من ضرَبِها.
يُسْتَنْتَجُ من ذلك أن جهاد التربية كان داخل جماعة([1]) المؤمنين، وفي محضنها التربوي([2])، وبناء عليه فإن "التربية لا تتم إلا في وسط الجماعة"([3]).
وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد أمحزون:"ولا يتم معنى الجماعة إلا بالمفهوم الذي طبقه الرسول r مع أصحابه، حيث ألزمه الله عز وجل في مكة بالمؤمنين وألزمهم به، وجعل ولاءه وولاءهم لله، وخصَّهم وحدهم دون غيرهم بمحبته ورضاه، وأخذ يغرس في نفوسهم طاعة الله ورسوله، والاجتماع على ذلك، ومحبة المؤمنين ونصرتهم، وبغض الكفر والشرك وأهله"([4]).
وهكذا ربى النبي r أصحابه y على العمل الجماعي وعلى الروح الجماعية، والارتباط الوثيق بالجماعة، فكانوا منسجمين ومرتبطين ارتباطا وثيقا قيادة وقاعدة، وأفرادا وجماعة، كما جاء في الحديث عن النُّعْمَانَ بْن بَشِيرٍt يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِr: pتَرَى الْمُؤْمِنِينَ في تَرَاحُمِهِمْ، وَتَوَادِّهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ؛ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّىi ([5]).
وعليه، فلابد للتربية من جماعة، "ولابد للجماعة من قيادة تتولى مسؤولية التنظيم وبرامج التوجيه، بتحديد الأولويات والمراحل والأهداف، وتقوم بتعبئة الطاقات، وتنظيم العلاقات بين أفراد الجماعة، وتوزيع المسؤوليات أو المهمات، وتوجيه الكفاءات، وتنسيق الجهود للسير في خطى ثابتة وحثيثة نحو الهدف المنشود"([6]).
ولأهمية القيادة جعل النبي r على الأنصار اثني عشر نقيبا من الأوس والخزرج لما بايعوه بيعة العقبة الكبرى، لأن في القيادة جمع الكلمة، والتحام الصف، والتآلف، وجمع الجهود، والسلامة من الخلاف.
([1]) الجماعة تختلف شكلا ومضمونا عن المجتمع، إنها ذلك الكائن العضوي الحي، الذي يجمع بين أعضائه رباط ثلاثي متين، كما جمع بين الصحابة y، أحدها رباط المحبة وقد آخى النبي r بين المهاجرين والأنصار، فكانت محبتهم قوية وشديدة لسيدنا رسول الله r، هذه المحبة أثمرت المحبة لبعضهم بعضا، وثانيها الطاعة لسيدنا رسول الله r، وآخرها النصيحة.
([2]) يقول الشهيد سيد قطب:"يجب أن تكون هناك محاضن لتربية الأفراد تربية إسلامية. هذا هو الأساس". دراسات إسلامية، ص77.
([3]) حكم العمل في جماعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الشيخ عبد الله عزام، ص32.
([4]) منهج النبي r في الدعوة، د.محمد أمحزون، ص154.
([5]) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، ح6011.
([6]) منهج النبي r في الدعوة، د.محمد أمحزون، ص150-151.