في كل معرض للفنان عصام طنطاوي ثمة تجربة جديدة تفسح الى مغامرة تتصل بفكرة جوهرية ، يعيد الفنان قراءتها باللون و الخط و الكتلة ، و يعيد صياغتها بلغة تقع بين الهمس و الصراخ ، هي لغة يمكن أن يقال عنها أنها تحاول مجادلة أو مفارقة الأبجدية اللفظية للبحث في علامات الضوء و تأثير المرئيات و المشاهدات ليس بوصفها جزءاً من ذاكرتنا و جوانتيتنا ،
و إنما طريقة لفهم العالم بأبجدية اللون .
و تتنوع تجارب الفنان طنطاوي بين التجريدي و التعبيري و الواقعي ، كما تتعدد إنشغالاته بين الظاهراتية و الدلالية من خلال التجارب السابقة التي تناولت في عناوينها قضايا إنسانية و وجودية ، مثل الحرب ، المطر ، المكان ..
ويذهب الفنان في معرضه الى تأليفات لونية و أشكال هندسية مجردة تقوم على فكرة المتواليات الزخرفية المتشابكة و المتداخلة بأشكال منتظمة ، و أخرى غير منتظمة غير أنها تتصل بنسيج اللون ، و وحدة الموضوع الذي يشكل ايقاعاً هارمونياً يقوم على أثر المكان ، لتبدو الألوان و الأشكال ابجدية بصرية قابلة لتكوين اشارات تحمل دلالة تنطلق من جماليات التشكيل المقترح و ذاتيته ، و تكون قابلة لتفسير رموزها و علاماتها بالضوء و الخط و الفراغ و الظل كعناصر اساسية للعمل الفني ، و ميزة له ، ليكون النص بهذاالشكل بديلاً للقراءة اللغوية وفق اقتراحات تتصل بأبجدية الضوء ( اللون) و تجازاته التي ترتبط بالمكان ، و بأرواحنا التي هندست عماراته ، و ذاكرتنا التي حملت ظلاله في غور دواخلنا ، و أعادت صياغته بالأثر الذي يتركه المكان في وجداننا ، و لتكون اللوحة إعادة صياغة للمكان انطلاقاً من خبرة الكائن / الفنان الذي يضفي على اللون أو الشكل أو الخط بعداً سيكولوجياً أو معرفياً .
و من هنا فإن اللوحة تصبح وجوداً جديداً تفارق المكان الأول الذي صدرت عنه ، لتغدو خاصة الفنان ، و بكيفية أخرى تصبح ذاتاً لها ديناميتها المستقلة التي تؤثر في المتلقي بطرائق حسية ، و أخرى غامضة .
ان الذهاب الى منطقة التجريد في تجربة الفنان عصام طنطاوي لم تكن مجرد نزوة عابرة أو مغامرة عرضية ، و انما هي مراكمة لعدد من التجارب التي تتصل بمقاربات و تصادمات بين الشكل و المضمون ، و وسيلة لوعي الواقع و ادراكه ، فالتجريد هنا ينطوي على رغبة في تغيير الواقع ( العالم ) عبر قراءة رمزية تحول الزمان الى مكان ، و المكان الى زمان ، و المرئيات الى ايقاع ولون ، لوعي نسقيات الوجود .
يقول طنطاوي :
( أنا أحب التداعي الحر ، أن القي بنفسي في اللوحة و أصير منها و فيها جزءاً تائها مسحورا .. أحياناً تقودني اللوحة و تذهب بي إلى حيث ما لا أتوقع !! ( حريتي فوضاي ) ، قد أبتهج بالنتيجة و قد أدمرها و أترك الإسلوب لشيوخ الطريقة ، و لكن المتتبع المتعمق لأعمالي يستطيع بقليل من التأمل أن يعرف أنها لي و أنني منها !.. لا أستطيع أن أمنع عقلي من البحث ويدي من العبث أيضاً في مناطق جديدة مثيرة للدهشة و ربما الصدمة البصرية .. )
* فنان و ناقد تشكيلي اردني