ربما يتفق الجميع على أن الإسلام عقيدة ومنهج ,لكن الاختلافات تظهر في تفصيل هذا المبدأ,حيث يرى البعض أن العقيدة سلفية والمنهج سلفي في حين يرى البعض أن العقيدة سلفية والمنهج حركي ,بينما ترى طائفة أخرى أن العقيدة اباضية والمنهج اباضي وغيرهم يرى أن العقيدة عقيدة أهل البيت والمنهج منهجهم.
بالنسبة للعقيدة ,فكلنا تحت مظلة :"لا اله إلا الله,محمد رسول الله." وان اختلف فهمنا وتفاوت في فهم العقيدة ,فهل نقصرها على فهم السلف ولا نعدل عنه أبدا أم أننا نعمل فكرنا فيه فهم بشر لهم فكر وفهم تأثر
بعصرهم وبيئتهم ونحن بشر لنا فهم يتأثر بعصرنا وبيئتنا ؟
أم أن الأمر كما فهمته مدرسة أهل البيت أو كما بصره القعدة الذين اعتزلوا الفتنة؟
إن العقيدة أمر شخصي ,بين الفرد وربه وهو الوحيد الذي يحاسبه ولا نستطيع ولن نستطيع توحيد فرق المجتمع على عقيدة واحدة بتفاصيلها وجزئياتها التي فيها إعمال للعقل لأن هذا يأخذ بحديث الآحاد وهذا لا يأخذ به وهذا يرى الحديث صحيح بينما غيره يراه ضعيف ,وهذا يرى حكمه منسوخ بينما غيره يراه باق والآخر يراه يفيد الوجوب وغيره يراه يفيد الندب...
كما أن هناك من المسائل إن أخرجت للعامة ضيعت عليهم دينهم جملة وتفصيلا وأضاعتهم مثل مسألة خلق القرآن والأسماء والصفات ورؤية الله في الآخرة...
هذه المسائل وغيرها من المتشابه أعطيت من الاهتمام أكثر مما تستحق وأصبحت هي الفيصل القاسم لا كلمة التوحيد :"لا اله إلا الله محمد رسول الله."
فهذه المسائل يستحيل أن يكون عليها إجماع في المجتمع كاستحالة أن تكون البشرية على لسان واحد أو على لون واحد أو نختار لباس واحد أو نوع سيارة واحد فالاختلاف أمر فطري سنة كونية وقانون اجتماعي والذي يحاول أن يجعل الجميع على مذهب واحد أو رأي واحد أو معتقد واحد أما جاهل بالسنن الكونية والاجتماعية أو معاند مكابر فهو بين جهل بسيط وجهل مركب ...
لذلك فأول خطوة نحو رشاد المجتمع أن نقر بسنة الاختلاف وسنة التنوع فنحترم بعضنا البعض وان اختلفنا وذلك لا يكون بالتكفير و التفسيق والتبديع والتضليل الذي يصل دوما في الأخير إلى استباحة الدم
والخطوة الثانية هي أن نجعل لكل مقام مقال ونحدث الناس بما يفقهون فحديث المجالس الخاصة لا يخرج إلى المجالس العامة فأغلبية عامة الناس لو فتحت معها حوار حول مسألة فناء النار أو مسألة خلود مرتكب الكبيرة من المسلمين في النار أو مسألة خلق القرآن أو مسألة الأسماء والصفات ,لوجدته يجهل كل هذه المسائل وبالتالي فهذه المسائل ليست من المعلوم من الدين بالضرورة كالصلاة والصوم والحج والزكاة والحج والشهادتين وبالتالي فالاختلافات الواقعة بين المدارس الإسلامية لنتركها بين علماء وطلبة علم المدارس ولنترفع بالعوام على أمر يشوش عليهم عبادتهم ولا يزيد في بناء المجتمع الإسلامي أي لبنة بل ربما كان له الأثر السلبي في هدمه فأفراد المجتمع الراشد كالبنيان المرصوص الذي ترص كل لبنة منه أختها وهذا لا يكون إلا بأن يكونوا كلهم نسخ عن بعضهم قلبا وقالبا وذلك يستحيل استحالة مطلقة لأنه يخالف السنن الكونية والاجتماعية أو بأن يتركوا نقاط الاختلاف عن جنب فلا يعيروا لها اهتماما أكثر من قدرها ويهتموا بالأمور المشتركة فيزيدوا في تبينها وتوضيحها حتى تجتمع عليها الكلمة ,تخيل لو أصبح كل سكان القرية أطباء أو محامون ماذا سيحدث أكيد أنهم لن يستطيعوا العيش مع بعضهم البعض ولو دقيقة واحدة وهذه سنة كونية وعقلية واجتماعية كذلك الأمر لو أردنا أن نجعل من سكان القرية كلهم علماء دين ,نعم لا بأس بقليل من الثقافة الطبية كما لا بأس ببعض المعرفة القانونية مع وجود طبيب أو محامي ليتدخل في أمور الاختصاص فكذلك تكفي قليل من المعرفة الدينية التي تؤهلني للقيام بالأمور التعبدية والمعاملتية وان استشكل أمر فهناك الإمام ...
وثالث خطوة تجديد المنهج حيث هناك من يرى ترشيد المجتمع يكون بالعودة إلى منهج السلف الصالح لأننا تركنا منهجه وهو المنهج الحق وتخبطنا خبط عشواء تارة أخذنا بمنهج الغرب وتارة بمنهج الشرق ولم يحدث معنا أي فرق , بينما يرى البعض استحالة استنساخ فترة زمنية فالماضي يبقى ماض وما صلح في زمن السلف قد لا يصلح في زمن الخلف وبالتالي فتجديد المنهج هو في جعله منهج حركي ,يتحرك مع الزمن ولا يتوقف في مرحلة معينة لأن الزمن لا يتوقف ولن يتوقف.
لكن لماذا لا نستفد من التجارب الناجحة ونبقي على العقيدة السلفية ونجدد المنهج بأن يكون المنهج اباضي أو منهج شيعي؟
لماذا لا تكون هناك دراسات لمفكرين سنة للمنهج الاباضي ولمنهج أهل البيت , لا لنستنسخ المنهج ولا لأن نبحث عن العورات ونضخم الزلات بل لندرس ونمحص لأجل ترشيد المجتمع حتى تكون هناك نهضة حضارية إسلامية
فمثلا مازال المجتمع الاباضي( بني مزاب في الجزائر ) مجتمع مترابط متكاتف بمرجعية دينية وقضائية واحدة لم تنخره الأمراض الاجتماعية ولم تجهز عليه بعد كما فعلت بالمجتمع الجزائري السني ( ارتفاع حالات الطلاق, ازدياد نسبة العنوسة ,تفشي المخدرات, الدعارة , الرق,بيع الأعضاء , الاختطاف , الرشوة ,البطالة, الانتحار...)
ولو وقفنا عند المجتمع الشيعي فلا نجد أزمة الفتوى كما الحال عندنا فالذي يفشل في الدراسات الهندسية يتحول بقدرة قادر الى مفتي والذي تلفظه مقاعد الدراسة يصبح علاّمة وهذا يشدد حتى ينتهي الأمر به الى تكفير كل الناس والأخر ييسر ويتساهل حتي يجيز ما لا يجيزه اليدن والعقل والضرورة أما في المجتمع الشيعي فهناك المراجع الدينية التي الكلمة الأولى والأخيرة كلمتها
أنا هنا لا أدعو لأي عقيدة تخالف عقيدة أهل السنة والجماعة لأنني مالكي المذهب أبا عن جد وعقيدتي لا تمنعني من ابحث عن وصفات علاجية في كتب طب حتى ولو كانت غير سنية لأنه كما ورد في الأثر أن نطلب العلم ولو في الصين والمسلم أحق بالحكمة يطلبها من جميع دروبها لأنه المفروض أنه من أمة اقرأ
صانعة الحضارة الإسلامية التي لم تقم على المذهبية ولا على الانزواء على الذات ولا على الفرقة الناجية المتعالية على من خالفها ,إنما قامت على مجتمع راشد يتتلمذ فيه السني على يد الشيعي ويتداوى الاباضي فيه عند الطبيب الصوفي , خلافاتهم ميدانها الأوراق والأقلام , أما دون ذلك فمسجدهم واحد ومصنعهم واحد وعرضهم واحد يحب الواحد فيهم لغيره ما يحبه لنفسه وان خالفه التوجه والرأي , اذا خاطبهم جاهل قالوا له سلاما ,أذلة فيما بينهم أعزة على غيرهم يدفعون بالتي هي أحسن يركزون جهدهم على نقاط الالتقاء ويزيدون في قوتها ويهملون نقاط الاختلاف ويقللون من تأثيرها ...
هذا المجتمع الراشد ليس حلم مستحيل الوقوع ولا ضرب من الخيال والأوهام ولا أمر قد مضى وولى ولن يعود بل هو أمر محكوم بسنن التغيير وكما تحتاج الأرض إلى استصلاح لتصبح جنة فكذلك مجتمعنا يحتاج إلى إصلاح مدروس ,ممنهج مضبوط الخطوات واضح المعالم والى إرادة صادقة ليصبح : مجتمع راشد.
بوقفة رؤوف