أسَّرَالرسول
إلي وحيدته فاطمة رضي الله عنها خبر انتقاله إلى الرفيق الأعلى صراحةً ومشافهةً دون غيرها، ثم أسَّرَ إليها ثانية بعد حزنها على سماع خبر فراقه، بأنها ستكون أول أهله لحوقَا به فَسُرتْ بذلك. حيث قالت : فلما رأى جزعي سارني الثانية فقال :”يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين, أو سيدة نساء هذه الأمة“؟ (1). وفي رواية: ”فأخبرني أني أول من يتبعه من أهله فضحكت“ (2).
إذن فخبر وفاته
كان معلومًا لفاطمة ابنته، أي أنها كانت مهيأةً تمامًا من الناحية النفسية والزمنية، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن : لماذا فعلت ما فعلت بعد وفاته
وعانت ماعانت من ألم الفاجعة وشدة المصيبة، وعظم النازلة بفقده حتى قالت عندما جاءها نبأ وفاته : (ياأبتاه أجاب ربًا دعاه، ياأبتاه من جنة الفردوس مأواه، ياأبتاه إلى جبريل ننعاه)، وحين قالت لأنس بعد دفن الرسول
: (ياأنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله
التراب؟!).
وعندما أخذت ترثي أباها ـ فيما نسب إليها ـ قائلة :
أغبـر آفــاق السماء فكورت شمس النهار وأظلم العصـران
الأرض من بعد النبي كئيبــة أسفاً عليه كثيــرة الأحــــزان
فليبكـه شرق العباد وغربهــا وليبكه مضـر وكــل يمانـــــي
وليبكــه الطـود الأشم وجوده والبيـت والأستــار والأركـان
ياخاتم الرسل المبارك ضوؤه صلى عليك منزل القــــرآن
وعندما قامت ترثي أباها عند قبره
بعد أن أخذت قبضة من تراب القبر فوضعتها على عينها فبكت وأنشأت تقول:
ما ضر من قد شم تربة أحمد ألا يشم مدى الزمان غواليــا
صُبَّتْ عليَّ مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا
والجواب لا يتبادر إلى الذهن كما فعل السؤال، بل ينفجر من القلب يقينًا بلا ارتياب، تعلوه دهشة السؤال، فيباغتنا بسؤال بلا افتعال : كيف لفاطمة رضي الله عنها ألا تفعل ما فعلت حتى لو علمت بأنها ستلحق بأبيها بعد دقائق معدودات، ولكن الأهم عندها أنه سيموت قبلها ولو بدقيقة. أن علاقة فاطمة بأبيها علاقة خاصة من حق المتعجب أن يتعجب لأنه يجهلها وإذا علمها دون أن يتعمقها ويُعايشها ويتعايش معها فما أحسها ولا علمها مادام لم يعاين وقائعها وأحداثها منذ ولادة فاطمة ومعاصرتها أحداث الدعوة وفراق الأحبة من الأهل ثم هجرة أبيها إلى المدينة وبقائها فى مكة حتى استدعاها إليه وأختها معها.
ففاطمة أصغر بنات الرسول
إذ كانت زينب الأولى، ثم رقية الثانية، ثم أم كلثوم الثالثة، ثم الزهراء الرابعة، وهى أطول أخوتها صحبة لأبيها
؛ إذ لم تتركه منذ ميلادها حين كانت قريش تبني بيتها أي قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم بخمس سنين وعمره
آنذاك خمس وثلاثين سنة، ولطول صحبتها مزية لها كما أن لها ضريبتها القاسية التى دفعتها من سنوات عمرها وشبابها وصحتها فقد كانت بحق سيدة الصابرين التى تجرعت كؤوس الآحزان مترعات كأسَا كأسا؛ فقد مات أخويها القاسم وعبد الله ثم ماتت أمها ثم تتابعت الأحزان بوفاة أختيها: رقية يوم بدرفى العام الثامن من الهجرة، وأم كلثوم فى العام التاسع من الهجرة، وآخرمن شيعت إبراهيم أصغرأخوتها من السيدة مارية، ثم عاشت لتشهد رحيل أعز وأعظم الناس قاطبةً الأب الحاني والبقية الباقية لها بعد موت الأم والأخوة والأخوات فزهدت فى الابتسام ولقاء الناس بعده إذ ليس بعده عندها إلا أن يحين دورها فى الرحيل لتلحق به
، فكانت بحق "أم أبيها" تلك الكُنية الفذة التى فازت بها دون بنات جنسها على الإطلاق وذلك لكونها عاشت مع الرسول عليه الصلاة والسلام بعد موت والدتها ترعى أموره وتشد أزره، كما كانت قريبةً منه أشد القُرب فى معظم أوقات حياته، فلم تغب عن بصره ـ ربما ـ إلا ساعات خروجه من الدار، فقد كانت رضي الله عنها شديدة التعلق والاهتمام به ـ حتى بعد زواجها ـ كما كانت تحدّثه بما يُسلّي خاطره ويدخل الفرحة على قلبه برغم ما كانت تعانيه وتتحمله بثبات أهل الإيمان العميق.
إنها فاطمة .. التى قلما فارقت أباها؛ فمنذ طفولتها والدعوة مازالت فى بواكيرها كانت تخرج معه
إلى الحرم، وذات مرة بينما كان ساجدًا إذ أحاط به أُناس من مشركي قريش وجاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور وقذفه على ظهر النبي
فلم يرفع رسول الله
رأسه حتى تقدمت هيَّ فأخذت السلى ودعت على من صنع ذلك بأبيها وعندئذ رفع المصطفى
رأسه وقال:’’اللهم عليك الملأ من قريش اللهم عليك أبا جهل بن هاشم وعتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأبي بن خلف’’.. فخشع المشركون لدعائه وغضوا أبصارهم حتى انتهى من صلاته وانصرف إلى بيته تصحبه ابنته فاطمة وما هي إلا أعوام قليلة وترى فاطمة رضي الله عنها هؤلاء الملأ قتلى في بدر.
فاطمة الزهراء سيدتنُا سيدة هذه الأمة أو سيدة نساء العالمين، ابنة رسول الله وحبيبته التي أقسم
حين أتاه حِبَهُ وحبيبه وابن حبيبه أسامة بن زيد مستشفعًا للمرأة المخزومية السارقة كي لايقيم عليها حد السرقة، فغضب
من أسامة ثم جمع الناس فخطب فيهم فقال : ’’أيها الناسُ! إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريفُ، تركوه. وإذا سرق فيهم الضعيفُ، أقاموا عليه الحَدَّ. وايمُ اللهِ! لو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقَتْ لقطعتُ يدَها’’(3). والشاهد من العظمة ما قد لايلحظه أحدنا على إعتبار أنها- أي فاطمة – لن تسرق، ولكن يجب أن تعلم أن الخطاب كان على الملأ، ويجب علينا أن نثـق تمام الثقة لو أن فاطمة فعلتها لأبر النبى
بقسمه.
وكانت فاطمة رضي الله عنها هناك لماخرج
يومًا إلى قريش وقد نزل قوله تعالى : ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾(4): فجعل ينادي : ’’يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا’’، ثم اختص فاطمة من أولاده فخاطبها : ’’وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا’’(5)، تقول الدكتورة عائشة عبدالرحمن تعليقًا على هذا الموقف : (وخفق قلب فاطمة حنانًا وتأثرًا فهمست تقول : لبيك يا أحب والد وأكرم داع .. فقد كانت رضى الله عنها حتى الرمق الأخير من حياتها لاتمل من تلبيته وطاعته
).
وهل غابت فاطمة عن أبويها في شعب أبي طالب حيث عاشت هناك في حصار أجهدها سنوات عديدة كما أنهك أمها السيدة خديجة، ثم عادت من الحصار إلى مكة لتشهد موت أمها رضي الله عنها، ثم هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب وبقيت فاطمة مع أختها أم كلثوم في مكة حتى جاءها من عند النبي
من يصحبها إلى المدينة المنورة.
كما خرجت السيدة فاطمة رضي الله عنها لمداواة الجرحى وسقايتهم مع نساء المسلمين يوم أحد، ولما رأت رسول الله
وقد انكسرت رباعيته وسال الدم على وجهه الشريف جرت عليه واعتنقته واخذت تمسح الدم من على وجهه الشريف ولما وجدته لا يتوقف حرقت حصيرًا ومنعت به الدم فامتنع وأخذ رسول الله
يقول: ’’اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ، وَهَشَمُوا عَلَيْهِ الْبَيْضَةَ، وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ’’ ثم مكث ساعة ثم قال :’’اللهم اغفر لقومى فإنهم لايعلمون’’(6).
إنها الشبيهة الحبيبة والتى شاءت إرادة الله تعالى أن يمد فى عمرها رضى الله عنها وأرضاها ليكون منها ـ دون إخوتها ـ النسل المتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم وهى من أعظم المناسبات التى أدخلت فيها الزهراء الفرحة على أبيها
حين كان ينادي الحسن والحسين: يابنى وكانا يدعوانه : يا أبت.
ولهذا كان
ينهض إذا دخلت عليه ويقوم بتقبيل رأسها ويدها، كما روت عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت أحدًا كان أشبه سمتًا وهديًا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها وقبَّلها وأجلسها في مجلسه، وكانت إذا دخل عليها قامت إليه وأخذت بيده وقبلته وأجلسته في مجلسها(7). وكان لا ينام حتى يقبًل عرض وجهها، وبين يديها، وكان يقول لها: ’’فداك أبوك كما كنت فكوني’’(8) حتى أنه كلما قدم من سفر بدأ بالمسجد، فيصلي ركعتين، ثم يذهب لفاطمة، ثم يأتي بيوت أزواجه.
كما أنها لم تتركه فى أوقات مرضه الأخير فى بيت السيدة عائشة وحتى وفاته صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها وأرضاها .. ولهذا لم يُطِّق
بُعْدَها عنه وكذلك لم تتحمل فاطمة بُعْدُهُ عنها وذلك فى أول أيام زواجها من علي حين أسكنها بيت أمه وكانت دارها بعيدة عن بيت النبوة، كما جاء في رواية ابن سعد في الطبقات عن أبي جعفر لما قدم رسول الله
المدينة نزل منزلًا فطلب علي منزله حتى يسكن فاطمة فيه، وبنى بها فى بيت أمه فاطمة بنت أسد وكان ذلك بعيدًا عن بيت رسول الله وكانت تتمنى أن تكون من السكن بقرب أبيها وسرعان ما تحقق أملها فقد جاءها النبى قائلا : ’’إني أريد أن أحولك إلىّ’’، فقالت لرسول الله: (فكلم حارثة بن النعمان أن يتحول ـ ينتقل من منزله ـ وأكون إلى جوارك)، وكان حارثة كلما تزوج رسول الله
تحول له حارثة عن منزل بعد منزل، حتى صارت منازل حارثة كلها إلى رسول الله
، فقال رسول الله
لها : ’’يا بنية، قد تحول حارثة عنا حتى استحييت ُ مما يتحول لنا عن منازله’’، فبلغ ذلك حارثة فتحول وجاء إلى النبى، فقال : يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد أن تحول فاطمة إليك وهذه منازلي وهى أسقب ـ أقرب ـ بيوت بني النجار بك وإنما أنا ومالي لله ولرسوله والله يا رسول الله للذى تأخذه مني أحبُّ إلىّ من الذى تدع، فقال له الرسول: ’’صدقت، بارك الله عليك’’ فحولها رسول الله إلى بيت حارثة.
ذكر ابن حجر في الإصابة عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال: كانت فاطمة أصغر بنات النبي
وأحبهن إليه، وسئلت عائشة رضي الله عنها، كما روى الترمذي في سننه بسند حسنه،: أي الناس كان أحب إلى رسول الله
؟ قالت: فاطمة، قيل: فمن الرجال؟ قالت: زوجها إن كان كما علمت صوامًا قوامًا (9).
هكذا كانت رضى الله عنها فى كل المواقف معه دائمًا
الابنة الحبيبة الرفيقة الشفيقة المواسية، وكيف لاتكون وهي فرع الحنان المتدلي من شجرة الحنان الكثيفة الوريفة التى أظلت المسلمين ورسول الإسلام بحنوها وعطفها ومالها وجهادها حتى صار لها فى عنق كل مسلم دين حتى قيام الساعة إنها فاطمة ابنة خديجة رضي الله عنهما وعن كل أمهات المؤمنين.
ولئن تعجبنا كيف أن الابنة لم يروّعِها النبأ بل سُرّت به فيما يمكن أن نسمي علاقة البنوة بالأبوة المتشابكة بين الزهراء وأبيها بأنها معجزة تُضاف لسيد الخلق حين نجح فى أن يُهذب ويؤدب ابنته إلى هذا الحد الفائق من الطاعة حين لم ترد عليه مقالته، بل وجعلت نعيها بشارة فلم تغتم ولكن سُرَّت؛ ليس زهدًا فى الحياة ولكن فرحًا بالمرافقة والمجاورة لأبيها فى رحلته الأخيرة عن الدنيا.
كما لم يكن هذا أنانية منها بترك زوجها وصغارها فقد أوصت بهم لمن بعدها، وغالبًا ما كانت تعرف من نبؤات أبيها بأن ولديها لن يُعمرا طويلاً، وكان من رحمة والدها بها ـ ربما ـ أن لايُذيقها نار فراقهما فى حياتها كما تجرعها هو
فى أولاده وأخوتها وآخرهم إبراهيم آخر أبنائه من السيدة ماريا رضى الله عنهم جميعًا؛ فكم هو مؤلم على النفس والقلب فراق الأولاد فى حياة والديهم.
أما ماينفي الأنانية عن السيدة فاطمة بفرحها لمغادرة الدنيا التى فيها الزوج والأولاد هو حديثها مع زوجها علي أحب الناس إلى قلبها بعد والديها الكريمين حيث رأت أن تُوصيه، وتقبَّل منها وصاياها ونفذها بعد موتها وفاءً لها لأنه كان يعلم أن أمر وفاتها وحياتها ليس فى يد أبيها وإن كان رسولًا بل يقف موتها عند حد التبليغ من الرسول الكريم لابنته وغالبًا ما أوجعه، وما كان ليبوح لها به إلا لمَّا رأها تأذَّت وبكت حين سَّارها برحيله، كما أنها تعلم كما يعلم زوجها الذى نبأه الرسول سابقًا أنه شهيد؛ أنهما لم يجربا الكذب على رسول الله
لاهما ولاعامة المسلمين ومادام قد قال فقد صدق وما عليهما إلا التسليم بقضاء الله وهذا مافعلاه، ونستشف هذا من الحوار الرقيق الدقيق الأخيرعن الرحيل الأكيد فتجد الكلام فى موضعه؛ فهي توصي بحق لا لتستشف تعلق زوجها بها وحزنه عليها من عدمه، كما أنه لن يجاملها أو يخفف عنها بأنها ستتعافى وسيشد الله أزرها ويمد فى عمرها مواساةً منه، فإن عليًا يعلم أنه لو فعل هذا فإنما يرد كلام رسول الله ويُكَذِبه وحاشاه أن يفعل، ولهذا تعامل مع الموقف تعامل الرجل الحكيم المسلَم بقضاء الله وقدره.
أوصت الزهراء رضي الله عنها زوجها علي بن أبي طالب بثلاث وصايا، فقالت: يا ابن عم، إنه قد نُعيتُ إلي نفسي، وإنني لا أرى حالي إلا لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي، فقال رضي الله عنه : أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله
، فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت، فقالت رضي الله عنها : يا ابن العم ما عهدتني كاذبة ولا خائفة، ولا خالفتك منذ عاشرتني، فقال رضي الله عنه : معاذ الله! أنت أعلم بالله تعالى، وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفًا من الله تعالى، وقد عز علي مفارقتك وفقدك إلا أنه أمر لابد منه، والله لقد جددتِ علي مصيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجل فقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ثم أوصته رضى الله عنها بثلاث :
أولا:أن يتزوج بأمامة بنت العاص بن الربيع ،وبنت أختها زينب رضي الله عنها، وكان اختيارها لأمامة رضي الله عنها يقوم على أسباب وجيهة، بينتها قائلة :أنها تكون لولدي مثلي في حنوتي ورؤومتي. أما أمامة فهي التي رووا أن النبي
كان يحملها في الصلاة .
ثانيا : أن يتخذ لها نعشا وصفته له ، وكانت التي أشارت عليها بهذا النعش أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وذلك لشدة حياءها رضي الله عنها فقد استقبحت أن تحمل على الآلة الخشبية ويطرح عيها الثوب فيصفها، ووصفه أن يأتى بسرير ثم بجرائد تشد على قوائمه ، ثم يغطى بثوب.
ثالثا :أن تدفن ليلا بالبقيع.
وقد روى الإمام أحمد كيفية وفاتها في حديث ضعفه أهل العلم عن أم رافع قالت: اشتكت فاطمة شكواها الذي قبضت فيه، فكنت أمرضها فأصبحت يومًا كأمثل ما رأيتها في شكواها تلك، قالت: وخرج علي لبعض حاجته، فقالت: يا أمه اسكبي غسلًا فسكبتُ لها غسلًا، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثم قالت: يا أمه أعطني ثيابي الجديدة فأعطيتها فلبستها، ثم قالت: يا أمه قدمي لي فراشي وسط البيت، ففعلت، واضطجعت واستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدها، ثم قالت: يا أمه إني مقبوضة الآن، وقد تطهرت فلا يكشفني أحد، فقبضت مكانها، قالت: فجاء علي فأخبرته.
وكذا روى ابن سعد في الطبقات : أنها غسلت نفسها قبل أن تموت، ووصت أن لا يغسلها أحد لئلا ينكشف جسدها، وأن عليًا دفنها دون غُسل، قال الذهبي عن هذا الكلام في السير: "هذا منكر".
قال الزيلعي في نصب الراية: "واعلم أن الحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وفي العلل المتناهية... وقال: "هذا حديث لا يصح".
وضعفه ابن حزم في المحلى، وقال ابن كثير: غريب جدًا، أما ابن الأثير فقال في أسد الغابة: "والصحيح أن عليًا وأسماء غسًّلاها."
وقد روى الشافعي والدار قطني وأبو نعيم والبيهقي وحسنه ابن حجر والشوكاني، عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن فاطمة رضي الله عنها أوصت أن يغسلها علي رضي الله عنه، قال الشوكاني: ولم يقع من سائر الصحابة إنكار على علي وأسماء، فكان إجماعًا. وأما إنكار ابن مسعود فلا يصح، وعلى هذا جمهور أهل العلم، وذهب الحنفية في الأصح و أحمد في رواية إلى عدم جواز ذلك لانقطاع الزوجية، والأول أصح، لأن الصحابة أفهم لدين الله عز وجل من غيرهم، وهذا الأثر الذي فيه وصية فاطمة يبطل ما قبله، فتعين الأخذ به. ولقد روى الإمام الذهبي قصة وفاتها في السيرعن أم جعفر : أن فاطمة قالت لأسماء بنت عميس : إني أستقبح ما يُصنع بالنساء، يُطرح على المرأة الثوب فيصفها. قالت: يا ابنة رسول الله، ألا أريك شيئاً رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنَتْها، ثم طرحت عليها ثوبًا، فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله، إذا مت فغسليني أنت وعليّ، ولا يدخلن أحد عليً. فكانت رضى الله عنها هي أول من غُطيَّ نعشها في الإسلام على تلك الصفة كما قال ابن عبد البر.
وأما أمرها أن لا يصلي عليها أبوبكر وعمر رضي الله عنهما، ولا أن يتوليا دفنها، فهذا محض كذب وافتراء.
وهكذا فقد توفيت فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين في زمانها، البضعة النبوية، والجهة المصطفوية، بنت سيد
أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية أم الحسنين رضي الله عنها وأرضاها بعد وفاة أبيها بستة أشهر فى ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة فدُفنَت ليلاً كما أوصت بعد أن صلى عليها على بن أبى طالب ونزل فى قبرها زوجها على والعباس والفضل بن العباس رضى الله عنهم أجمعين. قال ابن الأثير في أسد الغابة: هذا أصح ما قيل. وقال الذهبي في السير : وعاشت أربعًا أو خمسًا وعشرين سنة، وأكثر ما قيل: إنها عاشت تسعًا وعشرين سنة، والأول أصح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) فتح البارى (7/373).
(7) رواه أبو داوود في السن .
(8) رواه الحاكم.
(9) تكلم الذهبي في السير على صحة هذا الحديث وإن كان قد حسنه الترمذي ورواه الحاكم وصححه.