ككل كتبه السابقة يتوجه المفكر محمد شاويش في كتابه الصادر حديثاً عن دار الفكر في دمشق تحت عنوان "نهضات مجهضة جدل الهوية والفاعلية" إلى القارئ العربي الفاعل النهضوي مقدماً له مادة حوار بلغة التاريخ "كي يستفيد منها في مسعاه لإخراج أمتنا من أسوأ حقبة شهدتها في كل تاريخها, ووضعها على طريق استعادة دورها الحضاري التاريخي".
وهو يقدم في كتابه ترجمة لست شخصيات من التاريخ العربي المعاصر, اختارها الكاتب لأهميتها في البحث الذي يشغله كمفكر مهتم "ببيان العلاقة بين الكفاح في سبيل الحفاظ على الهوية الثقافية المميزة والكفاح في سبيل فعالية حضارية قادرة على جعل هذه الهوية المميزة قابلة للبقاء".
لذلك لم يكن تناوله لهذه الشخصيات اعتباطياً, أو بقصد تقديم ترجمة لهذه الشخصية أو تلك, بل إنه قصد من دراسة هذه الشخصيات تقديم نماذج متنوعة للإنسان التأصيلي الفاعل, الساعي لنهضة أمته انطلاقاً من أساس الحفاظ على هوية المجتمع والاعتزاز بثقافته.
ومن خلال العرض التاريخي لحياة هذه الشخصيات, حاول الكاتب تسليط الضوء على العوامل التي أدت إلى إجهاض هذه النهضات الفاعلة, تاركاً للقارئ المهتم اللبيب استنتاج الشروط اللازمة لجعل أمتنا أمة فاعلة حضارياً, اعتماداً على هويتها وأصالتها. أو بمعنى آخر, أمة قابلة للبقاء, قادرة على مقاومة عوامل الانحطاط التي أغرت القوى الاستعمارية التسلطية بالتدخل فيها. وقادرة على مقاومة عوامل القابلية للاستعمار التي لم يقتصر خطرها اليوم على مجرد وجود استعمار أجنبي يستغل خيرات البلاد ويذل العباد, بل إن خطرها قد تعدى ذلك, مهدداً ثقافة الأمة وحضارتها ووجود هذه الأمة نفسه.
الشخصيات التي تناولها الكتاب هي: عمر مكرم كنموذج يظهر إرهاصات التحول إلى الفاعلية الجماعية. وعبد الله النديم وهو مثال ونموذج خام للمثقف التأصيلي الفاعل. ومصطفى كامل ومحمد فريد وتجربتهما النهضوية من خلال الحزب الوطني في مصر. وحسن البنا الذي حاول الكاتب من خلال دراسة تجربته بيان آفاق الفاعلية وحدودها, وبيان خطر التسيس القاتل الذي يفتك بمثل هذه التجارب النهضوية. وأخيراً, الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي أظهرت تجربته ضرورة تلازم المقاومة والنهضة.
يقع الكتاب في 216 صفحة من القطع الكبير, وقد أخرجته دار الفكر بطبعة أنيقة متقنة, نادرة الأخطاء (تميزت بإضافة ال التعريف لكنية الكاتب وهي غير موجودة في كتبه الأخرى), وقد صدر الكتاب في شهر تموز/ يوليو الماضي.