قراءة في أدب "الدّعوة" للدكتور عبد القدّوس أبو صالح و التحمس له و الاعتقاد بأن ألأدب العربي هو أدب إسلامي و يرون أن ألأدب العربي غي عصر النبوة و الخلافة الراشدة أدبا إسلاميا في جملته، إلا أن هذا ألأخير لقي تهميشا لأن المسلمين ابتعدوا عن الالتزام بالإسلام، و أصبح الأدب العربي الحديث لا يبالي بثوابت الإسلام، أما الفريق الثاني فهو يعارض أن يكون الأدب العربي أدبا إسلاميا لأن الأدب ألإسلامي مبني على تصور إسلامي و ينطلق من منطلق عقائدي، و تجدهم بذلك يفرقون بين الأدبين الإسلامي و العربي المرتبط بلغة شعب معين مثلما هو الشأن بالنسبة للأدب الفر نسي أو الأدب الإنجليزي و الروسي و هكذا..
(الأدب "الصوفي الجزائري" نموذجا)
لقد عرّفت رابطة الأدب الإسلامي العالمية مفهوم ألأدب الإسلامي بأنه التعبير الفني الهادف عن الإنسان و الحياة و الكون وفق التصور الإسلامي، و قد لقي مصطلح أدب الدعوة أو الأدب الإسلامي تناقضات عديدة أو بالأحرى "شبهات" لاختلاف معانيه و مفاهيمه أو تشابههما بين عدة مصطلحات و هي : ( الأدب الإسلامي، الاتجاه الإسلامي، أدب المسلم و مصطلح آداب الشعوب الإسلامية، و انقسم المختصون في ألأدب العربي إلى قسمين أو فريقين: فريق دفعته الغيرة على ألأدب العربي
لقد تطرق المختصون في مجال الأدب الإسلامي و منهم الدكتور أبو صالح عبد القدوس في دراسة له عنونها بـ: " شبهة المصطلح" إلى هذه القضية و رأي كل واحد من الموالين و المعارضين إذ يقول: " إن الدعوة منتوج الأدب الإسلامي الذي يمثل قمة العطاء الفني لأنه يهدف إلى خدمة الدعوة في كل مجال شريطة أن يكون من حيث الأداء بالغ الروعة.
غير أنه من وجهة نظره هو لا ينبغي أن يُحصر الأدب الإسلامي في أدب "الدّعوة" فقط لأنه يشمل أي موضوع و أي تجربة إنسانية تتعلق بالكون الفسيح و الحياة المتشعبة و ألإنسان الذي يحيا حياته في هذا المكون، و يستخلص الدكتور أبو صالح أن الأدب الإسلامي يشتمل على أدب الدعوة لكنه يحصر في مبادئها مهما كان تعددها و اتساعها، أما اختيار المعارضين لمصطلح " الاتجاه الإسلامي" كبديل للأدب الإسلامي ليكون حلا وسطًا حتى يكون مجرد اتجاه يظهر حينا و يختفي حينا آخر بحلاف الأدب الإسلامي الذي ليس له زمن محدود، و بصفته من الرافضين لفكرة الاتجاه ألإسلامي إذا كان هذا المصطلح يلغي الأدب الإسلامي من الوجود يعتقد صاحب الدراسة أنه بإمكان المصطلحين أن يجتمعا و يبقى كل واحد بجوار الآخر حتى يصفا واقع أديب معيّن..، و من جانب آخر يفرق بعض المختصين بين "الأدب الإسلامي" و "أدب المسلم"، فالأول حسبهم يمكن أن يخوض فيه أي أديب حتى لو كان غير "مُسلمِ" في إشارة منهم إلى الأدباء المستشرقين، في حين يعتبر أدب المسلم كل أدب صدر عن مسلم و من المهتمين بهذا المجال الدكتور محمد أحمد العزب، غير أن الدكتور أبو صالح يرى أنه من أجل حل هذا ألإشكال لابد من تغيير مصطلح الأدب الإسلامي إلى ألأدب المسلم كون الأول يفتقر نوعا ما إلى الدقة..
المتأمل في هذه المصطلحات يلاحظ أنه لا يوجد أدب "مسلم" و آخر "كافر" وعلى سبيل المثال نجد أن شعراء الغرب و العرب سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين من تغنى بالطبيعة كمصدر للخير ووجودها و يشيرون إلى خالقها بأسماء عديدة ( الله ، الإله أو الرّب) و هي أسماء تخدم معنى واحد تعبر عن وجود قوة إلهية لا قوة فوقها مثلما هو الشأن عند المسلمين و أهل الكتاب (المسيحيين)..، و إذا قلنا أن أدب المسلم هو كل أدب صدر عن مسلم فالسؤال الذي ينبغي طرحه هو كالتالي: ماذا لو كان الأديب المسلم منحرفا عن الطريق المستقيم و لع معتقدات و تصورات بعيدة عن الإسلام و هنا وجب البحث عن اللاعقة بين الأدب "الإسلامي" و الأدب" الصوفي" لاسيما و بعض الشعراء الصوفيين يركزون على " الذات الإلهية" و يصفونها بأوصاف عديدة و يطلقون عليها أسماء عديدة و مختلفة كذلك قد تقوك بالشاعر الصوفي إلى الكفر و الشرك بالله مثلما نجده عند بعض شعراء الصوفية ..
و يذكر صاحب الدراسة بعض البدائل الأخرى التي قدمها بعض المؤيدين أو المعارضين للأدب الإسلامي و من هذه البدائل نجد مصطلح " الأدب الديني" و هو مصطلح قديم أطلق على كل نتاج أدبي يتصل بأي دين كان يختلف عن الأديان الأخرى كونه نظاما شاملا و هذا الشمول يفتح للأدب ألإسلامي آفاق الكون بما فيه، في حين ذهب آخرون إلى تسمية الأدب الإسلامي بـ: أدب "العقيدة الإسلامية" و هي بذلك لا تختلف عن ألأدب الإسلامي إلا في مسألة "الشمولية" كون الأدب الإسلامي أدبا شموليا و للتضييق من دائرة الأدب الإسلامي و شموليته ذهب بعض المعارضين إلى إطلاق مصطلح آخر و هو " الأدب الأخلاقي" حسب ما تبينه الدراسة و هذا بهدف "تقزيمه" و ترك الدعوة إليه حتى لا يكون مذهبا أدبيا، و يقودنا هذا التصور إلى التساؤل إذا ما كان الأدب الإسلامي كمذهب أدبي، و قد يُقسَّمُ هذا الأخير إلى مذاهب أخرى فرعية فنقول مثلا : ( الأدب الشـّيعِي، السُنّـِي، الإباضي و هلم جرّا..) كما يتفرع الأدب الإسلامي عند الطرقيين فنقول كذلك هناك الأدب الإسلامي عند الجماعات ( القادرية، العلاوية، التيجانية و غير ذلك..) و جميعها يصب في قالب الأدب "الصوفي" كمذهب مستقل عن الأدب الإسلامي، أو أدبا عالميا لاسيما و الإسلام كعقيدة و حياة و منهج و سلوكا يعرف انتشارا واسعا في العالم، و أصبح يعبر عن الشخصية ألإسلامية و تراثها و كل هذه الخصائص و الصفات انطلقت من الإسلام الذي بشر به الله و رسوله و تبنته رابطة ألأدب الإسلامي العالمية كما يقول الدكتور عبد القدوس أبو صالح، و أقيمت من أجله الندوات و الملتقيات و المؤتمرات الوطنية و العالمية..
لغة "القرآن" شرط أساسي للأدب الإسلامي
ما موقف "العروبيـّين" من الأدب الإسلامي؟
تؤكد الدراسات أن العروبيين هو الداعين إلى الأدب "الإسلامي" و هم المتحمسين للغة العربية و لهم في هذا الشأن موقفٌ آخر، فهم يذهبون إلى القول أن لغة "الضّاد" باعتبارها لغة "القرآن" شرط أساسي للأدب الإسلامي، و على غير المسلمين إذا أرادوا أن يخوضوا في هذا المجال و يكون لهم أدب إسلامي عليهم تعلم اللغة العربية قراءة و كتابة، و يقف الدكتور أبو صالح مع موقف العروبيين بأنه لا يمكن لأي كان أنة يشك في أن لغة القرآن الكريم هي اللغة الأولى للأدب الإسلامي، إلا أنه لا يجوز أن يُحْصَرَ الأدب الإسلامي في لغة واحدة مهما كانت دوافع الغيرة و الحماسة لها على حد قوله هو، و ر بما نقف هنا مع موقف الدكتور أبو صالح لأن ذلك يدعو إلى إلغاء ما يسمى بفن "الترجمة"، لأن الأدب الإسلامي هو قبل كل شيء "رسالة" ربّانية يصنف صاحبها في خانة "الدُّعاة"، لأن الدعوة إلى الإسلام و نشره لا تقتصر فقط على العلماء لأن لكل طريقته الخاصة في الدعوة إلى التوحيد و نشر الإسلام و تقريبه إلى" الآخر"، و لهذا وجب القول أن تعدد اللغات مهم جدا و ضروري لنقل العقيدة المحمدية في ألأدب الإسلامي شعرًا و نثرَا حتى لو كان باللغة "العبرية" ، و هو ما أكده الدكتور أبو صالح بأن حصر الأدب الإسلامي في لغة "الضاد" غير مقبول إسلاميا لأنه يدعو إلى "العصبية" التي نهى عنها ألإسلام و يدعو إلى الاستعلاء على الشعوب ا لإسلامية غير العربية و يعتبره تضييقا على الأدباء غير المسلمين لأن ألإسلام يبيح للمسلم أن يكتب بأي لغة شاء..
لقد لعبت الترجمة دورا كبيرا في ترجمة القرآن بلسان كل أمة بدليل أن الواقع الملموس اليوم يؤكد مدى انتشار الأدب الإسلامي بكل لغات العالم( الصينية، الماليزية، الفارسية، الإنجليزية..الخ) و من قاعدة واحدة هي التصور الإسلامي، فنجد في ذلك كما يشير صاحب الدراسة ( الأدب التركي ألإسلامي، و الأدب الأردي ألإسلامي و الأدب الأفغاني..) و هذا يؤكد على أصالة الأدب الإسلامي و عالميته..
(الأدب "الصوفي الجزائري" نموذجا)
رحلة سفر مع الشاعر الصوفي الطرقي الشيخ عدة بن تونس العلاوي
يرى الصُّوفيّون أن التصوف هو الذي يبعثهم على التلبس بخصال الدين الحميدة ظاهرا و باطنا و لذلك فهم ينزلون التصوف في أعلى منازله الذي هو بها أخرى، و تزعم الجماعة الصوفية أن المعرفة بالله شيء يلقى في النفس عند تجردها من العوارض الشهوانية، و ذكر العلامة شمس الدين محمد بن إبراهيم الأنصاري في مؤلفاته أن "النـُّسَّاك" في مِلـَّةِ محمد هم "الصوفية" و لهم آداب شرعية، و نذر كم هؤلاء الشاعر الصوفي الطرقي الشيخ عدة بن تونس العلاوي الجزائري، المولود بحي تجديت مستغانم غرب الجزائر في عام1898 للميلاد ، و هو سني معتدل..
تردد الشيخ عدة بن تونس منذ طفولته على زاوية الشيخ محمد البوزيدي فأصح موضع ثقة و خزانة أسرار، و بعد وفاة الشيخ العلاوي تولى عدة بن تونس مشيخة الطريقة العلاوية في عام 1934 فأنشأ جريدة "لسان الدين" و هي جريدة نصف شهرية كانت منبرا لنشر تعاليم الدين الإسلامي و القيم الروحية لطريقة العلاوية، إلا أن الجريدة جُمِّدَتْ فأنشأ عام 1946 مجلة "المرشد" و كانت متعددة المواضيع تصدر باللغتين العربية و الفرنسية..
كان الشيخ عدة بن تونس يكتب الشعر الصوفي و له أغراض شعرية عديدة ضمن ديوان : " آيات المُحِبِّين و منهج السالكين" ، و من هذه الأغراض نذكر على سبيل المثال لا الحصر ( الحب الإلهي) و هو نوع من الغزل و له فيها قصائد عديدة منها : (و الله ما سقوني، يا مليح الدلال، قَرَّبَتْنِي ميه، محبوبي من زاروا و غيرها..) وفق ما جاء في كتاب بعنوان: ( دراسات في الخطاب الصوفي عند أقطاب الطريقة العلاوية للدكتور يحي بعيطيش صدرت طبعته الأولى في بداية 2009 بالمطبعة العلاوية و جاء هذا الكتاب بمناسبة إحياء الذكرى المائوية للطريقة العلاوية.
و في الغزل أي الحب الإلهي يتعلق الشاعر بأنوار الذات الإلهية المقدسة و يتطلع إليها و يصف تجليها ووصاله بها و فناؤه فيها، و قد تعلق الشيخ بن تونس "العلاوي" من محبوبته "ميه" و عشق دلالها فقال فيها يصف شوقه لها :
قربتني ميه من بعد الدلال
نادت مني في وصح وصالي
نداءً خفيا من غير مقال
سقتني حميه من محض النوال
حمرة صفية من كل الأشكال
نهلة شافية من داء العضال
كما اهتم شعراء الصوفي كثيرا بـ: "الخـَمْرَة" ووصفوا صفاءها و أثرها في نفوس أصحابها، لأنها كثيرا ما تنتهي بهم إلى" السُّكـْر" و "العربدة" ، و ذلك من قبيل" الرمز" حسب صاحب الكتاب فالخمرة عن الشيخ عدة بن تونس حلال عند مباحة لأهل "النسبة" ، لأنها فناء و "تسبيح"، يقول في شعره مايلي:
خـَمِرْنَا خمر حلال يا فتى
و لكنه ليس بالمباح
لا يذوقه إلا من قد فنى
عن الكون و عن الأشباح
يا سائرا في الهوى مبتغيا
وصل حُبٍّ عليك بالسلاح
سلاح القوم عفاف و رضا
ووفاء بعهود الفلاح
و صلاة الله تنمو أبدا
على خير الرسل دون جماح
ملاحظة/ أهل «النسبة" هم الفئة الناجية المتفانية في طاعة الله و المتعطشة على خمرته و الفناء فيه، و يرى الشيخ عدة بن تونس أن أهل النسبة هم أهل الله و حزبه الذي رضي الله عنهم و رضوا عنه و قال فيهم:
أولئك أهل التداني** أولئك حزب النداما
رضي الإله عنهم** و رضوا عنه ختاما
قراءة في أدب الدعوة..
- علجية عيش
- اخترنا لك
- قراءة في كتاب
- الزيارات: 6495
Facebook Social Comments