يتجاوز العصر الراهن اللغة وأساليبها وصيغها في التعبير الشفوي أو التصوير . فما يمتاز به هذا العصر هو تفجر في تكنولوجيا الإعلام والتواصل، التي تنطوي على خطابات هائلة بل خيالية تتجاوز الحدود والسدود والحواجز. ومن أهم ظواهر ذلك هو علاقة الصورة بالخطاب المعاصر كمحمول. إذ توحي الصورة بمجموعة من الدلالات تعادل ملايين الكلمات، وغالبا ما تكون إخبارية أوتسجيلية أوجمالية أو إشهارية... تكون متصلة بمادة تحريرية صالحة للنشر أو للبث عبر القنوات.
فالصورة الصحفية مثلا تعد وسيلة للا تصال تساعد على توطيد العلاقات الإنسانية وتنمية الحس الجماعي ، يتم انتقاؤها وتوظيفها بحيث لا تبقى طافية فوق سطح الخطاب بل تذوب في نسيجه. لذلك مازال الخطاب الصحفي المكتوب من أهم ظواهر الحياة الثقافية الحديثة.
لقد استفادت الصحيفة الحديثة مما يقدمه المحللون السياسيون والاقتصاديون والاجتماعيون... باعتبارهم وسطاء بين الفكر وجمهور القراء. من هنا بات الخطاب الصحفي يبتدع في التعبير ليحقق وظيفته الاتصالية حيث تتوزع لغته بين التعبير بالصورة وبالكلمة. أي الخطاب كإنتاج نصي والصورة كتماثل أيقوني تسيطر فيه لغة الإثارة.
غير أن الخطاب الصحفي المكتوب يواجه تحديا عصريا، بفعل تأثير الإعلام المرئي- السمعي المتمثل في الخطاب الإذاعي والتلفزيوني. فالإذاعة الصوتية ( الراديو) والتلفزيون، هما وسيلتان تنتقلان عن طريق الصوت، والصورة المقترنة بالصوت إلى قطاعات عريضة من شرائح المجتمع. إذ ينتج بثهما أثرا عميقا في نفس السامع والمشاهد على اعتبار ما يحققانه من جاذبية خاصة قد تصل حد الٳدمان .
ويبرز الكثير من الباحثين الآثار المترتبة عن الإدمان على الوسائل السمعية – البصرية . من ذلك مثلا، كثرة مشاهدة التلفاز وضعف الأداء المدرسي. كما أن هناك تماثلا بين مشاهدة العنف وقابلية أجرأته على أرض الواقع، وبخاصة لدى فئات الأطفال والمراهقين الذين يحملون هذه النزوعات .
كما تبين الدراسات ما للإشهارات التي تبثها الفضائيات من تأثير في المتلقي. فهي تنمي القيم المادية وتعمل على إقناع المستهلكين بأن سعادتهم تكمن في هذه المستهلكات. فالخطاب الٳشهاري يضفي على علاقة الإنسان بالواقع طابع التبسيط والسطحية، حينما يختزل كل مظاهر الحياة في عمليتي الشراء والاقتناء، تغدو عندها هاتين العمليتين الوسيلتين الوحيدتين التي يستطيع بهما الفرد تحقيق توازنه، وتساعده على حل مشاكله.
لكن الإشهار وبالرغم من مناهضيه، سيصبح الوسيلة الكبرى للتعبير الأيقوني في عصرنا . إذ يملك أساطيره وخرافاته، مما دفع عددا لا يستهان به من الباحثين للاهتمام بدلالة الصورة وثنائية نص/صورة وجلاء الاستقبال لإرسالية ما وتأثيرها الدلالي : (أعمال رولان بارط حول بلاغة الصورة الٳشهارية مثلا ).
يمكننا القول، أن الاتصال بالجمهور المتلقي عبر وسائل الإعلام المختلفة، ولا سيما الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون قد خطوا خطوات باهرة، مما عزز انتشارعدد هائل من الخطابات في البيت والشارع والمدرسة، وسائر أنواع المؤسسات. فهي مظاهر حيوية من مظاهر التمدن التي دفعت بالأمة نحو الترقي.
وعلى وجه العموم، كل تلك العناوين العريضة لسائر الوسائط التي ابتدعها الإنسان، قد تختلف في الشكل والدرجة، لكنها لا تختلف عن المضمون نفسه الذي يمكن أن تحمله اليوم كتقنيات لتحسين الأداء الخطابي والارتقاء به وتهذيبه وتطويره شكلا ومضمونا. فكل مرحلة تتميز بنوع من الوسائط والتقنيات التي تتفق معها. وبطبيعة الحال نحن الآن في عصر أصبحت فيه الوسائط الإعلامية والحسابية هما من يتحكمان بمصير الإنسانية، بأن تسلط الضوء على جميع مناحي الحياة المعيشة بعد أن أحاطت أنماط استهلاك وإنتاج الفرد بالغ الاهتمام والرعاية، وبعدما أطلق شعار تحرير الفرد وجسده.