لفرقة أنصار الوجدية المغربية أغنية، أو أنشودة كما يحبون تسميتها، على أساس أن الأخيرة لها رسالة هادفة، بخلاف الأولى، تتحدث هذه الأنشودة عن العشق كأكبر خطر يتهدد الشباب والفتيات، بل والصغار والكبار أيضا، مما جاء في هذه الأنشودة:
فهذا مهاجر مكرمة وهمه بسمات شفاه وذاك قلبه معمور بليلى ولبنى وهيام
وآخر مات منتحبا من قلة توم وطعـام
وأخرى ودعها حبيب من غير كلام وسلام تصبح دوما باكية وتمسي خرابا كحطام
فهذه النار التي أشعلتها الفضائيات خصوصا، أتت على الأخضر واليابس كما يقال.
يتحدث الأستاذ الدكتور محمد العوضي عن أساليب وسائل الإعلام، ويبين كيف تستطيع أن تخلق في المشاهد الرغبة، وتوجد فيه الشهوة، رغم أنه قد لا تكون له علاقة بالموضوع، بحيث أنها تستطيع أن تخلق الشهوة في الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم، وتعيد الشيخ ليبغي ما كان في العشرين فاعل.
كم هو بديع قول الله سبحانه:"إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا "(العنكبوت:17)
لقد أضحت مسلسلات الحب والغرام أصناما نظل لها عاكفين، رجالا ونساء، صغارا وكبارا، شيبا وشبابا، هذه التماثيل التي صنعناها بأيدينا، أو صنعت لنا، يقول الأطفال لما يسألوا:"ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون"، يكون جوابهم:"وجدنا آباءنا لها عابدين".
لقد أصبحنا نحن المسلسلين، كما يقول أحد الباحثين في الإعلام، نحن الذين ربطنا بالسلاسل أمام أجهزة التلفزيون، فلم تعد لنا القدرة لا على الحركة، ولا على التفكير، فبالأحرى أن تكون لنا القدرة على النقد والتصفية، لسان حالنا يقول: "لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السحرة إن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِين" (الشعراء:40َ)
ذكرني هذا بحديث الشيخ الشعراوي في خواطره عن القرآن الكريم عن مسألتي اللباس الشرعي، وغض البصر، مبينا أن ذلك من أجل مصلحة المرأة؛ وذلك أن الله نهى المرأة عن التبرج والسفور، وأمر الرجل بغض بصره عن ماظهر من زينتها، فيظل الرجل يعتقد أن زوجته هي أجمل النساء، لأنه لا يرى غيرها، فمهما كبرت في السن، ومهما ظهر عليها من آثار الزمان، فإنه لا يستطيع رؤية ذلك، لأنه لا يوجد لديه مثال آخر يقارنها به.
ونحن قد نتفق وقد نختلف مع هذا التفسير، ولكنه على كل حال يجسد رؤية لها وجاهتها.
أما اليوم ومع ظهور هذ التماثيل المصنوعة في الشرق والغرب، فإنه لم يعد أحد قانعا بما لديه، سواء من الرجال أو من النساء، وهذا قد يفسر لنا ظواهر كثيرة، انتشرت في مجتمعنا في السنوات الأخيرة، كارتفاع نسب الطلاق بين الشباب حديثي الزواج، وشيوع عمليات التجميل بين الجنسين، والممارسات والسلوكات الخاطئة حتى بين الأطفال، تلامذة المدارس الابتدائية والإعدادية.
تقول إحداهن عن أحد الممثلين المشهورين:<أنا أحبه أكثر من أهلي، أنا أحبه أكثر من النبي، أنا أعبده> وتضيف قائلة:<صوره تملأ كل مكان في بيتي، على الحيطان، في الكمبيوتر، حتى الملابس عليها صوره>
وكتبت مجلة در شبيجل الألمانية الشهيرة تقريرا عما ما سمته ب "ثورة جنسية في العالم العربي"، متنقلة من الرباط التي جاءت لها بصورة أبلغ من أي كلام، من خلف أحد أسوارها، إلى بيروت التي تعد أماكن مخصصة يرتادها الشباب والفتيات، يمارس فيها كل ماهو محرم اجتماعيا وثقافيا، مرورا بالقاهرة وشارعها المدعو بشارع الحب، حيث يلتقي العشاق، بعيدا عن أعين الرقباء...
هذه لقطات خفيفة مما ذكرته المجلة، مما ينذر بزلزال عنيف يعصف بما تبقى من الأسس التي يقوم عليها بناء مجتمعاتنا، مما يستدعي تدخلا فوريا من أهل الفكر والعلم والتشريع.. لتدارس الأمر، والتفكير في سبل مواجهته، وإيجاد الحلول المناسبة لتدراك مافات، ووضع الخطط المستقبلية الكفيلة بالحفاظ على ثوابت المجتمع العربي، ومحاولة جعله في موقع المؤثر، وفي مستوى الشهود الحضاري، وتخليصه من أمراض السلبية والغثائية والتبعية.