أ- كل ما علق على المشيئة جاءت ضوابطه مفصلة تفصيلا:
مما يدركه المتتبع لسنن الله في القرآن : أن الله جل شأنه كلما علق أمرا على المشيئة في مكان ما من القرآن إلا وجاءنا في عدة أماكن منه بتفصيل
وقانون لتلك المشيئة :
قال الله تبارك وتعالى:﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا﴾([1])
وقال الله جل حلاله:﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([2]).
ب- ابتلاء الله للمؤمنين ليبلوهم أيهم أحسن عملا:
وإذا ما تطرقنا لأسباب تسليط رسل الله على عباده بالنقم قد يفهم منها بأن الله سبحانه وتعالى يسلط رسله ظلما وعدوانا، وحاشا الله أن يكون في نظامه ظلم، وإنما تأتي أفعال الله جزاء وفاقا ابتلاء لعباده ليبلوهم أيهم أحسن عملا، وليرجعوا عما اقترفت أيديهم، يقول عز وجل: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾([3]) ، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾([4]).
ت- أصل المشكل عداوة الكافرين لله وللرسول وللمؤمنين:
توزعت البشرية وتنوعت حسب انتمائها لشرع الله، أو معاداتها له، أو اللاعبين على الحبلين، وبهذا كان الناس أصنافا ثلاثة : المؤمنون، والكافرون، والمنافقون.
أ- عداوة الله للكافرين: ﴿مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾([5]).
ب- عداوة الشيطان للإنسان بصفة عامة وللمؤمنين بصفة خاصة: منذ اللحظة الأولى لنزول أبينا آدم للأرض أخبرنا الحق جل علاه: ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾([6]) ومن سنن الله تقريره سبحانه: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً﴾([7]) ومعلوم بأن "كان" هنا تفيد الدوام والاستمرارية، ويكشف الحق سبحانه عن عداوة الشيطان للمؤمنين بخاصة ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾([8]).
ت- عداوة الكافرين للنبي r: وفي ذلك يسن الله جل جلاله : ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾([9]).
ث- ويخصص الله جل جلاله عداوة المجرمين من الكافرين للنبي r بقوله :﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾([10]).
ج- عداوة المنافقين للنبي r: يسن الله عز وجل سنة معاداة المنافقين لرسوله الكريم r بقوله تعالى : ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾([11]) وسن الله جل علاه عدم الاستعانة في الحروب بالمنافقين والكافرين، وفي هذا يقول سبحانه : ﴿فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ﴾([12]).
ح- عداوة الكافرين للمؤمنين: ومن سنن الله سبحانه وتعالى سنة العداوة بين المؤمنين والكافرين، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى : ﴿إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً﴾([13]) فهل تستفيق همم من يسعون للشراكة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهم يجالسونهم على موائد من خمر و...؟ وقد سن الله لنا سنة معاملتهم وفق ضوابط معينة بأن لا نجالسهم حين يكفرون بآيات الله ويستهزئون بها:﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً﴾([14]) ومن جملة السنن في هذا المجال أن الكفار لن يرضوا عن المؤمنين إلا إذا اتبعوا ملتهم لقوله تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾([15]).
خ- كما بين جل جلاله عداوة المنافقين للمؤمنين, وفي هذا الصدد يقول سبحانه وتعالى:﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾([16]).