طرحت في الفترة الأخيرة جملة من الرؤى والتصورات حول احتدام الصدام بين النظام الحاكم بجناحيه الحزبي والحكومي من جهة وجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخري، بلغ بعضها درجة الشطط وعدم الواقعية تناولتها بعض مراكز الأبحاث والدراسات"مركز قناة الجزيرة للدراسات مقال للباحث خليل العناني" وبعض التحقيقات " جريدة الدستور اليومية"حين عرض الأول توهمه بقدرة النظام على الانتقال مع الجماعة من مربع الإقصاء السياسي والإضرار الاقتصادي والقمع الأمني لما هو أبعد من هذا بكثير حين تكلم عن الاستئصال والحذف ، وتساءل الثاني عن مدي قدرة النظام في الإجهاز على الجماعة والنيل منها كما فعل مع الجماعات الإسلامية التي اعتمدت العنف والانقلاب كوسيلة للتغيير في مطلع
التسعينات من القرن الماضي ، ومن هنا طرحت الأسئلة عن مدي صدقية وواقعية هذه التصورات ؟ بمعني هل يملك النظام أدوات وآليات هذا الاستئصال ؟ وإذا كان يملكها فما هي موانع الإجهاز على الجماعة التي تهدد شرعيته وشعبيته سواء بسواء؟ وعلى الطرف الآخر هل تملك الجماعة من النقاط الإيجابية و الاحتياطات الوقائية بل والإجراءات العلاجية ما يحميها من هذا السيناريو؟ وأسئلة أخرى كثيرة تطرح بخلفيات مختلفة بين التعاطف تارة والإشفاق تارة بل والتحريض تارة أخرى.
موقف النظام
يعاني النظام المصري بجناحيه الحزبي والحكومي جملة من المعوقات أفقدته القدرة بل والجرأة على الإقدام على هذه المغامرة الخطرة عالية الكلفة واكتفي بمساحات أوسع من المناورات الإعلامية والسياسية والأمنية من هذه المعوقات :
** شيخوخة الحزب الوطني الحاكم والذي تحول بفعل الإرث التاريخي لمنظومة الحكم المصري إلى ناد للمسنين يضم بقايا ونفايات التنظيمات التاريخية والأفكار المندثرة وبالتالي يفتقد رؤية إصلاحية واضحة ومضمونة ، حتى الوريث القادم يفتقد للمواصفات والمعايير المطلوبة لحكم دولة بحجم مصر
** فشل النظام في تحقيق الحد الأدنى من وعوده الانتخابية وشعاراته السياسية "رغم أخذه لفرصته الكاملة في الوقت كل الوقت والإمكانات كل الإمكانات " مما أفقد غالبية المصريين الأمل في الحياة الإنسانية الكريمة بل صار النظام بأجهزته المختلفة رمزاً للفساد والمحسوبية "راجع تقرير المنظمة الدولية للشفافية لعام 2008 حيث تراجعت مصر من المركز ال70 إلى المركز 105 "
** عدم جاهزية المناخ المحلي والإقليمي والدولي الذي يسعى مديرو وصناع القرار فيه الوصول لحالة استقرار تسود المنطقة حفاظاً عل المصالح الاقتصادية والسياسية لدرجة تغير فيها مفهوم الأمن القومي الأمريكي كما تغيرت استراتيجيات المشروع الصهيوني "الذي يدير المنطقة ويدعم شرعية أنظمة الحكم العربية"
** تآكل الشرعية الشعبية لنظام الحكم بانهيار الطبقة الوسطي "المتعلمة والعمالية في المدن وصغار الملاك والمستأجرين في الريف "بعد نظام الخصخصة وجملة القوانين والتشريعات التي انحازت لطبقة رجال الأعمال دون سواهم مما جعل النظام يرتكز في شرعيته على رأس دبوس"رجال الأعمال"
موقف الجماعة
في المقابل ورغم معاناة الجماعة من بعض الإشكاليات والتحديات الداخلية والخارجية إلا أنها تتمتع بجملة من المقومات التي جعلتها تتميز بجهاز مناعي مرن يمتص بمهارة الضربات الحكومية بأنواعها المختلفة من هذه المقومات :
** طبيعة منهجها التغييري الذي يجنبها خوض المعارك أو الجولات المصيرية الفاصلة باعتماده الوسطية بعيداً عن الغلو والسلمية بعيداً عن العنف والتدرج بعيداً عن الطفرة ، مما يكسبها طول النفس وتحمل الأزمات بصر وجلد
** متانة التنظيم ، بتوفر مقوماته من المرجعية التاريخية وشروط وموصفات العضوية واستمرارية الرعاية والتعهد ومؤسسية وشورية القرار
** نظام وبرامج البناء والإعداد النفسي والتربوي والفكري والاجتماعي أملاً في بناء كوادر تتمتع بالاستواء النفسي والنضوج الفكري والتميز الخلقي والإتقان المهني والإنتاج الدعوى
** الشرعية الشعبية التي حققتها في انتخابات 2005م والحضور الإعلامي والسياسي والشعبي الذي لا يمكن تجاوزه بل يبقى معتبراً في كل القرارات والسيناريوهات المحلية والدولية
** رغبة المصريين في إحداث أي تغيير يخرجهم من النفق المظلم الذي حفره النظام الحاكم خاصة إذا كان من البدلاء أو الشركاء فصيل بحجم الإخوان وما يتمتع به من رصيد خدمي في المجالات الحيوية والجماهيرية
وأخير اً
فالمتوقع انعدام الجولات المصيرية الفاصلة وأن السجال سيبقى مفتوحاً بلا سقف، والتاريخ يؤكد أن سنن الله في كونه غلابة لا تجامل ، والبقاء للأصلح.