Zأولا- التكافل الجنائي:
ذلك أنه إذا جنى جان على إنسان ما ولم يعرف قاتله، ألزم الشارع أن ينظر إلى المكان الذي وجد فيه القتيل فيختار أولياء الدم خمسين رجلا من ذلك المكان يقسمون أنهم لا يعرفون القاتل ولا يؤوونه عندهم، فإذا أقسموا حكم الشارع بدية القتيل تعطى لأوليائه، فإن عجز المحكوم عليهم بالدية عن دفعها دفعها من بيت المال. وكذلك الحكم في كل من وجبت عليه دية قتيل وعجز وهو وعاقلته عن دفع الدية،
لزمت الدية بيت المال.
وفي نظام القسامة الذي ذكرناه آنفا، وفي إلزام بيت المال بالدية بيت المال بالدية عند العجز معنى واضح من معاني التكافل في تحمل آثار الجرائم، لأن بيت المال هو خزانة الشعب، ففي إلزامه بدفع الدية تحميل لكل فرد في الأمة آثار تلك الجناية ([1]).
وقد جاء الإسلام بمبدأ رائع في أحكام الجنايات "لَا يُطَلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ"([2]) ومعناه: أنه لا تقع جريمة قتل في المجتمع الإسلامي دون أن يقتص من فاعلها، فإذا لم يعرف القاتل استحق أهل القتيل دية قتيلهم إما من بيت المال وإما من أهل القسامة([3]).
Zثانيا- التكافل الاقتصادي:
يولي الإسلام عنايته الكبرى باقتصاد الأمة، فيعمل على حفظ ثروات الأفراد من الضياع والتبذير، ويمنع سوء استعمال الاقتصاد الوطني بالاحتكار والتلاعب بالأسعار والغش في المعاملات وغير ذلك.
ولهذا أوجب على الدولة أن تحول دون الاحتكار والتلاعب والغش، وأن تضرب على أيدي المحتكرين بيد من حديد، بل وأن تصادر بضائعهم المحتكرة وتوزعها على الشعب بأسعار معتدلة وربح معقول ([4]).
كما أوجب الإسلام على الدولة أن تمنع المجانين والمعتوهين والسفهاء والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم من تسيير أموالهم والتصرف فيها حتى يعقلوا أو يثوبوا إلى الرشد، قال الله جل جلاله: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً} (النساء:5)، وقال عزمن قائل: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} (الكهف:82).
[1]- الفقر الجوع الحرمان مشكلات وحلول، الدكتور مصطفى السباعي، ص162.
[2]- المغني لابن قدامة، 19/335.
[3]- الفقر الجوع الحرمان مشكلات وحلول، ص162.
[4]- الفقر الجوع الحرمان مشكلات وحلول، ص163.