نجاح المصالحة الوطنية بين حركة فتح وحماس رهين بتغيير عقليات سكنها هاجس التملك وعدم القبول بالآخر ماذا تغير في حركة الفتح حتى نوهم أنفسنا بأن المهيمنين على هذه الحركة يريدون مصالحة وطنية وتشرئب أعناقهم إلى اتفاقات جدية تنهى حالة الانقسام الحاصل الآن بين صفوف أبناء الشعب الفلسطيني المجاهد، إذ تتحمل حركة فتح مسؤولية إجهاض العرس الديمقراطي بسبب مناوراتها ومخططاتها التنسيقية مع العدو الصهيوني التي أفضت بشكل مريع وفظيع إلى حصار ظالم للشعب الفلسطيني بقطاع غزة .
حركة حماس تتعامل بحسن نية مع مساعي الصلح والتقارب بينها وبين فتح مع التمسك بطبيعة الحال بمرجعيتها وثوابتها المعروفة، لكن يساور العديد من المراقبين أن تكون حركة فتح " ما بعد أوسلو" جادة في موضوع المصالحة التي تتبنى فيه مصر الوساطة، على اعتبار أن الثيار المهيمن على حركة فتح لم يتغير ولم تتغير أجندته التي تتناغم لا محالة مع الأجندة الأمريكية .
قد يبدو هذا الكلام متشائما وموقفا غير موضوعي في حق حركة فتح بتشكيلتها الحالية، لكن واقع الحال والأحداث المتواترة وماحصل في الماضي القريب وما تلوكه ألسنة قيادات فتحاوية في الإعلام يوحي أن الإشكال لا زال قائما وهوة الخلافات تتوسع أكثر ومواقف القيادات تزداد تباينا وأي صوت حليم شريف من داخل حركة فتح يقول بكلام موضوعي تشن ضده حملة شرسة ويتهم بمغازلة حماس أو التقرب إليها.
لا يختلف اثنان على وجود إشكال حقيقي في مواقف العديد من القيادات السياسية لحركة فتح، ولا مندوحة من القول أن هناك ثيار قوي استحوذ عل مقاليد الأمور ويسير وفق أجندة تخدم مصلحة الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى بقصد أو غير قصد، التاريخ سيثبت ذلك ، ولكن لا بد من الإشارة إلى وجود مخططات للسلطة الفلسطينية واضحة ومكشوفة في إفشال حكومة حماس وقتل أجنة المصالحة الوطنية في مهدها، والضلوع في الحصار المضروب على قطاع غزة.
لذلك سيكون التفاؤل ضئيلا بخصوص التفاعل الايجابي مع المشروع المصري للمصالحة الوطنية بين فتح وحماس، وما لم تصفف فتح بيتها الداخلي وتقبل بالآخر وتبتعد عن مقولة"أنا ومن بعدي الطوفان" فالوضع سيبقى على ماهو ولن تنجح مبادرات المصالحة، وكل ذلك سيزيد من شوكة إسرائيل التي تتحقق حلها في إثارة الفتنة الداخلية. إن الأزمة الحقيقية بين الطرفين هي أزمة وجود سياسي لثيار إسلامي أتت به الشرعية الديمقراطية ، وهو ثيار مصنف تصنيفا مغرضا من قبل الدول الموالية لإسرائيل على رأسها أمريكا، وحركة فتح شعرت أن الشرعية التاريخية قد سلبت منها، ولما استيقظت بعد صدمة الانتخابات بدأت تناور وتخطط لإسقاط حكومة حماس بتنسيق مع إسرائيل والولايات المتحدة، وسلكت وسائل متدرجة حتى وصلت إلى الحل الفظيع وهو الحصار المضروب الآن على قطاغ غزة في ظل صمت مريب للأنظمة العربية.
لقد كانت في الحقيقة المنطلقات السياسية و الإيديولوجية لحركة فتح واضحة المعالم وكانت مبنية على مقاومة الاحتلال بشتى الوسائل، لكن ما بعد أوسلو تحولت الأنظار إلى المغانم وانتفخت البطون وبدأت تنطفئ شيئا فشيئا جذوة المقاومة حتى أصبحت قيادات من فتح ممن استمرأت كراسي السلطة، لا تعبأ لا بمصالح البلاد ولا العباد، ولا بمصالحة وطنية..بل عندما نقرأ تصريحات صحفية لوجوه معروفة داخل حركة فتح ، والتي تنبري في الضرب على أوتار الفرقة والرجوع إلى صنفونية الانقلاب على الشرعية، واتهام حماس بالارهاب والقتل .....و يقال هذا الكلام في وقت تجري فيه الاتصالات من أجل رأب الصدع والبحث عن نقط الالتقاء والتقريب من أجل وفاق وطني يقطع دابر الانقسام الذي يفت في عضد القضية الفلسطينية، بالمقابل نرى أن حركة حماس تعطي إشارات ايجابية وتعلن دائما عن حسن النية في إصلاح ذات البين ، آخرهذه المبادرات هي إعلان إسماعيل هنية أخيرا عن إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين المنتمين إلى حركة فتح ، فهل ستبادر السلطة الفلسيطينة إلى التقاط هذه المبادرة الحكيمة بمبادرة أحسن تعبد الطريق نحو مصالحة حقيقية لا مصالحة تكتيكية...؟
ليس هناك من أحد بين العرب و المسلمين من لا يتفطر قلبه لما يحدث بفلسطين الحبيبة والمآل الذي آلت إليه، من حصار ظالم مضروب على قطاع غزة، وحكومات عربية تتفرج مشلولة لا تقدر أن تنبس ببنت شفة أمام العملاق الأمريكي الذي حتما بدت تلوح في الأفق ملامح نهاية جبروته وطغيانه. لذلك فإن كل ضمير حي وشريف من الأمة الإسلامية والعربية يتمنى أن تنجح كل مساعي التقريب بين الفصيلين الكبيرين بالساحة الفلسطينية وأن تضغط الدول العربية رغم ضعفها في جسر الهوة بين الطرفين حتى تتوحد القوى في مواجهة الاحتلال الصهيوني.