المؤلّفة: ليلى سعيد تحت إشراف : جودت سعيد.
- دار النشر: دار الفكر المعاصر بدمشق.
- الطبعة الأولى سنة 1969
-قال الله تعالى : ” وضرب الله مثلا رَجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء، وهو كَلٌ على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير، هل يستوي هو من يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم”(سورة النحل :76)
- هدف الكتاب هو تبيين أنه بإمكان البشر دفع أو خفض مستوى فعالية الأفراد و المجتمعات حسب أهدافهم و ذلك بتفعيل السنن المتعلّقة بتغيير الأنفس.
الصفة التي تمكن الإنسان من الوصول إلى ما يرمي إليه هي الفعالية، النمو، القدرة التأثيرية و المصطلح الأدق في ذلك هو العدل أي أن يكون الإنسان فعّالا في الحق دائما وليس فيما سوى ذلك. أمّا اللا فعالية أوالسلبية أوالتخلف تعني أن هذا الشخص اللافعّال عبء على مولاه أو كلّ.
1)الفصل الأول : ماهي الفعّالية؟!
هي قدرة الإنسان على إستعمال وسائله الأولية واستخراج أقصى ما يمكن أن يستخرج منها من النتائج. اللافعالية تعني أن يعجز الإنسان عن استخراج النتائج التي يمكن أن يحصّله من االوسائل المتاحة له فهذا هو الكلُّ.
* أمثلة عن ذلك :
1)على مستوى الفرد:
نلاحظ أنّ الوسائل نفسها هي متاحة لجميع الأفراد كذلك الفرص فالإنسان الفعّال فعّال في جميع نواحي حياته حيث تتميّز حياته بأقل قدر ممكن من تبديد الفرص والإمكانيات وأكبر قدر من الاستفادة والتحصيل للنتائج الجيدة.
-الساعة والدقيقة التي هي نفسها لجميع الناس يستغلّها الإنسان الفعّال ويخطط لها بدقة ويبكي على إضاعتها فهو على وعي تامّ أنه سوف يسأل عن عمره فيما أفناه لأنه إنسان مؤمن. كذلك القول بالنسبة لجميع النعم كالمال الذي يصرفه فيما يحتاجه فقط ويكون حكيما في الإنفاق. وفي كل ما يتعلمه من قرآن وعلم يربط ذلك بشخصه ويكون مستعدا لتعديل ما أخطأ فيه وتطبيق وتبليغ ما تعلّمه. فهو إنسان ذو عقل يعمل و ينبض حياة. وكل ما حوله أو كل مكان كان فيه يدلّ على أنه إنسان فعّال بأتمّ معنى الكلمة.
2)على مستوى الأسرة:
تظهر فعّالية الأسرة في حياتها الدّاخلية المطمئنّة ونظام اقتصادها الحكيم والأبلغ والأهم من ذلك في مدى نجاحها في زرع القيم الراقية واقعا في سلوكات ناشئتها ولا يخفى ما يحتاج ذلك إلى جهد كبير. والنمادج الرّاقية تظهر من خلال المقارنات الكثيرة في حياتنا.
3)على مستوى المجتمع:
المجتمع الفعّال هو المجتمع الذي نظّم نفسه وتمكّن بإرادة وعمل دؤوبين من القضاء على المشاكل الاساسية التي يتعرض لها. فتقتل الطبقية فيه مثلا وهو يحذر كل الحذر من التحوّل إلى العجز والوهن بحيث لا يستفيد من الوسائل التي بين يديه في تحصيل أحسن النتائج منها. وفاعلية المجتمع ليست شيئا ثابتا وإنما أمر معرّض للتقلّبات فقد يتحوّل مجتمع متخلّف إلى مجتمع فعّال أو العكس كما تحوّل المجتمع الجاهلي إلى مجتمع إسلامي متمدّن فعّال منتج للمعارف والعلوم حين استفاد من الوسيلة التي توفرت له وأنزلها واقعا وهي المنهج القرآني. ثم تحوّل إلى مجتمع متخلّف عالة على غيره في الإستهلاك مع بقاء وتوفر نفس الوسيلة حيث تنقلب الموازين والقوانين فيه بعدما كانت عادلة فالمنكر لايغيّر والعقوبات تسلّط فقط على الضعفاء وما إلى غير ذلك.
4)على مستوى العالم:
*الناس يؤثرون ويتأثرون ببعضهم البعض وفي هذا العصر تتضح هذه الحقيقة أكثر حيث أنّ وسائل الإتّصال قرّبت من كان بعيدا وجعلت سكّان العالم أوعى بمشاكلهم وأصبح همّ حلّها مهمة الجميع فلافعالية الفرد أو المجتمع تظهر في عيشه على هامش الحياة وعدم تفاعله مع عصره والمساهمة بجانب الحل. و المبادئ الإسلامية تعلّمنا أنّ المسلم أو المجتمع الإسلامي مكلّف بأداء دوره في العالم بفعالية و تجعل المهمة الأساسية للمسلمين أن يكونوا شهداء على الناس.
2) الفصل الثاني: شروط الفعّالية:
- بعض الحقائق المهمة قبل الشروع في التحدث عن الشروط:
- فهم الآفاق (أحداث الكون) و الأنفس (القوى الواعية في الإنسان) تساعدان على فهم الفعّالية في الحياة. قال الله تعالى:” سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنّه الحق.”
- أبدع الله الإنسان وسوّاه تسوية عجيبةً قابلة للتزكية والتدسية وقابلة لأن يكون صاحبها في “أحسن تقويم” ولأن يرتدّ إلى “أسفل سافلين” وقابلة لأن يكون “كلاّ” أينما توجّه لا يأت بخير أو أن يكون “آمرا بالعدل” وهو على صراط مستقيم.
- يوجد شبه بين سنن تعليم القراءة والكتابة وبين سنن إعطاء الإنسان الفعاّلية.
- كما أنشأنا لتعلّم القراءة والكتابة مؤسسات تسهّل هذه العملية كذلك تعليم الفعّالية للناس يحسن أن يكون ضمن مؤسسات.
- القاعدة العامة لمعرفة قيمة فعّالية أمّة ما أو قيمة ثقافة ما أوقيمة حضارة أمة ما يكون بالنظر إلى جانبين:
1/ المثل العليا ومقدار موافقة هذه المثل لما يليق بالإنسان.
2/ مقدار التطبيق الذي يمارسه الفرد و المجتمع ليتوافق سلوكه مع تلك المثل و التزامه بالواجبات والمحرمات المنبعثة من المثل الأعلى.
ومقدار قيمة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أي الأمر بالواجبات والنهي عن المحرمات بمختلف الوسائل. لا يمكن لأي مجتمع أن يعيش بغير مثل عليا سواء كان مصدرها من الخالق أو المخلوق .و تفاوت المجتمعات يكون على قدرما في مثلها من صواب و على قدرما تبذل من جهود لتحقيق ذلك.
* شروط الفعّاليّة:
1) هناك نظريات للتاريخ يتوقف إعطاء الفعّالية على الأخذ بإحداهما:
- النظريّة الأولى: هي النظريّة القدريّة التي لا ترى أثرا لجهد البشر في صنع التاريخ و لا دخل لهم في حدوثه.
- النظرية الثانية: معرفة أسباب الأحداث باستخدام القوى الواعية للبشر و من ثمّ تظهر إمكانية تدخّل جهد البشر في صنع الأحداث و تسريعها و إيقافها بعد أن عرفوا أسبابها .ومثال ذلك: إذا أردت إبطال جهد الإنسان و إيقافه عن أي عمل ما عليك إلاّ أن تقنعه بعدم جدوى هذا العمل. فبعدما يقتنع ذلك الإنسان يتوقف عن العمل و هكذا الحال بالنسبة لمجتمع.
- ماذا يقول القرآن؟؟ ترى المؤلفة أنه من المفروض أن لا نطرح هذه الأسئلة أصلا لو كانت صلتنا بالقرآن وثيقة . القرآن تحدّث كثيرا عن قصص الأمم السابقة لنأخذ العبرة و نعرف الأسباب التي أوصلتهم إلى نهايتهم تلك فنتفادى الوقوع في نفس الأخطاء . فيعلل قائلا ( أهلكناهم بما ظلموا ، ببغيهم ، بكفرهم ، بما كانوا يظلمون .سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين).
لا معنى للأمر بالسير في الأرض و النظر في عاقبة المكذبين إن لم يكن في قدرة البشر اجتناب أسباب هلاكهم و هذا مايعنيه تدخّل جهد البشر في صنع أحداث التاريخ .
( لعلّكم تتفكرون ، تعقلون ،تتّقون)(أفلا تسمعون ، تبصرون ، تعقلون).
*خلاصة - إن صنع الأسباب يكون بالاختيار لا بالحتم ، و لكن حدوث النتائج حتم ، فبهذا الشكل صار الإنسان مسيطرا على الحتم كما أنّ الإنسان الذي يغفل عن سنن الله فإنّ سنن الله لا تغفل أن تأخذ طريقها دون شعور الإنسان الغافل. |
- فلا يمكن أن ننتظر نحن المسلمون لهذا الدين الإلهي أن يعمل فينا بطريقة سحرية بل علينا أن نهيئ الأسباب لنصرته و تطبيقه أوّلا ثمّ النصرمن الله ثانيا.
2) المسوّغ :
إذا كان الإنسان أو المجتمع أو الأمّة يشعرون أن لديهم و يملكون شيئا يفتقده ويحتاج إليه الآخرون يكون ذلك دافعا لذلك الإنسان و تلك الأمّة أن تكون أكثر فعّالية و نشاطا و إسهاما و العكس صحيح . فالإنسان إذا لم يكن عنده شيء يقدمه للآخرين و يشعره بإسهامه معهم يصيبه الانطواء و الخمول و يكون كلاّ و مقلّدا ربّما لغيره.
3) ” رغباً و رهباً “:
- فعالية الإنسان و توتّره يكونان في أقصى مداهما كلّما كان يقينه صادقا فيما يطلبه و كلّما كان ما يطلبه عزيزا و ما يهرب منه شرّا كبيرا .
- فلا بدّ من التوازن الصحيح بين الخوف و الرجاء لأن كلاّ منهما إن زاد عن حده انقلب إلى ضدّه فتتحول شدّة الخوف إلى اليأس كما يتحوّل غلبة الرّجاء إلى الأمن و الغرور .
و كلّ منهما يبطل الفعالية وكل منهما مذموم أشدّ الذّم “إنه لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الظالمين” ” فلا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون”.
4) أداء الواجبات :
يتبيّن لنا أن كل لحظة يبذل فيها الفرد المسلم واجبه فإنه يساهم في بناء الحياة الإسلامية . و يكون الواجب بداية من أبسط صورة إلى أعقدها فالواجب يكون إزاء النفس ثم مساعدة الآخرين في أن يرتفعوا بأنفسهم و هكذا .
- نختم بقوله الله الحكيم العليم الذي يأخذ بالألباب و يحثّ المسلم لأن يكون أكثر فعّاليّة أينما و حيثما وجد بتبشيره بالتّالي :
﴿ و ما تكون في شأن و ما تتلو منه من قرآن و لا تعملون من عمل إلاّ كنّا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه ، وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرّة في الأرض ولا في السمّاء ولا أصغر من ذلك و لا أكبر إلا في كتاب مبين ﴾ (يونس61).
﴿ فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ﴾ (آل عمران195)