعاني تمثلا جديدا ومبتكرا ، بما يحيلها إلى صورة معبرة "([14]).
هذا التعريف يجعل الصورة عبارة عن صياغة لغوية مخصوصة ، ولكنه لم يحدد الأدوات التي تمكن المبدع من إبداعها .
ومن التعريفات الشاملة للصورة أنها " الشكل الفني الذي تتخذه الألفاظ والعبارات بعد أن ينظمها الشاعر في سياق بياني خاص ؛ ليعبر عن جانب من جوانب التجربة الشعرية الكاملة من القصيدة ، مستخدمًا طاقات اللغة وإمكاناتها في الدلالة والتركيب والإيقاع والحقيقة والمجاز والترادف والتضاد ، والمقابلة والتجانس ، وغيرها من وسائل التعبير الفني" ([15]) .
فالصورة بهذا التعريف تتطابق مع ما قيل من قبل إنها هي التعبير بالشعر ، بل هي الشعر بكل أدواته الفنية المؤثرة .
إن جودة تشكيل الصورة هي معيار التمايز والتفاضل بين الشعراء ، وهو يظهر من خلال عدة وسائل من أبرزها قدرة الشعراء على التصوير ، ونقل عوالم المشاعر والأحاسيس والأفكار في صور متنوعة .
ومن منطلق أن الشعر هو التعبير بالصورة ، وأن الصورة هي جوهر الشعر ، وهي معيار تميز شاعر على شاعر ، وقصيدة على أخرى ، وأن الصورة هي كل متكامل مكون من عناصر متعددة منها : اللغوي و النحوي و الصرفي و البلاغي ؛ لذا آثر الباحث أن ينتهج النهج الذي يعتمد على دراسة الصورة بكل ما فيها من علاقات لغوية ونحوية وصرفية وبلاغية ، آخذا من نظرية النظم التي قدمها عبد القاهر الجرجاني منطلقا أساسيا لتحليل مفهوم الصورة الشعرية([16]).
تلك النظرية التي اعتمد فيها – في تحليله للصورة الفنية – على توضيح سر جمال كل لفظة في سياقها ، وعلاقتها بما قبلها وما بعدها ، و"قيمة كل تركيب في موضعه ، وأدائه للمعنى ، ولا يفصل بين استعارة ، وتشبيه ، وكناية ، وتقديم وتأخير ....... إنما يعالجها جميعها ممتزجة متضافرة "([17]).
2) الجو العام للنص:-
فلسطين أرض الأنبياء والمقدسات ، وأبناؤها شرفاء أوفياء لدينهم ولوطنهم ؛ لذا لم يضعفوا أو يخضعوا للعدو الصهيوني المغتصب لأراضيهم ؛ فرفعوا راية الجهاد في وجهه القبيح ، وقدموا الشهداء تلو الشهداء ، وما زالوا على عهدهم مرابطين مجاهدين صابرين .
ولم تقتصر الشهادة على الرجال فقط ، بل شاركت الفتيات الرجال في مقاومة العدو وتقديم الشهيدات اللائي ضحين بحياتهن ، وكان منهم الفتاة ( آيات الأخرس ) التي قامت بعملية استشهادية في صفوف العدو الصهيوني ، وقد أثارت هذه العملية مشاعر الشاعر فهبَّ للتعبير عنها ، والفخر بما قدمته الشهيدة آيات ، فتعرض لمن يصف ما قامت به - وغيرها من الشهداء- بالعمليات الانتحارية ، فوصفهم بأنهم هم المنتحرون ؛ لأنهم رضوا بحياة كلها ذل وخضوع وخنوع للعدو والموالين له .
الدراسة
اختار الشاعر العنوان ( شهداء ) جمعا ونكرة تعظيما لهم وللدلالة على كثرتهم ، وهو عنوان جامع مانع مباشر ، يبرز وجهة نظر الشاعر تجاه من يقومون بعمليات استشهادية ؛انتقاما من جرائم العدو الصهيوني المستمرة تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل .
وقد بدأ النص مبرزا ومؤكدا ما يؤمن به ، فظهر من أول بيت عندما قال:
يَشْهَدُ اللهُ أَنَّكُمْ شُهَدَاءُ |
يَشْهَدُ الأَنْبِيَاءُ.. وَالأَوْلِيَاءُ |
وقد عبَّر عن هذا المعنى باستخدام الأسلوب الخبري الذي يحتمل الصدق أو الكذب ، فبدأ بجملة فعلية مكونة من : الفعل المضارع ( يشهد ) الدال على تجدد الحدث واستمراره ، وهو شهادة الله والأنبياء والأولياء لمن يقوم بعمليات استشهادية بالشهادة .
وقد أكَّد الشاعر هذا المعنى بمؤكدين : حرف التوكيد ( أنَّ ) الداخل على الجملة الاسمية الدالة على الثبات والاستقرار ، وتكرار الفعل المضارع ( يشهد ) موزعا على شطري البيت.
الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ؛ لذا رآهم الشاعر أحياء فخاطبهم ؛ ليبين أن سبب موتهم لم يكن إلا إعزازا لدين الله على أرضهم أرض الأنبياء التي شرفت برحلة الإسراء والمعراج قديما.
فقال :
مُتُّمُ كَي تَعِزّ كِلْمَةُ رَبِّي |
فِي رُبُوعٍ أَعَزَّهَا الِإسْرَاءُ |
بدأ الشاعر خطابه بجملة فعلية مكونة من :الفعل الماضي الدال على التحقق والحدوث ( متم ) وفاعله ( تاء الفاعل للمخاطبين ) الدال على كثرة الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم ، وفي هذا الخطاب استحضار المخاطبين الشهداء الأحياء.
ثم أعقب الشاعر هذه الجملة بجملة تعليلية لما سبق مكونة من : أداة نصب وتعليل ( كي ) والفعل المضارع ( تعز ) الدال على التجدد والاستمرار ؛ لأن استمرار الشهادة جالب للعزة والشرف المستمرين لدين الله على أرض فلسطين، بالرغم من كيد الكائدين وإرجاف المرجفين .
وجاء الفاعل نكرة ( كلمة ) عُرِّفت بالإضافة إلى معرفة بالإضافة ( ربي ) فدلَّ على تعظيمها وخلودها ، ودَلَّت إضافة ( ربي ) إلى ياء المتكلم على أن موت الشهداء لم يكن أمرا خاصا بفلسطين ، وإنما كان لكل من يوحد باسم الله ، والشاعر يعتز بإسلامه ؛ لذا فهو يفتخر بشهداء فلسطين .
وجاء متعلق الجملة التعليلية السابقة شبه جملة ( في ربوع ) في أول عجز البيت رابطا بين شطري البيت ؛ وليبين الأماكن التي عزَّت فيها كلمة الله . وجاءت كلمة ( ربوع ) نكرة وجمعا للدلالة على التعظيم وكثرة الأراضي المباركة من الله .
ولم تنل تلك الربوع عزتها بما قدمه شهداؤها فحسب ، ولكنها عزت من قبل – في فجر الإسلام - برحلة الإسراء ( أعزها الإسراء ) ، وهي جملة فعلية نعتية لكلمة ( ربوع ) مكونة من :
الفعل الماضي ( أعزها ) ومعه المفعول به المقدم ( الهاء ) - الضمير العائد على المنعوت والدال على التخصيص والاهتمام - على الفاعل المؤخر ( الإسراء ) المعرف بأل الدال على رحلة الإسراء المعروفة للجميع والمُذكِّرة بعراقة الإسلام على أرض فلسطين.
وقد نوَّع الشاعر في استخدام الضمائر من خلال تنوع الانتقال من ضمير المخاطبين في التعبير( متم ) إلى ضمير المتكلم في التعبير(ربِّي ) ، ثم إلى ضمير الغائبة في التعبير ( أعزها ) ، هذا الانتقال المتنوع أثار الانتباه إلى الارتباط الكبير بين الشهداء وإيمانهم بالله تعالى ، وتضحياتهم من أجل وطنهم مهد الأنبياء ومسرى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وبه أول قبلة للمسلمين وثالث الحرمين الشريفين.
و أحدث تكرار الجذر اللغوي ( عزَّ) في ركني البيت تأكيدا معنويا وتناسقا صوتيا دَلَّا على عظمة ما قدمه الشهداء من إعزاز للإسلام ، يضاف إلى إعزاز الإسراء قديما لربوع وطنهم .
ونتج عن هذا التركيب صورة بلاغية تمثلت في استعارة مكنية ، حيث شبه الشاعر الإسراء ( المشبه ) بإنسان عظيم ( المشبه به ) جلب العزة والفخر لربوع فلسطين ، وحذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه الفعل ( أعز) .
وهي صورة تدل على انتشار العزة واستمرارها على أرض فلسطين قديما وحديثا .
ثم يعبر الشاعر عن رفضه لوصف من يقوم بالعمليات الاستشهادية ضد العدو الصهيوني بالمنتحرين ، فيبين أننا المنتحرون ، لا هم ؛ لأننا رضينا بحياة ، الأحياء فيها أموات ؛ وذلك بسبب خضوعنا وخنوعنا لأعدائنا والموالين لهم :
اِنْتَحَرْتُمْ؟! نَحْنُ الَّذِيْنَ اِنْتَحَرْنَا |
بحياةٍ.. أمواتها الأحياءُ |
بدأ الشاعر البيت السابق بأسلوب إنشائي عبارة عن جملة استفهامية استنكارية ؛ رافضا من يصف الشهداء بالمنتحرين ، فيقرر الحقيقة المرة التي يؤمن بها ، وهي أننا المنتحرون ، فأتى بجملة اسمية مكونة من : المبتدأ الضمير ( نحن ) الدال على اعتراف الشاعر – بلسان قومه – بأنهم المنتحرون والخبر ( الذين ) الاسم الموصول ، وهو أسلوب قصر بتعريف المبتدأ والخبر، حيث أفاد قصر الانتحار وتخصيصه على قوم الشاعر ، لا على المجاهدين الشهداء . وقد أفادت جملة صلة الموصول ( انتحرنا بحياة أمواتها الأحياء ) امتداد الصورة ، حيث تكونت من : الفعل الماضي وفاعله (انتحرنا ) ، وشبه الجملة ( بحياة ) ، وجاء الاسم المجرور ( حياة ) نكرة ومفردا للتحقيروالتقليل ، وبعده جملة اسمية نعتية له ( أمواتها الأحياء ) ، وهي أسلوب قصر وتخصيص بتعريف المبتدأ والخبر .
وقد أدى هذا التركيب اللغوي إلى استعارة مكنية وصورة تشبيهية ، أما الاستعارة المكنية ففي قوله ( انتحرنا بحياة ) حيث شبه الشاعر الحياة المذلة ( المشبه ) بأداة ( المشبه به ) انتحروا بها ، وحذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه وهو الفعل ( انتحرنا ).
أما الصورة التشبيهية ففي قول الشاعر ( أمواتها الأحياء ) ، حيث شبه الشاعر الأحياء في تلك الحياة المذلة بالأموات ، وهو تشبيه بليغ حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه .
وهي صورة توحي بالعجز التام الذي يجعل الأحياء أموات.
ثم يبين الشاعر أسباب انتحارنا وموتنا أحياء. فقال :
قَدْ عَجَزْنَا.. حَتَّي شَكَا العَجْزُ مِنَّا |
وَبَكَيْنَا.. حَتَّي اِزْدَرَانَا البُكَاءُ |
فبدأ بأسلوب خبري عبارة عن جملة فعلية مؤكدة مكونة من : حرف التحقيق والتوكيد ( قد ) والفعل الماضي وفاعله ( عجزنا ) الدال على عجز الجميع ، وقد عبر الشاعر عن وصول العجز منتهاه فاستخدم ( حتى ) للغاية ، وهي استعارة مكنية ، حيث شبه العجز ( المشبه ) بإنسان ( المشبه به ) شاكٍ ، وحذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه ( شكا ).
وقد قام حرف العطف ( الواو ) بالربط بين شطري البيت ؛ فجاء عجز البيت موازيا لصدره ؛ فجملة ( بكينا ) توازي جملة ( عجزنا ) ، وجملة ( حتى ازدرانا البكاء ) توازي إلى حد كبير جملة ( حتى شكا العجز منا ) ، وجاءت الاستعارة المكنية في ( ازدرانا البكاء ) موازية للاستعارة المكنية ( شكا العجز منا ).
وهي صورة توحي بشدة العجز والضعف والمهانة التي وصلنا إليها ؛ حتى نطق العجز واشتكى من عجزنا ، ونظر إلينا البكاء محتقرا .
ثم يذكر الشاعر أسبابا أخرى لموتنا أحياء . فقال :
وَرَكَعْنَا.. حَتَّي إشْمَأَزَّ رُكُوْعٌ |
وَرَجَوْنَا.. حَتَّي إسْتَغَاثَ الرَّجَاءُ | |
وَشَكَوْنَا إِلَي طَوَاغِيتِ بَيْتٍ |
أَبْيَضٍ.. مِلءُ قَلْبِهِ الظَّلْمَاءُ | |
وَلَثَمْنَا حِذَاءَ شَارُونَ .. حَتَّى |
صَاحَ (مَهْلاً! قَطَّعْتُمُونِي!) الحِذاءُ |
استخدم الشاعر حرف العطف ( الواو ) في بداية الأبيات السابقة ؛ ليربط بين الأبيات وليبين اشتراك هذه الأسباب في موتنا أحياء ، فجاءت الجمل فعلية مبدوءة بأفعال ماضية :
( ركعنا – شكونا- لثمنا ) ، وكذلك بدأ عجز البيت الأول و الثالث بفعلين ماضيين : ( رجونا – صاح ).
وحرص الشاعر على تكرار ( حتى ) الدالة على بلوغنا النهاية في الذل والمهانة ، كما كرر توظيف الاستعارة المكنية في قوله: ( اشمأز ركوع – استغاث الرجاء - صاح الحذاء ) .
وقد جاء الفاعل في الجملة الأولى ( ركوع ) نكرة للتحقير ؛ لأنه ركوع ليس لله تعالى ، وجاء الفاعل في الجملتين الأخريين ( الرجاء- الحذاء ) معرفة للدلالة على التحديد .
وهي صور تدل على بشاعة المهانة والذل اللذين أوصلنا أنفسنا إليهما ، حتى صاح حذاء رمز العدو الصهيوني ( شارون ) - بعدما قطعناه من شدة ذلنا وهواننا على أنفسنا- طالبا منا الكف عن لثمه .
وفي حديث الشاعر عن دور أمريكا في ظلم العالم العربي والإسلامي ؛ ليبرز الكراهية التي تملأ قلوب حكامها ( الطواغيت ) على العرب والمسلمين ، استخدم التقابل السياقي بين الكلمتين : ( أبيض – الظلماء ) ؛ لأن كلمة أبيض يقابلها معجميا كلمة أسود ، وكلمة الظلماء يقابلها معجميا كلمة النور .
وهي مفارقة واضحة بين المكان الأبيض وسكانه أصحاب القلوب السوداء المظلمة بالكره والحقد ، وقد أوقع هذا الاختيار للكلمات الشاعر في الضرورة الشعرية ؛ حيث صرف كلمة ( أبيض ) الممنوعة من الصرف بسبب كونها صفة على وزن ( أفعل ) الذي مؤنثه على وزن ( فعلاء ).
ولعل هذا التنوين بالكسر في كلمة ( أبيض ) أتى به الشاعر متناسبا مع إيقاع التنوين بالكسر نهاية كلمة ( بيت ) المجاورة لها .
ثم يعود الشاعر ليكرر التركيب (أَيُّهَا القَوْمُ! نَحْنُ مُتْنَا ) :
أَيُّهَا القَوْمُ! نَحْنُ مُتْنَا.. وَلَكِنْ |
أنِفَتْ أَنْ تَضُمُّنَا الغَبْرَاءُ |
هذا التكرار يؤكد به الشاعر أننا متنا حقا بامتهاننا لأنفسنا وخنوعنا وخضوعنا لأعدائنا .
ثم أتى حرف الاستدراك ( لكن ) ؛ ليبين لمن يرانا أحياء وينكر موتنا أن الأرض الغبراء رفضت أن تضم أجسادنا احتقارا لنا .
وفي قول الشاعر ( أنِفَتْ أَنْ تَضُمُّنَا الغَبْرَاءُ ) استعارة مكنية حيث شبه الشاعر الأرض القاحلة ( المشبه ) بأم ( المشبه به ) احتقرت أبناءها العاصين الخانعين ورفضت ضمهم ، وحذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه وهو الفعلان ( أنفت – تضمنا ) .
وهي صورة كنائية تدل على حقارتنا وهواننا حتى على الأرض الغبراء التي تكبرت علينا ، ورفضت ضمنا في جوفها.
ثم يعبر الشاعر عن فخره بما قدمته الشهيدة الفتاة آيات ، فيخاطب رفيقه -على عادة الشعراء العرب القدماء-– قائلا :
قُلْ لِآيَاتٍ : يَا عَرُوسَ العَوَالِي! |
كُلُّ حُسْنٍ لِمُقْلَتَيْكِ الفِدَاءُ | |
حِيْنَ يُخْصَى الفُحُولُ... صَفْوَةُ قَوْمِي |
تَتَصَدَّى لِلَمُجْرِمِ الحَسْنَاءُ | |
تَلْثُمُ المَوْتَ وَهْيَ تَضْحَكُ بِشْرًا |
وَمِنَ المَوْتِ يَهْرُبُ الزُّعَمَاءُ |
يتحدث الشاعر بافتخار - في الأبيات السابقة - عن الشهيدة الفلسطينية ( آيات الأخرس ) التي قامت بعملية استشهادية في صفوف العدو الصهيوني ؛ طالبا من رفيقه إخبار روح الشهيدة عروس السموات بأن مقلتيها تُفتدى بكل شيء جميل ؛ لأنها قامت بما عجز عنه فحول القوم الذين خصاهم الذل والمهانة والخضوع للعدو .
وقد نوَّع الشاعر في التعبير
عن المعنى السابق باستخدام الأسلوب الإنشائي من خلال البداية بأسلوب الأمر ( قل لآيات ) ثم أسلوب نداء بأداة
النداء ( يا ) للبعيد للدالة على بعد منزلة الشهيدة ؛ فهي عروس ضحَّت
بحياتها من أجل دينها ووطنها ؛ لذا تُفدَى بكل غال ثمين. .
وفي
قوله ( عروس العوالي ) استعارة مكنية حيث شبه الشاعر العوالي (
المشبه ) - أي الرماح- بعروس ( المشبه به
) تُزفُّ إليه الشهيدة ، وحذف المشبه به ودلَّ السياق عليه .
وقد ربط الشاعر بين شطري البيت من خلال جواب النداء( كُلُّ حُسْنٍ لِمُقْلَتَيْكِ الفِدَاءُ ) الذي جاء أسلوبا خبريا عبارة عن جملة اسمية مكونة من : مبتدأ دال على العموم ( كل ) النكرة المضافة إلى النكرة ( حسن ) ، وخبره ( الفداء ) المعرف بأل الدال على الفداء المعلوم للجميع ، وجاء شبه الجملة ( لمقلتيك ) نعتا للمضاف إليه (حسن ) ليحدد الجزء المفتدى الغالي ، وهو مجاز مرسل علاقته الجزئية المراد منه الكلية ( الجسد كله ).
وبالجملةتشبيه بليغ حيث شبه كل حسن ( المشبه ) بشيء مادي غال يُفتدى به ( المشبه به ) من أجل عيون الشهيدة ، وحذف أداة التشبيه ووجه الشبه .
وقد عبَّر الشاعر عن المفارقة التي أحدثتها الشهيدة ؛ فهي فتاة حسناء واجهت العدو المجرم باستشهادها ، في الوقت الذي خصا الذل والهوان والخضوع للعدو فحول قوم الشاعر وصفوتهم.
وقد كنَّى الشاعر بقوله ( يُخصى فحول ) عن عجز من يدعون الفحولة والرجولة من صفوة قومه . وهي جملة فعلية فاعلها مجهول لم يذكر لأهمية نائب الفاعل ( فحول ) النكرة والجمع الدالة على كثرتهم وحقارتهم .
وجاء التعبير بالفعل المضارع ( يخصى – تتصدى ) دالا على استمرار المفارقة : عجز من يدعون الرجولة مقابل استمرار تضحيات الشهيدات بأرواحهن.
وفي البيت الثاني تستمر المفارقة : مواجهة الفتاة للموت باللثم والضحك والاستبشار ، وفرار الزعماء من مواجهته.
وقد أسفرت هذه المفارقة عن استعارة مكنية ، حيث شبه الشاعر في قوله ( تلثم الموت ) الموت ( المشبه ) بحبيب ( المشبه به ) تلثمه الفتاة وهي تضحك بشرا ، وحذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه ( تلثم ).
وقد قدَّم الشاعر شبه الجملة ( من الموت ) المتعلقة بالجملة الفعلية ( يهرب الزعماء ) لتأكيد أهمية المقدم للشهيدة وللزعماء مع اختلاف الموقف .
وبهذا التعبير استعارة مكنية حيث شبه الشاعر الموت ( المشبه ) بوحش أو عدو ( المشبه به ) يهرب من مواجهته الزعماء الذين يفتقدون صفات الزعامة الحقيقية ، وحذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه ( يهرب ) .
وقد دلَّ الجمع المعرفة ( الزعماء ) على كثرة الزعماء الخائفين الفارين من مواجهة الموت . كما دلَّت الأفعال المضارعة : ( تلثم – تضحك – تهرب ) على استمرار حب الشعب الفلسطيني للشهادة واستمرار هروب الزعماء من الموت .
ولم ينس الشاعر أن يذكر جزاء الشهيدة في الجنان ؛ فأظهر احتفال الجنان بها و استقبال السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء الجنة لها :
فَتَحَتْ بَابَهَا الجِنَانُ.. وَحَيَّتْ |
وَتَلَقَّتْكِ فَاطِمُ الزَّهْرَاءُ |
في البيت السابق استخدم الشاعر عدة أساليبوهي : الأسلوب الخبري من خلال الجمل الفعلية ذات الأفعال الماضية : ( فتحت – حيَّت – تلقتك ) الدالة على تحقق تلك الأحداث في المستقبل ، وأسلوب التقديموالتأخير حيث قدَّم المفعول ( بابها ) والضمير العائد على الفاعل للأهمية وقربه من الفعل( فتحت ) واختصاصه به على الفاعل المؤخر ( الجنان ) المعرفة والجمع الدالين على كثرة النعيم وعظمته المعد للشهيدة ، فهي ستكون في الجنان لا في جنة واحدة ؛ لأن عظم الجزاء من عظم البلاء .
وعطف الشاعر على هذه الجملة بجملة فعلية أخرى مكونة من :
الفعل الماضي ( حيَّت ) وفاعله ضمير مستتر تقديره ( هي ) عائد على الجنان ، وحذف المفعول به للإيجاز والعلم به ؛ ولكي يحدث موسيقا داخلية بين الفعلين : ( فتحت و حيَّت )
ولم يكتف الشاعر بهذا التكريم للشهيدة بل أظهر ترحيب السيدة فاطمة سيدة نساء الجنة بها ، حيث ربط بين البيتين بحرف العطف ( الواو) والضمير ( الكاف ) في الفعل ( تلقتك ) العائد على الشهيدة والمقدم على الفاعل ( فاطم ) العلم المرخم ؛ جريا عى عادة الشعراء العرب ودلالة على سرعة احتفاء السيدة فاطمة بالشهيدة .
وقد ظهر بالشطر الأول استعارة مكنية ، حيث شبه الشاعر الجنان ( المشبه ) بكرماء ( المشبه به ) يفتحون بابهم و يحيون الشهيدة ، وحذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه وهو الفعلان : ( فتحت وحيت ) .
ثم يخاطب الشاعر علماء السلطة الذين يزينون الفتاوى إرضاء لحكامهم ولأعداء الإسلام طالبا منهم الكف عن فتاواهم التي تغضب رب السماء ؛ لأن داعي الجهاد إذا دعا صمت كل شيء ، وأعلنت الدماء الفتاوى بقتال العدو :
قُلْ لِمَنْ دَبَّجُوا الفَتَاوَى : رُوَيْدًا! |
رُبّ فَتْوًى تَضِجُّ مِنْهَا السَّمَاءُ |
وقد عبَّر الشاعر عن المعاني السابقة من خلال بعض الأساليب ، فبدأ بأسلوب إنشائي عبارة عن أسلوب أمر مخاطبا به كل حر ؛ طالبا منه أمر كل من يزينون الفتاوى بالتمهل قبل إصدار فتاواهم .
و أدَّى هذا التعبير إلى استعارة مكنية حيث شبه الشاعر الفتاوى ( المشبه ) بعروس ( المشبه به ) تُزَيَّن ، وحذف المشبه به و أتى بشيء من لوازمه وهو الفعل ( دبَّجوا ) المضعف العين للدلالة على المبالغة في التزيين والتجميل . وقد ربط الشاعر بين شطري البيت ، فجاء عجز البيت تعليلا لصدره .
وجاءت كلمة ( فتوى ) نكرة بعد ( رُبَّ
) للدلالة على الكثرة والتحقير ، وزاد من هذه الدلالة مجيء الجملة الفعلية ( تضج
منها السماء ) نعتا لها ؛ لتظهر أنها فتاوى تغضب الله عز وجل غضبا شديدا .
ثم ختم الشاعر النص معلنا استمرار المفارقة ؛ فيبين أن داعي الجهاد إذا دعا فيجب أن يصمت كل شيء ، وأعلنت الدماء الفتاوى :
حِيْنَ
يَدْعُو الجِهَادُ.. يَصْمُتُ حِبْرٌ |
وَيَرَاعٌ.. وَالكُتْبُ.. وَالفُقَهَاءُ | |
حِيْنَ يَدْعُو الجِهَادُ... لَا اسْتِفْتَاءَ |
الفَتَاوَى، يَوْمَ الجِهَادِ، الدِّمَاءُ |
وقد استخدم الشاعر لتأكيد المعنى السابق أسلوب التكرار حيث كرر التعبير( حين يدعو الجهاد ) في أول البيتين السابقين ، وهو تعبير اشتمل على استعارة مكنية حين شبه الشاعر الجهاد ( المشبه ) بإنسان ( المشبه به ) يدعو الناس لقتال العدو ، وحذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه وهو الفعل المضارع ( يدعو ) الدال على تجدد المعنى واستمراره ، مقابل تجدد صمت أي شيء إذا دعا داعي الجهاد واستمراره . وقد أدَّت هذه المفارقة إلى استعارة مكنية حيث شبه الشاعر الحبر واليراع والكتب ( المشبه ) بأشخاص ( المشبه به ) يجب صمتهم ، وحذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه ، وهو الفعل المضارع ( يصمت ) .
وكان مجيء الكلمتين : ( حبر ويراع ) نكرتين دلالة على الكثرة ؛ لتتناسب مع الكلمتين الجمعين : ( الكتب والفقهاء ) .
وجاء استخدام الشاعر لا النافية للجنس للتأكيد على المعنى ؛ فلا وجود لأي استفتاء حين يدعو داعي الجهاد ؛ لأن الفتاوى – يومئذ – الدماء ، وهي تشبيه بليغ حيث شبه الشاعر الفتاوى ( المشبه ) بالدماء ( المشبه به ) ، وحذف أداة التشبيه ووجه الشبه .
وجاء التعبير ( يوم الجهاد ) معترضا بين المبتدأ ( الفتاوى ) والخبر ( الدماء ) ؛ ليحدد زمن وجود المبتدأ والخبر المعرفتين الدالين على القصر والتخصيص .
وهكذا عبَّر الشاعر عن قضية فلسطين المرابطة بنص غلب عليه الجمل الفعلية ذات الأفعال الماضية الدالة على التحقق ، والاستعارات المكنية التي أبرزت رؤاه نحو الشهادة من أجل الدين والوطن . إعداد الباحث / مدحت محمد توفيق مراد – دكتوراه في الدراسات الأدبية – كلية دار العلوم – جامعة القاهرة.
(4) الجاحظ ، أبوعثمان عمرو بن بحر : الحيوان , تحقيق. عبد السلام هارون، المجمع العلمي العربي الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1969م ، ج3، ص 13.
(3) الجرجاني ، عبد القاهر: دلائل الإعجاز عبد القاهر الجرجاني ، تحقيق محمود محمد شاكر، مطبعة المدني بالقاهرة ، ودار المدني بجدة، الطبعة الثالثة ، 1992م ، ص 508
(1)خضر ، د. فوزي : عناصر الإبداع الفني في شعر ابن زيدون- الهيئة العامة لقصور الثقافة مصر – سلسلة كتابات نقدية- 2004م- ص225.
(2)العشماوي ، د. محمد زكي : دراسات في النقد الأدبي المعاصر ، الدار الأندلسية ، لإسكندرية 1988م ، ص263.
(1) البطل ، د. علي: الصورة في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجري ، دراسة في أصولها وتطورها، دار الأندلس، بيروت، ط3 1983، ص15.
(2) البطل ، د. علي: الصورة في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجري ، دراسة في أصولها وتطورها ، ص30.
(4) القط ، د. عبد القادر:الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر، مكتبة الشباب، القاهرة، ط1 1978 ، ص435.