صدر مؤخرا عن دار أرايبسك للطباعة والنشر رواية " الأقدس " للروائي أحمد قرني محمد وهو أحد الكتاب المصريين وهذه الرواية هي الرواية الثالثة له بعد " "آخر سلالة عائلة البحار" الصادرة عن هيئة الثقافة والإعلام بالشارقة وبعد روايته " حارس السور" الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية " ورواية "الأقدس" تمزج الهم الشخصي بالعام وتطرح رؤية جديدة لحركة التيارات السياسية والحركات الإسلامية في المجتمع المصري إبان فترة عبد الناصر وحى نهاية التسعينيات وتعرض لتاريخ نشأة البهائية في مصر وربما كون هي الرواية الأولى التي تتناول تاريخ الحركة البهائية وتناول علمهم الخاص وكتبهم المقدسة ومن هنا نكتشف كيف اختار أحمد قرني ليكون عنوان روايته " الأقدس" وهو هنا لا يشير إلى كتاب البهائيين فقط وإنما يشير إلى كل ما هو مقدس في حياتنا ونراه كذلك والرواية تتناول كل ذلك من خلال سيرة بطلها سراج الذي هو ابن احد
الضباط وهو النقيب على الباسل الذي اسر في حرب 67 وانقطع أخباره عن زوجته عائشة وكل أسرته وتعرض الرواية لقضية من أخطر القضايا التي لم تحسم حتى الآن وهى قضية الأسرى المصريين في حرب حزيران وكيف تعامل معهم العدو وقدم الرواية مشاهد في غاية الصعوبة والتعقيد عن هؤلاء ويبدو أن المثقف المصري يستعيد وعيه ليعيد طرح تلك القضية الشائكة التي حاول الساسة على مدار سنوات طويلة إزاحتها إلى طي النسيان ...ومن خلال رحلة البحث عن الجد على الواجدى يكتشف سراج أشياء كثيرة منها علاقته بزوجته ولاء التي تدين بالين البهائي استجابة لوالدها كامل الجوهري تنهار علاقة سراج بولاء على اثر هذا اكتشافه لذلك ويبدو وكأن حيله في رحلة بحثه إلى أوراق جده لم كن باختياره بقدر ما كان فرارا مأساته تلك .. وأثناء تنقل سراج يربط بشروق ابنة احد الماركسيين المصريين وهو سيد خاطر حيث التقى الأخير بجد سراج في معتقل عبد الناصر بسجن القلعة وتنهار فكرة الماركسية وحلمها وينهار على اثر ذلك سيد خاطر ويختار أن يبتعد وينزوي عن الحياة العامة ويأخذ معه ابنته شروق وينعزل عن العالم وتبدأ علاقة أخرى بين سراج وشروق التي تعي العالم من خلال عشقها للرسم والفن التشكيلي ويعجب بها سراج هي فنانة تشكيلية وتعرض رواية " الأقدس" للروائي أحمد قرني أيضا للحركات الإسلامية وكيف نشأ معظمها من رحم الجماعة الأم وهى جماعة الإخوان المسلمين من خلال شخصية حسين قاسم الإخواني الذي يخرج من عباءة الإخوان على يد شكري مصطفى حيث تبنى فكرة العنف وتكفير المجتمع ويخسر حسين قاسم نفسه في النهاية بعد هذا التحول تبدو الرواية وكأنها تقدم خريطة للحياة السياسية والمجتمعية في تلك الحقبة مستعينة بلغة تبدو أحيانا شاعرية وأحيانا أخرى نفسية متأزمة مرتبكة وأحيانا واعية كاشفة إن رواية الأقدس للروائي أحمد قرني استطاعت طرح الأسئلة الصعبة الأسئلة الشائكة عن الحركات الإسلامية في مصر وحركة البهائيين وعلاقتهم بالحركة الماسونية إنها تعي إنتاج تاريخ مصر في تلك الحقبة من خلال شخصيات بدو في أغلبها مهمشة مثل سعيد عقرب صائد الثعابين وفرحة وحسين حرب وشيخ الجامع هؤلاء المصريون الفاعلون جدا في التاريخ لكنهم مهمشون في صفحاه ولا يكاد يراهم أحد ثم يأخذنا الإهداء في مقدمة الرواية ليحيلنا إلى واقع الآن والثورة المصرية التي أزاحت نظاما أعادت السلطة والقدرة إلى الشعب وليس الحاكم من خلال إهداء الرواية إلى كل من نجيب محفوظ ويحيى حقي حيث يقول المؤلف انه شاهدهما في ميدان التحرير يوم التنحي ويتراوح عالم الرواية بين السحرية في مشاهد كثيرة مثل مشاهد الجبل ورصده للتحركات في بحر تنهلا والبحيرة والواقعية المفرطة في وصفه لمشاهد موت أو قتل الأسري في صحراء سيناء أو مشاهد البقاء في سجن القلعة والرواية تمزج التاريخي بالواقعي وتستدعى مشاهد ووقائع التاريخ لتعيد مزجها بأحداث الرواية وهى مليئة بهذا التضفير كما تسمع بعض المشاهد بالعبثية حين ترصد سلوك الشخصية مثلا نجده بارعا في رصد تحولات سماح بعد موت علاء وقتله على ي أمن الدولة وأحيانا رومانسيا مثلا في رسمه لشخصية فرحة وشروق الرواية تبدو ممتعة في قراءتها ودقيقة في تناول أحداثها سواء التاريخي منها أو الحاضر