في كتاب لأحمد تيمور عنوانه (أوهام شعراء العرب في المعاني) يعدد الكاتب الأسباب التي تؤدي بالشاعر إلى تقديم معنى خاطئ في شعره.
ويجمل هذه الأسباب في ستة نقاط:
1 ـ جهل الشاعر بما يذكره لبعد عنه فتراه يأتي به على غير حقيقته, ويضعه في غير موضعه. وضرب لذلك أمثلة من شعر العرب منها مثلاً قول بدوي يصف جارية بالتبدي فيقول:
دستية لم تأكل المرققا ولم تذق من البقول الفستقا
دستية = الصحراء , البرية
والمراد أن هذه الجارية لا تعرف الحضر ولا مأكله, ويبدو أن الشاعر هو الذي لا يعرف مأكل الحضر لأنه جعل الفستق من البقول
2 ـ السبب الثاني لخطأ الشعراء في المعاني أنهم يخطئون فيما عرفوا جملته ولم يحيطوا تفصيله (بمعنى آخر ليسوا مختصين به) مثال ذلك قول امرؤ القيس يصف سرعة فرسه:
فللسوط ألهوب وللساق درة وللزجر منه وقع أخرج مهذب
فهو هنا ليس مختصاً بالخيل على ما يبدو لأنه وصف الفرس التي تتعرض لكل هذا الضرب حتى تسرع ليس هذا من شمائلها اللطيفة, بل لقد قيل لو كان حماراً وتعرض لكل هذا الضرب لجرى كالريح!
3 ـ السبب الثالث المبالغة, ونحن نعرف المثل القائل (كل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده) فالشاعر يريد المبالغة في الوصف فيخرج عن المعنى الصحيح ومثاله قول امرؤ القيس يصف فرسه أيضاً :
لها ذنب مثل ذيل العروس تسد به فرجها من دُبُر
فقد وصف ذيل الفرس بأنه طويل كأنه ذيل العروس, وهذا مبالغة تجعل طول ذيل الفرس ليس ميزة جمال بل ميزة نقص, فهذا ذيل طويل يجر على الأرض وكثيف ثخين أيضاً يسد الفرجة بين رجليها فتخيل الصورة!
4 ـ وضع لفظة سهواً أو خطأ في موضع لا تصلح له, أو أن يأتي بالكلام غير متلائم الأجزاء أو فاسد التقسيم, فهو يلقي بالكلام على عواهنه مثال قول النابغة:
ماضي الجنان أخي صبر إذا نزلت حرب يوائل منها كل تنبال
يوائل = يهرب (يطلب الموئل) , التنبال = الجبان
فهذا يصف شجاعة هذا الفتى ويقول إنه يصبر في حرب يهرب فيها الجبان!
5 ـ هناك أيضاً (القلب) وهو أن يجعل أحد أجزاء الكلام مكان الآخر, والآخر مكانه مع إثبات حكم كل للآخر. ومثاله قول الشاعر يصف ناقة سمنت:
فلما أن جرى سمن عليها كما طينت بالفدن السياعا
الفدن = القصر , السياعا = الطين بالتبن (الذي يطين به ظاهر الجدار)
فجعل القصر هو الذي يطين التبن!
6 ـ تغيير الأسماء , وهو على ثلاثة أنواع: لفظي وهو ما كان التغيير فيه في أحرف الاسم بالتقديم والتأخير أو الزيادة والنقصان
ومعنوي وهو ما وضع فيه اسم موضع آخر
وجامع لهما وهو ما وقع فيه التغييران كلاهما
هذا الذي ورد في كتاب أوهام شعراء العرب في المعاني إذا أردنا سحبه على نظريات الاتصال أو مفهوم الالتباس لوجدنا أن الأسباب المذكورة هنا نجد لها نظائر إذا رحنا نبحث عن أسباب سوء الفهم أو مشاكل الاتصال بين الناس. من جهل بالمعنى المقصود, إلى ادعاء العلم فيما لا يعلم, إلى فرط الثقة وإطلاق الكلام على عواهنه, إلى المبالغة, إلى الخطأ في استخدام الألفاظ والمعاني......
وكلها أشياء تؤدي إلى التباس في الفهم وسوء في عمليات الاتصال بين الناس.