كنت في الثامنة، و البحر يعشق أبناء الثامنة و يمنحهم أعمق ما يمنح في الحياة، الغرق للعبور من ممارسة العيش إلى امتلاك هذه الحياة، فلا تهمك الفترة التي تقضيها تحت المياه عاجزا عن التنفس وسط الظلام ما دام الأبد سينتظرك قبل أن يفكر بالشرود لا محالة، و يسأل شيء ما بنفسك نفسك: أسبق أن كنت يوما بهذه
السعادة؟
الفرق بيننا يا بني أنني فتحت عيني بعدها على الشمس و الألوان، و أنت لا تدرك الحد الذي يفصل النوم عن الرحيل لعالم الأحلام، أراك شاردا في ظلامك و بعينيك المنطفئتين نظرة تأمل حرمك القدر من تعمد إعتاقها، فلا تدرك الفرق بين إشراق الألوان أو اكتئابها، و لا بين تمرد العيون و انطوائها، و لا بين زبد البحر و رغوة الصابون، و لا بين حزن أبيك و يأس جاهل مجنون، أناديك دونما صوت فتصغي لأنفاسي و تجيب ردا على ما أوحت إليك من سؤال، كما ترد على أنغام أمك بالالتحام مع ما تبقى من ذكريات ظلماتك الأولى في غياهب رحم الكون الذي أبيت إلا أن يسكن معك على هذه الأرض الصغيرة، أجل صغيرة، و أصغر منها اليابسة التي نعيش عليها، و أصغر منها الدول و المدن و القرى و المنازل، إنما لا تخش على نفسك من الاختناق، فنحن بحكم إدراكنا لضآلتنا رضينا أن نروض أنفسنا على استهلاك ما تستطيع رئاتنا احتواءه، أما أنت فلا تقنع يوما برئة غير رئة محيطك، حيث المفاهيم و المقاييس أكثر عبثا من أن تكون من يسن لنا القوانين، و لا يبلغن بك الفضول يوما لاستكشاف ملامح الأشخاص حد تبني عواطفهم و استضافتها بداخلك، فالناس بحكم الواقع بشعون، ذلك أنهم منحوه مطلق الصلاحية في قتل كل شيء جميل بداخلهم، متناسين أن أجمل واقع بعثه خيال في قبضة ساعد قوي، و كم صارت القوة نادرة في قلوبنا، نفقد الكثير منها حين تطعننا الأبوة بعجزها عن الشفاعة أمام قسوة القدر، و لكنني أبدا لن أفقد الأمل في الحياة حين أراك تثبت لي يوما بعد يوم أنني كنت مخطئا حين عجزت عن رؤية ما هو أبعد من طفل ضرير أمامي، و لم أر ابتسامة فؤاد تتجه دوما نحو السماء، نحو العالم بالحكمة خلف خلق النور، و إرساله دمعة في أعمق أعماق الظلام.