لا يخفى على أي أحد مظاهر الثقافة الدينية أو أقصد التي انتشرت باسم الدين من مشكلات و نزعات غريبة لا تتسق مع مقاصد الشريعة الكلّية ..
وأنا هنا بصدد الحديث عن ثقافة الرعب والتهويل التي انتشرت بيننا في كل الأوساط .. و يُشعرك الذي يتبوأ هذا المنبر أنك على شعرة بين النار والجنة وأنت في سعيك في الحياة حتى ولو على صواب .. وأنك لا تعرف ما قد كتبه الله لك فقد تعمل طيلة حياتك بالخير ثم فجأة وبفجأة ( غير مفسّرة ) تجد نفسك ( وبهذه الطريقة المفاجئة ) وقعت في النار ..
الله هو العدل جل جلاله فإذا نحن قَصِرنا بسبب بشريتنا أن نغوص إلى داخل نفس البشر ونرى نيتهم وقصدهم أو حتى أن نراهم في كل الأوقات وليس فقط في أوقات اللقاء فهذا ليس دليل
على اختلال العدل والقوانين والسنن التي شرعها الله لنا واضحة متزنة ..
ويُدعِّم كلامه هذا الشخص المتحدث ببعض القصص لبعض الصالحين أنهم كانوا يدعون الله طيلة 6 أشهر أن يُبلّغهم رمضان .. وإذا بلغوه سألوا الله ستة أشهر باقية لكي يقبل عملهم .. وياليت أن تصاغ بطريقة منطقية مثل هذه القصص على أنه سؤال واحد لا بل قيامٌ لا جلوس بعده ..
ولا يغيب عنّا قصة الذنوب ويا ليلة وسواد ليلة من يفعل ذنب صغير فقد يُرمى في الجحيم وفق رأي الرجل .. فيعيش في حالة توتر وقلق من أن يموت على غير هداية ..
يقول الكاتب الكبير أبو بلال عبدالله الحامد في كتابه المهم ( لكي لا نحوّل الإسلام إلى طقوسية ) صـ41 :
قال الله تعالى : (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) ثم فَصَل فقال عز وجل : ( وأن سعيه سوف يُرى ) ثم رتب المكافأة على العمل بصورة آلية فقال : ( ثم يجزاه الجزاء الأوفى ) ..
بل أن الإسلام بيّن أن الإنسان إنما يوهب الطمأنينة والسكينة النفسية بالإيمان .. كما قال تعالى : ( الذي آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) فذكر الله علاج نفسي للإفراد والمجتمعات .. وليس خوفاً يصب على عباد الله ليزيدهم رهقاً ..
بل إن الإسلام جعل الإيمان موصلاً للفرح الإيجابي ، يدفع المشقات والكوارث والمشكلات : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) .. بل إن الفرح الدنيوي يؤهل للفرح الأخروي كما قال الرحيم الكريم : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، فلاخوف عليهم ولا يحزنون ) ..
فكيف نضرب كلّيات الشريعة ومقاصدها ، التي دلّت عليها النصوص الصريحة الصحيحة ، من أجل قول أو موقف عابر أموي أو عباسي فاضل .. وكم في ذلك من سوء فهم للسلف الصالح ووضع لتجاربهم النسبية في موازاة النموذج المطلق ..
ويختم قائلاً : إن ثقافة الخوف تجسيد لثقافة القمع السياسي الكسروي .. التي نمت في ظلال القمع الكسروي ، فهي تجل من تجليات الذهن المقموع ، الذي يستحلي العذاب الدنيوي ، ويتنازل عن حقه في الكرامة الدنيوية .. وتوحي له ثقافة القمع بأن ذلك هو سبيل النجاة في الآخرة ) انتهى ..
وفي النهاية ليست المسألة مسألة عناد وضد أحمق .. بل هي محاولة للتوازن كي ننهض بمجتمعنا فنحن نعلم الآن أين كِفّت الميزان غلبت من ثقافة وفكر سائد .. فنحن لا ننكر أن الله جل جلاله كما هو رحيم كريم لطيف .. هو أيضاً سريع الحساب وشديد العقاب ..
ولكن علينا أن نفرق بين الأصل والفرع وبين المطلق والنسبي .. فأصل روح الإسلام هي الإيجابية .. وأصل خطاب الله تعالى في القرآن أيضاً ايجابي شمولي .. وقد رأينا كيف سبقت رحمة الله غضبه في الأيات وفي ذكر ذلك عن نفسه تعالى سبحانه