يجدُ إعلان بيبسي المثير ، والقائم علي التأثير الناجم عن مقاربات غير متوقعة ، ما يقابله في حملات إعلانية لشركات منافسة ، وفي الموسيقي ، وفي الرياضة ، وفي تلميحات الكبار ، وفي انضمام تونس مؤخراً ، وغابة من الخطوط الحادة تحت حروف تونس ، وتونس علي وجه الخصوص ، للمحكمة الجنائية الدولية ، بل يجد ما يقابله في كل مكان ، وكون القائمين بحراسة جذور الإخلاص لأفكار رديئة قد انزلقت في شرخ الأطلال لا يرونه ، فهذا لا يمنع أنه موجود ، وموجود بإسراف !!
وأن يقوم الآخرُ ، الذي يولد في الألفة ، وخوابي الحبِّ المشتركة ، وفي إحساس صادق بالقافية التي تندرج تحتها عذاباتنا ، حتي وإن سلَّمنا بغموض مقاصده ، بتذويب وتهدئة مخاوفنا ، وبارتكاب ضوء صريح هكذا ، وجارح هكذا ، ومحرِّض علي استعادة سيطرة الإيقاع علي الطريق الذي رمَّمته ثورة يناير، لهو من مغويات السكينة ، وبتصرفات عصبية !!
بالإضافة إلي أن هذا التحريض علي مطاردة الحرية ليس جديداً ، ولا يستحق أن يظهر المنتهبون له بمظهر الفاتحين ، فلقد واكبت الكثير من الحملات الإعلانية الثورة ، وكلَّ موجاتها ، بل وساهمت بنصيب ممتاز في التمهيد لها ، ولثقتي التامة في انخفاض ذاكرة المصريين أمام الاحتفاظ بكل ما هو جوهريٌّ ، وقبضها المدهش علي التفاهات ، لا أعتقد أن المصريين قد نسوا بعدُ الكثير من الإعلانات المتزامنة مع الكثير من الأحداث الحارة ، أو الناجمة عنها علي وجه الدقة ، التي تزدحم بالرموز مثل : "استرجل" ، "عبَّر مين قدك" ، "خليك قدها" ، "إكبر وسيطر" ..
كما لا أعتقد أنهم نسوا ذلك الاعلان الشهير عن إحدي ماركات أجهزة التكييف ، والسابق للثورة ، ومحصل النور الذي يردد في دهشة ، وحسرة : "لسه مسافرين" ..
من الثابت أن لكلَّ الشركات العابرة للقارات علاقات قوية الأوصال ، وضرورية ، بأجهزة المخابرات إلي حدٍّ يظن معه أنَّ السياسة ساحتها لا الإقتصاد ، وإن كانت المسافة بينهما وهمية ..
ومن الثابت أيضاً أن "بيبسي" وأنَّ "كوكاكولا" ، هما المزرعتين الخلفيتين لكلِّ برامج ما يسمي بتليفزيون الواقع ، التي غيرت الكثير من المفاهيم الموروثة ، وساهمت في انخراط الكثيرين من المتوقفين حيث توقف الوقت وتجاوز الأساليب ، في العالم الذي ليس به موطأٌ لمقدس سوي الإنسان ، وأفقدت الكهنة أعنة السيطرة علي القطيع برهافة بالغة، يلزمنا لندرك كيف حدث هذا أن نسمح أن ينتابنا لبعض الوقت إحساس مراهقة تعيش في صحراء "مملكة آل سعود" المظلمة مثلاً ، وهي تشاهد مراهقة في مثل سنها ، تقبل صديقها أو تسأله حضناً أمام الكاميرا ، فضلاً عن كونها تنام علي بعد سلة أمتار من ذكور غرباء ، وبوابات الظنون المواربة !!
لكن الجديد في "اعلان بيبسي" هذه المرة هو تلك الجرأة التي لا تقيم وزناً للعواقب ، والتي يبدو معها اعتبار الشركة لما يمكن أن ينجم عنه من خسائر لا يأخذ مكانه بين حساباتها !!
كأن "بيبسي" التي كالشيخ "صفوت حجازي" ، تحرض فقط ، قد تعبت هي الأخري من دوران الثورة في الفشل ، وقررت أن تخوض معركتها الأخيرة التي حددت تاريخها بوضوح أكثر مما ينبغي ، وبدقة فادحة !!
و .. كأنَّنا لسنا وحدنا ، كما يصوِّرُ للجلاَّد غبائه ، وكأنَّ الغرب عازمٌ علي مواكبة مصر في ممرها نحو الديمقراطية ، وكأنَّ للديمقراطية غرباً يحميها !!