السقوط
مسرحية في فصل واحد
المنظر:
خيمة فخمة مفروشة بسجاد فاقع الألوان منصوبة على أرض صخرية مقفرة امرأة شابة مستلقية على فراش وثير والوسائد الحريرية منثورة فوق السجاد، تتوسط المكان صينية فوقها أباريق فضية وكؤوس من البللور، أضواء قوية تضيء الخيمة من الداخل ومصابيح تلقي عليها أضواء من الخارج فتبدو وكأنها تشتعل نظرا لكثرة الأضواء المسلطة عليها.
فجأة يأتي رجل من الجهة الغربية يرتدي لباسا تقليديا من الصوف بلون التراب ويضع على رأسه عمامة من
نفس ثوب اللباس.
***************************************************
هو: عمت مساء يا أجمل النساء.
هي: (متأهبة للوقوف) مساء الخير يا سيدي.
هو: ( ممسكا بيدها ومنحنيا لتقبيلها) ألم أقل لك مرارا أنني سيد الجميع إلا أنت.
هي: ولكن ...
هو: أنت سيدتي.
هي: ( في خفر) عفوا سيدي.
هو: أنا عمار، عمار فقط، ألم تقرئي الكتاب الذي أهديتك إياه .. كتبته في أيام الشبـاب،
( وكأنه يحدث مفسه) كم كان رائعا ما كتبته، حتى أنني أقسمت ألا أكتب شيئا بعد، وألا أمسك القلم إلا للتوقيع على القرارات والعقود، وبأمر رئاسي جعلته مقررا لكل المراحل الدراسية. . ( مستدركا ) هل قرأت ماكتبت عن المرأة .. أنت المبتدأ والمنتهى.
هي: أنا إنسانة بسيطة، يسعدني كثيرا أن أرى زهرة برية تنبت في هذا القفر الذي أسكنه.
هو : ( باستغراب) أأنت غير سعيدة؟، إن هذه الخيمة أفخم من أجمل غرفة في أبهى القصور.
هي: إن ما يشجيني يا سيدي هي الوحدة.
هو: إنني معك بفكري وقلبي وروحي، وفي كل مرة أعود أحمل إليك المجد والنصر الذي أغنمه في كل المعارك التي أخوضها، أو تدرين أنني أصبحت ملك الملوك، وأن الوفود تأتيني في خيمتي المنصوبة على الطرف الغربي تبايعني الولاء.
( ينحني مقبلا يدها ) هذا المجد هو لك وهذا النصر من أجلك.
هي: أو تدري يا سيدي أن من يؤنس وحدتي هي الأفاعي.
هو: ( ممتعضا) ماذا؟ ( مقهقها) أهي قصة حواء والأفعى؟.
هي: أو قصة كليوبترا والأفعى.
هو: ماذا تقصدين؟
هي: كانت الأفاعي تسعى بعيدا عن الخيمة يخيفني فحيحها، وتخيفها الأضواء، ولما اشتد شعوري بالوحدة ، لم يعد الفحيح يخيفني بدأت ألقي إليها بالطعام، حتى أصبحت تأنس لي وآنس لها تلتف حول جسدي تداعب شعري
هو: ( مقاطعا) إنك تهذين ..لابد .. أنك تهذين.
هي : ( متصنعة الضحك) لابد أنني أهذي.
هو:شربت كأس النصر حتى الثمالة، تساقط أعدائي الواحد تلو الآخر ، بقي لي عدو واحد وحتما سأنتصر عليه.
هي: ومن يجرؤ على معاداتك؟.
هو: ( مهموما) الموت .. الموت لو كان امرأة لاستسلمت له، ولكن بلغني أنه رجل، لذا قررت أن أتصدى له.
هي : إن الموت قدر لا مفر منه .
هو: ألم يقل الشاعر ما معناه أن القدر يستجيب إذا توفرت الإرادة.
هي: وما خطتك لمحاربة الموت؟
هو: لقد أمرت بأن يجتمع كل سحرة القارة لإبجاد ترياق يقيني من سكراته.
هي: ترياق .. أتقول ترياقا.
هو: نعم.
هي: قبل أيام مر من هنا رجل ملثم لا تظهر منه إلا عينان يشوبهما الاحمرار ممتطيا جملا، أرعبني منظره، ثم قلت مع نفسي لعله جاء من طرفك يبلغني أمرا، و ما لبث أن أعطاني قارورة بها سائل غريب وطلب مني أن أسلمها لك.
هو: ( وقد أصابه فرح هستيري) لعله الترياق هاته (وبدأ يردد بصوت عال) الحياة .. الحياة .. الخلود .. الخلود.
بيد مضطربة قدمت إليه القارورة أخذها تردد قليلا قبل أن يفتحها ويفرغ محتواها في فمه دفعة واحدة.
اصفر وجهه .. اخضر.. انثنى ممسكا ببطنه .. تقلصت عضلات وجهه، أراد أن يصرخ خرجت من فمه حشرجة أشبه بكلمة اللعنة .. سقط صريعا.
هرعت إلى باب الخيمة: أيتها الأفاعي المجد لك أنا الآن حرة طليقة ..أبرقت السماء أرعدت ..هبت الرياح اقتلعت أوتاد الخيمة تداعت للسقوط .. سقطت، أمطرت السماء صاحت هي: أزهري أيتها الأرض المباركة عمي سلاما عمي سلاما.
انتهت
الدار البيضاء في مارس 2011
عائشة العلوي لمراني