الفصل الثاني
صفات الفكر الرسالي وخصائصه
الصفة في الفكر غير الخاصية له,فالصفة هو ما تظهره للأخر من ميزة تحدده كما هو يبدو له فمثلا يمكن أن نطلق صفة الإنسانية على مظهر الفكر الرسالي كونه يستهدف حفظ إنسانية الإنسان ومتلائم بالضرورة مع حاجاته,ولكننا أيضا نطلق صفة الإنسانية على النظريات الفكرية الوضعية ولكن من كونها منتج إنساني حقيقي,فأختلاف المعنى مع وحدة المحدد الوصفي ينبع من خصوصية الفكر ذاته فعندما نطلق الإنسانية كصفة للفكر الرسالي لأنه مختص به وله وبذلك أوجدنا صفة بناءً على خصوصية ذاتية,ومثله الوصف الثاني لخصوصية المصدر فهو من الإنسان وإليه,وهكذا تفترق الخصوصية الذاتية عن الصفة الموضوعية الشكلية.
فمعرفة الصفات الفكرية يستوجب حتما وبالضرورة أدراك ومعرفة
الخصائص أولا لأن البناء على معرفة الخصائص يؤدي بالحتم إلى فهم الصفات ومن ثم تميزها عن غيرها بمحدد ضابط أصلي لا يمكن معه الأشتباه والتوهم بين ما هو صفة حقيقية وبين ما يدعى أو يزعم بأنه صفة,هذه الجدلية بين الصفات والخصائص هي التي أوجبت علينا بحثهما معا وبفصل بحثي واحد للحفاظ على روحية الفكر وفهمه ككيان متوحد واحد وعدم التفريق بينهما سيؤدي إلى أكتمال المشهد الصوري الذهني للذات والموضوع ومن ثم تكوين الوعي اللازم بهما معا وما يشكل ذلك من حتمية عضوية بين المؤديات.
ولأثبات كون الصفة لازمة للخصيصة وبالعكس لا بد لنا من سوق المثال التالي الذي يبين الربط بين الأثنين,فعندما نقول أن من صفات الله تعالى الرحمة وأنه يتصف بها على وجه اليقين من خلال الأيمان بمحتوى النصوص القدسية النقلية والتسليم بها لا بد أن تكون هذه الصفة تصدر من خاصية له خاصية متعلق بذات جلالته على وجه التخصيص المنفرد له عكس الرحمة التي يتصف بها العبد بأختلاف الخصيصة الذاتية له أيضا,فالصفة واحدة ولكن الخصيصة مختلفه وكما في النصوص التالية{وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}الأنعام54,فالرحمة كصفة لذات الله لا تنفصل عن خصيصتها وهي الكتابة على النفس بها فالخصيصة أنها مكتوبة على نفس الله بما هو مختص بالكتابة فهو رحيم لأنه كتب على نفسه الرحمة{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ}الأنعام133,فالرحمة عند الله ذاتية محضة وخصيصة الرحمة وإن كانت لكل عباده وخلقه فهي خصيصة عامة لا يستثنى منها إلا من تركها ورفضها{أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ }الأنعام157.
أما الرحمة التي يتصف بها الأنسان فهي ليست كما هي عند الله لا من حيث الشكل والمضمون ولا من حيث الخصيصة والتكوين{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }الإسراء24,فالرحمة عند الإنسان ليست كتابا ذاتيا على نفس الإنسان بل هي من أصل رحمة الله وخصيصتها خاصة بما جاء في الأمر الرباني الذي هو رحمة من الله{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159,فالرحمة تختلف في التكوين والمنشأ وهذه من خصائص الذات الشيئية وإن توافقت بالصفة,أي أن الأختلاف في مدلول الوصف متأتي من أختلاف الموصوف وأختلاف الخصيصة لذات الصفة ولذات المحل أما تكوينيا أو تكيفياً وهذا هو جوهر أختلاف الصفة عن الخصيصة,والتي سنتاولهما بالبحث كمفردتين منفصلتين ثم نجمع بينهما على نفس الأساس الذي قدمناه فيما سبق.