المقدمة
يمثل كل بحث أدبى مغامرة بين أروقة الفكر الإنسـانى ، وكل مغامرة تعـد رحلة للبحـث عـن إجـابات لتــسـاؤلات ناتجــة عــن قـراءتـنا النـــــقـدية للـنصـوص ، " فعـندما أشتـرى كتـابـا ، وأشـرع بـقراءته وفـى اللـحـظة التى آراه فيهـا إذ يندفـع خــارج الموضــوع المفتـوح أمامى كم مـن الـدلالات التى يدركها ذهنى ، فـأدرك أن ما احمله بيـدى لم يعـد مـجـرد موضـوع أو حـــتى مجرد شىء حـى فأنا أعى كـائنا عاقــلا ، أعـى وعـيا لآخـــــر لايخـتــلف فى شىء عـن ذلك الذى أفترضه تلقائيا فى كل كـائن إنسانى أواجهه ، باستثـــنـاء أن الوعى فى حالة الكتاب متكــشف لى ، ويرحب بى ، ويتـيح لى الــنظر فى أعماق ذاتـه الداخـلية بل إنـه يتيـح لـى عـــــبر ترخــيصـات لم يسمـح بها من قـبل أن أفكر فيما يفكر فيــه ، وأن أشعر بما يشعر به "[1] .
ومع اتساع مهام التلقى لم يعد للفهـــم علاقة بالمؤلف أو بموقـفه وإنما صار فهم النص متعلقا بتـتبـع حـركة المعنى ، فالقارىء الضمنى يخلق النص ، أما القارىء الفعلى فيواجهه بذخيرة من الخبرة وبفهم يتقـدم باستمـرار كلمـا تقـدم الــــنص وانكـشفت أوجهه التى تعين القارىء على استيعاب المستـويات المتعددة والاندماج معها " فالقارىء لم يعد مستهلكا للــــنص بقدر ما هو منتج لهذا النص "[2] .
فـفهم الـنص هو تـتبع حركته وتتبع حركة المرء الـممكـنة داخله لفهــم أبعاد هذا العالم الذى ينكشف من خلال النص " فإذا كان الــنص يشكل نسيجـا فإن هذا النسيج لايكون ستارا تكمــن خلفه المعانى الحقيقية "[3] فلا مرجعـــــية خــــارجية للـنص وإنما تكمن قوته فى انكشاف طريقة ممكنة للنظر للأشياء .
وأما النـقد فهو جـدل بين الفهم والشـرح ؛ الفهم فى توجهه نحـو وحـدة الخطاب ، والشرح فى توجهه نحو تجســـيد حـدث الكتابة فى بنيته التحـليـليـة ، فإذا كان الـنص يأتى من الواقـــع ومعبرا عنه إلا أنه يخلق عالمه الخاص به ، وانطلاقا من هـذه الأفكـار جـاء اختيارنا للمنهـج الأسلـوبى ليكــتنـف هــــذه الـدراسة ؛ حـيث ينطوى هذا المنهج على مرونة عجيبة لحل إشكـالية ( النص / المجتمع ) فالـعناية بظـواهــــر الأسلــوب تغـرى بتجـاوز الـواقع المحــــيط الذى قيـل الشعـر فى رحـابه ، كما أن رصد انعكـاسـات الواقع المعيـش عـلى الـنص جاذبيته اللافتة ، إلا أن التوجه الأول لايعدو أن يكون مجـردإجـراءات شكلية وصـفية جـافة ، والتوجـه الثـانى يسـوى بين الـنص الأدبى والكــتابات التـاريخية ، وكلا من التوجهــين يفقـد الـنص الأدبى كثـيرا من فنيتـه ، إلا أن علم الأسلوب بمرونته يحل هذه الإشكالية " فينبغى فهم الأسلوب على أنه إمـا ظواهـر معينة فى نص ما ، أو بقصد إنتاجه فى مسألة الإبداع الـفنى ، أو يتـم تحليله بالـنظر إلى القارىء ، ويمكن للإنسان أن يرمز لهذه الإمكانيات الثلاث على أنها نظرية اسلـوبية نـصية داخلية ، وأسلـوبية إنتاج ، وأسلـوبية تلــقى ، لهذا يأتى قطاع الاتـصال الأدبى فى المقدمة "[4] .
وعلى هـذا الأسـاس جاء ذلك البحث الذى يعتمد عـلى الرصد والكشف ؛ حيث نقوم برصد الـظواهر الفنية المتبدية فى الـنص ، والكــشف عن دورها الـدلالى فـى آداء الــمعنى ، فقامت الدراسة على عدة مستويات لغوية هى :-
· المستوى الصوتى :-
ومن خلاله نقوم برصد الأصوات المفردة ودورهـا فى إكـساب الـنص مــلامــحه الـصوتية مـن خـلال الحروف المفردة ، ورصد صور الــسجع ،والتكرار ، والازدواج .
· المستوى الصرفى :-
ونقوم من خلاله برصد وحـدات الـنص الصرفية من مشتقات وأفعال وما يطرأ عليها من تغييروتبديل .
· المستوى التركيبى :-
حـيث نـقوم برصـد قـوالب التركــيب فى الــنص ، وما يطرأ عليها من ظــواهـر العدول التركيـبى من تقــديم وتـأخير ، وحـذف ، واعـتراض ، والتـــفات ..... وما إلى ذلك .
· المستوى التصويرى :-
ونقوم مـن خـلاله برصـد التـشبـيهات ، والاستعــارات ،
والكــنايات ، ودورهـــــــا فى رسم اللـوحات الــمتكاملة داخـل النص .
· المستوى الدلالى :-
حيث نقوم من خلاله بالكشف عن الدور الدلالى للـوحدات الـسابقة وأثرها فى إنتاج المعنى .
وفى النهاية
" فإننا إذ نحـلل أطرافا من الـنص فى منظور مستــوى النسج اللغوى ؛ فـإنما لكى نراعـى هــــذه الأدوات البلاغــية فـى إطار الـنـص العـام لا فى جزئياته التى تمـزق الـنص ، وتؤذى نظامه ، وتـشوه سطحه ، فتجعله رقعـا خلقاء ، وأحـلاما بالـية "[5].
[1] "النقد والتجربة الداخلية " جورج بوليه . ترجمة : حسن ناظم .
[2] " رولان بارت " .
[3] " لذة النص " رولان بارت .
[4] "علم اللغة والدراسات الأدبية " برند شبلنر . ترجمة : د/ محمود جاد الرب .
[5] " السبع معلقات مقارنة سيميائية انثربولوجية لنصوصها " كتاب ضمن موقع اتحاد الكتاب العرب على الأنترنت .
يتبع