في كل يوم ... وفي كل زلزلة لترانيم مآذن الذاكرة ... وكل سماع صوت صهيل فتح أبواب الذاكرة على مصراعيه ، تقف أمام قبر ظلام أشعتي أصوات وكلمات أكاد أقول عنها بأنها أشباح تغرس روح جديدة أخرى إلى روحي الموضوعة من ولادتي وتشهد ولادة ذكرى الماضي مترنحة على عتبة نافذة النسيان . ذلك لأنها تبعث نورا غامضا يخيم على عقلي وتصرخ به عواطفي وجوارحي وتنسل كل ما في
جوفها من خيوط الظلام لتبرز سجلات الماضيٍ الملطخ بارتكاب جرائم انتهاك عذرية كلماتي ونزع روح عاطفتي من جسدي الحزين.
تلك الأشباح هي من مخلوقات الله التي تختص بعلة العاطفة مع بقاء العقل والجسد سليمين، ولكن هل هناك وجود لجسد منقوص بالعاطفة؟ هل هناك نجوى لعصا موسى في وقتنا دون سيدنا موسى؟ عندها يصبح سلوكي غجري حيواني لا يدين ولا يمت لحجة الإنسانية بصلة ، كل ذلك جراء اعتناق ديانة الكفر والخيانة في محراب فتاة غجرية باتت تغدو لي منعطف هام في حياتي.
ها قد حان الأوان لأفك قيد كلماتي المجنونة إلى عالم يجهلني ويخافني وأفرج عن سجن جراحي من جبة ذاكرتي وأسكبه في وعاء الحاضر المزخرف بكثير من مثل هذه الجراح عسى يغفر ذلك الوعاء ذنب الصبر وصقيع التأني الذي بات كمبدأ في حياتي مسكين ذاك الجب ، أنا أحبك من خيوط الأمل في النجاة نسيج الفشل والخراب في آلة وقودها التجربة ليلبسه ذاك الجب ويزيد من عبئ الجراح ، وأزيد على هذا بخل مشاعري في قرض ذلك النسيج لأفراد محتاجين فعلاً لتلك التجربة في فصل الشتاء الجارح.
ما أصعب على المرء أن يعيش تكراراً ومراراً في ظل انهيار جبل من عبق الذكريات المريرة على محجر عاطفتي البائسة محطماً كل بيت مقدس أقامته لي آلهة الحواس والمشاعر الصادقة والذي كان مصدر عبادة وقوت لعاطفتي وتلك الأشجار والجنان التي أودعتها روحاً للحياة والتي هي مصدر للعيش والبقاء في ظل وجود أشباح الظلام حول قبر ذاكرتي العتيق مخلفاً دماراً هائلاً في جسدي النحيل.
ولكن بعد انتهاء من فصل سقوط الأمطار الملون بقناع الخراب ، هل يأذن لي القدر بأن انفخ ميسم روحي الهادئ في محيط نفسي الجريح كي أهنئ وأعيش من جديد وإلى الأبد من جديد. رغم الأمل في ذلك ، ما زلت انقص يوماً بعد يوم ، ذكرى تلو ذكرى ، غزوة بعد غزوة حتى داهمتني صيحة الحاضر قائلة بأن جسد ذاكرتي مؤذن بالخراب...
كم أحب ألوان الصيف المصنوعة من قصب النسيان ، لأن النسيان هو الذي يحكم صيفي ويمنع تآكل جوانب عاطفتي وبذلك تحيى روحي الظمآنة من ماء الأمل والنجاح ويكون بذلك يوماً مشرقاً بشمس صيفية هادئة تطل على الجنات والكروم وتبتسم في أمل وجود عين غدٍ مشرق.
أيا ذكرى تفتك بملايين الخلايا في جسدي ، أيا امرأة تصنع لي أفلاك ومدارات في كوكب غير الذي أعيش فيه ، أيا جسد يجعلني ارتاب منه وتنزل دموع الجسد مني كما ينزل الوليد من جوف أمه ، فكلما أحاول رسم حدودك سيدتي يجيئني شعور لا منطقي ويستفزني ويبقي العذرية في فرشاة رسمي ويبقي لوحتي بانتظار بنلوب ، فأنت أصبحت خاوية على عروشي وجذور هواي حتى استعمرت في ابعد نقطة لم أعرفها في جسدي فلم أعد أجيد قراءة الأحاسيس والمشاعر من غيرك ولم أعد قادر على سماع ألحان غير تلك الألحان التي صنعتيها لي. أيّ ذكرى تريد روحي أن تخمدها ، إذاً لأخمدت حروب الصهيونية تجاه الديار المقدسة الذي امتدت لأعوام ودهور وما زالت إلى حين. فذكراك مستعمرة صهيونية تطغى على كل جزء مقدس من جسدي وتحرق كل ذكرى حلوة تحاول أن تكون سحابة تغطي سمائك وشمسك. كم كان قلبك هاتف بالقسوة والمرارة ولكن رغم ذلك ما زلت أحتسي من قهوتك كل صباح ومساء وها أنا اليوم أسجل ولادة شعري على جدار الحاضر كي أخلده ابناً لك لتصبح أنت في منظور الناس مجنون قيس وأصبح أنا مجنونك.
سيدتي الفاضلة ، بعد كل هذه السواقي من عزف المنطق اللانهائي لفتوى الحال ، ما زلت أنقش رموز صورك على قبر ذاكرتي ولكن لم تستطيع يداي الفرعونية أن تحنطها وتحبسها في مومياء نفسي ليس لشيء بل لأن لغة الرموز لا ولن تكون طيراً مسجوناً في مضجع النسيان!
بإلهام :- رائد عتوم