عندما تكون الإبادة الجماعية والتصفية الدموية والقتل المؤسس هي لغة الحوار التي يتكلم بها الكيان الصهيوني في غزة والإجراءات التكتيكية التي يتبعها لتركيع أصحاب الحقوق الشرعية وعندما يصل الحقد إلى أعلى درجاته اللاانسانية فان الكرامة الإنسانية هي التي تتداس لأتفه الأسباب وتزهق الأرواح لمجرد الانتماء إلى الزمان والمكان والولاء لمن حمل هم القضية وأطعم الفم وحاول تفريج الكرب.
حجم المحرقة كان كبيرا والدماء التي روت الأرض كانت وارفة والأهل هناك أخذوا على حين غرة وفي واضح النهار وعلى مرأى ومسمع العالم وبمبارك عربية وفلسطينية وبعد حصار طويل وقطع خطوط الإمداد وتفجير الأنفاق ومنع السفن الإنسانية من كسر الحصار والاقتراب من موانئ غزة.
هناك جريمة حقيقية يرتكبها جيش نازي جديد بعقلية سادية يتلذذ بتعذيب الآخرين ويتاجر بالآلام وهناك صمت نظامي رسمي عربي وحالة من العجز والسلوك النعائمي النعائجي لبعض الهيئات الفاقدة لكل عزة عسكرية عندنا وعويل ونحيب وصياح إلى حد الاختناق في الشارع العربي لا يجدي ولا ينفع وهتاف من أعماق الوجدان بموت الامبريالية وربيبتها الصهيونية وكل من تحالف معها من الأنظمة العربية الرجعية وهناك مواقف بربرية غير حضارية تصدر من زعماء دول غربية وبعض الأقلام المأجورة في بعض المجلات المتصهينة والمواقع الالكترونية الممولة من طرف أجهزة المخابرات المعادية للعروبة والإسلام ولكل منزع وطني وأممي شريف.
أسباب العدوان عديدة أهمها حقيقة النوايا الصهيونية التوسعية تجاه القطاع ورؤيتهم الإستراتيجية العدمية حول مصير السكان العرب في المنطقة وتبنيهم الدغمائي لعقيدة الحل العسكري لسوء المفاهمات مع الأغيار، أما السبب الذاتي فهو تخلي العرب والمسلمين عن تبني القضية الفلسطينية كقضية مركزية واستمرار الانقسام الفلسطيني ومناشدة الفريق المنبطح والاستسلامي إسرائيل للتدخل وإضعاف الفريق المتصلب حسب رأيهم من أجل استكمال ما بدأوه في مدريد وأسلو من تنازلات وبغية إغلاق الملف نهائيا.
الغريب أن هذه الأقلام تحمل حماس ما جرى وتحرض عليها وتدعو إلى إلغائها من الوجود بكل الطرق ومهما كانت الخسائر البشرية وتسند إلى بعض حركات التحرر الوطني والهيئات المدنية المقاومة مسؤولية التطهير العرقي الذي تقوم به عصابات الهاجانا الجديدة في القرن الواحد والعشرين وبذلك تحتفل هذه العصابات بطريقة سريالية بذكرى الستين للنكبة وبداية مسلسل اغتصاب فلسطين وقيام كيان وهمي عبر أكوام أشلاء الجثث وأنهر من الدماء الطاهرة.
ردود الأفعال تراوحت بين مطالبة المتظاهرين العرب بإيقاف العدوان والدعوة إلى انعقاد قمة العربية طارئة وتقديم المساعدات العاجلة لعائلات الضحايا والمنكوبين الفلسطينيين وبين مطالبة الشارع الإيراني بالرد المدوي على العدوان وتحميل القادة الإيرانيين بعض الأنظمة العربية المعدلة بالاتفاق مع جيش العدو على تصفية المقاومة في غزة والتهديد بشن الحرب على الكيان الغاصب ورجم مدنه ومنشئاته العسكرية بالصواريخ الإيرانية طويلة المدى.
لقد تبين بالكاشف بعد الهجمة الشرسة على غزة الصامدة من هم أنصار الحقوق العادلة والقيم الإنسانية ومن هم الذين يروجون السلام الكاذب ويشنون الحروب الدموية المروعة وارتسم في الأفق برزخ فاصل بين الإرهاب المتطرف في أرقى أشكاله العنجهية الذي تمارسه إسرائيل والمقاومة الشريفة في أرقى أشكالها الشرعية التي يلجئ إليها الفلسطينيين.
مهما تكن نتيجة العدوان الغاشم الذي تقوم به الطغمة العسكرية الصهيونية على شعبنا العربي المسلم الأبي في غزة ومهما يقدم الفلسطينيون من شهداء بررة ومهما كانت الخسائر في البنية التحتية المادية وحجم الدمار والتخريب ومهما يتواصل الصمت الرسمي العربي وتتأجل اللقاءات المشتركة وتتعطل المساعدات وتقبر القرارات الجريئة والشجاعة من قبل المنتظم الدولي تجاه القضية الفلسطينية بفعل الفيتو الأمريكي المرفوع فان غزة ستخرج لامشاحة من الكماشة ولو كان مخاض الخروج دمويا وصعبا ومتأخرا وان شعبية حماس ستتضاعف وأرصدة مشروع المقاومة والاستثبات سترتفع وخط الانبطاح والتطبيع سيتلاشى والمشروع الصهيوني ستدور عليه الدوائر والانتفاضة الثالثة ستنطلق من جديد لتشرق معارج القدس من غزة الشاهدة على جبن الإنسانية وعارها والشهيدة من أجل العدل والحق.
إن المقاومة الباسلة في غزة ستزرع الأشواك أمام الأجندة الامبريالية وستكشف عن الخلفية الاستعمارية في قولة هيجل المعترفة بأن الشخص القوي لابد أن يطأ بقدميه على أزهار مجهولة كثيرة وأن يدمر أزهارا كثيرة في طريقه، أليس من المفارقة الجمع بين منطق القوة الفيزيائي ومنطق الشخص الأخلاقي؟ ثم هل من المشروع أن تبني دولة ما مجدها بأساليب التدمير والدوس بالأقدام على الآخرين؟ بعبارة أدق ألا ينبغي على العرب والمسلمين أكثر من أي وقت مضى أن يتأملوا الصواب والحكمة ويعرفوا الأسباب والمعاني حتى يكفوا عن الضياع في العالم ويخرجوا من حالة الجحود إلى الشهود ومن تكذيب الصادقين إلى تفنيد المتربصين؟
كاتب فلسفي