إهداء إلى محمد أمين إبراهيم .. الشاعر الجميل والأروع من بين كتاب الأطفال صديقي الوحيد وقاتل وحدتي فى زمن أصبح ضنينا .. كافرا بالمودة !أهديك زهرتي .. عدى الجميل ، رقته ، وعلمه وقلبه المحب !
الشخصيات عدى : عدى بن زيد العبادى التميمىالنعمان : النعمان بن المنذر بن ماء السماء
سلمى : أم النعمان
عدى : عدى بن أوس بن مرينا الوزير : الربيع بن زياد الأسود : الأسود بن المنذر بن ماء السماء سعد القرقرة : أخو عدى بن زيد و النعمان فى الرضاعة ظالم : قهرمان عدى بن زيدهند : أخت النعمان وزوج عدى بن زيدأبى : أبى بن زيد العبادى أخو عدىالشيخ : مرزبان من مرازبة الفرسعبيد : عبيد بن الأبرص الشاعر المشهور فى الجاهلية زيد : من بنى بقيلة عامر : رسول أبى إلى الحيرة وصاحبهمجموعة من الجند و الحرس والخدمالمكان : الحيرة – المدائنالزمان : فى نهايات القرن الخامس الميلادي قبل رفع الستار وصروف الدهر لا يبقى لها ولما تأتى به صم الجبالرب ركب قد أناخوا حولنا يشربون الخمر بالماء الزلالوالأباريق عليها فدم وجياد الخيل تردى فى الجلال عمروا دهرا بعيش حسن آمنى دهرهم غير عجال ثم أضحوا عصف الدهر بهم وكذاك الدهر يودى بالرجالوكذاك الدهر يرمى بالفتى فى طلاب العيش حالا بعد حال اللوحة الأولى سلمى أرملة المنذر بن ماء السماء وأم النعمان ، تعيش حالة من فقر وبؤس .. بهو دار متواضعة للغاية . سلمى : ( وهى تتحرك فى المكان ، تخاطب أشباحها ، وتحاول مع نفسها الخروج من أزمتها .. فتخرجها ابنتها هند من حالتها ) بح صوتي .. و تقطعت حباله .. أين كنت ؟هند : معذرة يا أمي .. لم أسمعك .. كنت أودى بعض مهام الدار .سلمى : بعض مهام .. ومارية زوج أخيك .. هوووه .. مالكم تبعدون عنى .. مع من أتكلم .. مع الحيطان و حصى الصحراء .. وحيات الفلا .. تكلمي ؟هند : أمي .. ما بك .. مالك ثائرة حزينة .. أو جد جديد ؟سلمى : وأي جديد تتصورين .. إن هما يجثم فوق صدري .. يخنقني .. يكاد يقضى على .هند : أمي .. اجلسي .. تخففي مما تحملين .. أمي .. حزنك لن يرجع الوقت .. ويعيد ما ضاع .سلمى : أما قلت لك أين مارية ؟هند : إنها لا تفارق النعمان .. لا تتركه لحظة من ليل أو نهار .سلمى : نعم .. نعم .. أشرت عليها بذلك .. إنه يحبس نفسه فى حجرته .. و ليل نهار يصرخ .. يصرخ ويطحن رأسه في جدران الدار .. إني خائفة .. لو يخرج .. لو يبتعد عن هنا قليلا .. ربما تخلص من هذه الآلام .هند : لو أن عديا هنا .. لهانت جبال الصحراء .سلمى : عدى .. أرسلت فى طلبه .. لكنى لا أعرف أين هو الآن .. لا أعرف .. المدائن .. دمشق .. بلاد الروم .. بالله عليك ألا قلت أين أنت يا عدى ؟هند : قلبي يحدثني .. أنه قادم .. قادم يا أمي .سلمى : قلبك .. هيه .. منذ متى .. وقلبك يحدثك يا بنت ؟هند : منذ متى .. هووووه .. أمي .. ألا تعرفين أن عديا له في قلبي تماما كما للنعمان أخي .سلمى : لا .. لا أعرف .. و إياك !هند : لم يا أمي .. ألم يملأ القصر لعبا و هرجا و غناء هو و النعمان .. وكبرت على عينيهما ؟سلمى : لم يعد قصر .. لم يعد .....هند : أوه يا أمي .. دوام الحال محال .سلمى : المصيبة أن أباك يرحمه الرب هو الذي ضيع كل شيء .. كل شيء .هند : ما كان ليتصور يا أمي أن تكون نهايته بهذا اليوم الكريه .. يوم حليمة .. وكاد يفعلها ويدحرهم فى عرينهم .سلمى : كل ما يؤلمني أخوك .. النعمان .. وحالته التي تزداد سوءا .هند : يا أمي .. أتذكرين يوم جعل كسرى على الحيرة زيد بن أيوب العبادى ؟سلمى : يرحمه الرب .. رفض زيد أن ينادى بملك الحيرة .. وأصر على عودة المنذر .هند : وأنت أما قلت لي يوما .. عدى أكثر محبة لبيت المنذر من أبيه .. أليس هذا كلامك ؟ ( فجأة تجهش ) .سلمى : هند .. بنيتي .. ما بك .. هند ( تسرع نحوها .. تأخذها على صدرها ) هند .. ما بي يكفيني .. أريحي أمك .هند : ( تتماسك .. تمسح وجهها ) لا شيء يا أمي .. لا شيء .سلمى : وهذا البكاء .. تكلمي .. تكلمي .هند : كابوس .. محض كابوس يا أمي .سلمى : كابوس .. مالنا والكوابيس .. لا تجد لها مرتعا إلا فى دار المنذر ؟هند : ( لنفسها ) هند .. تماسكي .. لا تفضي ما عندك .. سوف يكون غضبها بلا نهاية .. كيف تقولين أرى عديا .. ولثلاثة أيام مقتولا .. وعلى عين النعمان .. كيف يا هند ؟ ابتلعي غصتك .. هيا .سلمى : تكلمي .. لم لا تتكلمين ؟هند : أبى المنذر .. أبى يا أمي ( تعود للبكاء ) يأتيني مربتا ، كأنه يعزيني فقد عزيز .سلمى : ربما كنت أنا .هند : أمي .. كفاك الرب .. مازلت غادة حلوة .. اغفري لي كوابيسي يا أمي .. ولكن لا أعرف لم كان عدى يومض و يختفي .. لم ؟سلمى : يا لكوابيس المناذرة .. ليت عديا يأتي .. ألا تسمعني يا ولدى .. تعالى لأمك سلمى .. تعالى !هند : أمي .. ارمي أثقالك خلف ظهرك .. سوف أعود لأنهى عملي .. اهدئي ( تحوطها بذراعيها و تقبلها قبل أن تنصرف ) اهدئي يا أم الملك .. هيه .. اهدئي !سلمى : ( تتحرك .. ما تزال فى حالة قلق و اضطراب ) أضعتنا .. أضعت ولدك يا منذر .. تركته للضياع فى صحراء لا تتنفس إلا كراهية و حقدا ، حاولت معك كثيرا .. يا منذر اعقدها له .. اتركها للنعمان .. لكنك كنت تروغ منى .. تهرب فى محاريب خوفك .. وتصرخ .. والأحد عشر رجلا الآخرون .. لن يتركوه .. عندهم الجاه و المال و الجمال يا منذر ..كل ما حرمنا منه ولدنا عندهم .. بنى مرينا أنت خير من يعرفهم .. أنت خالق هذا .. ألا سحقا للملك وللملوك ..ثم ذهبت إلى حتفك .. فلا كانت لهم و لا له .. ركبها إياس بن قبيصة .. اهنأ برقدتك .. وطبا نفسا .. وابنك هنا يهلك .. يهلك يا منذر ..تدبدب الكوابيس على صدره وفى مناماته ..وتكاد تقتله .. ألا تبا للمناذرة .. واحدا واحد . ( طرق على الباب .. تتجه إليه .. تفتح ) أخيرا يا بن زيد .. أخيرا تذكرتنا !عدى : مرحى مرحى يا أم الملك !سلمى : أم الملك .. يقول أم الملك ؟عدى : اعطني أولا قبلتك الحلوة .سلمى : قبلتي .. مازلت تذكرها .. بالله عليك ألا قلت لي .. ما كل هذا الغياب ؟عدى : ألا تعرفين يا أمي ؟سلمى : تتغيب هذه الأيام بينما أخوك يهلك !عدى : يهلك .. تقولين يهلك ؟سلمى : يهلك يا عدى ، ليل نهار تهاجمه الكوابيس .. الشياطين .. وصوت المنذر يجلده .. خذ بثأري .. خذ بثأري .. وأنت سائح هنا و هناك من كسرى إلى قيصر !عدى : أي ثأر يا أمي .. وكلنا يعرف ما تم ؟سلمى : نعم .. ولكن هذا ما يحدث يا ولدى .عدى : يجب أن يتأكد .. قاتل أبيه قتل يوم حليمة .. نعم .. إلا إذا كان يقصد الحارث ؟سلمى : تعرف أخاك يا عدى ، وكيف ظلمه المنذر حيا وميتا .. كيف نبذه بعيدا .. كان لا يطيق رؤيته .. لا يطيق .. ودائما يكشر فى وجهه و ينهره .. ولده .. كان بكاؤه يمزق قلبي .. يمزقه عدى : أمي .. لست معك فيما ترين .. كان المنذر يرحمه الله يربيه كما يحب.. فلا تبالغي .. كان لا يريد لولده أن يشب مدللا .. ناعما .. أنت فقط .. سلمى أم الملك .. ذو القلب الرحيم .. وهذا شأنك دائما .سلمى : إنه يموت يا عدى .. يموت . عدى : النعمان أقوى من الموت يا أم الملك !سلمى : دبرنى يا عدى .. ماذا أفعل .. وأنا أرى ابني بلا حيلة .. بلا حيلة .. لا مال و لا جمال .. ولا عزوة !عدى : لا .. لا تقولي هذا يا أم .سلمى : كيف لا أقول .. وهذا واقع الحال يا عدى .. سوف يضيع .. يضيع !عدى : تركها المنذر و هو يعلم بأس ولدك .سلمى : أين هو بأسه ؟ لا تكذب .. و لا تضحك على بمعسول الكلام !عدى : تعرفين عديا .. ألا تعرفين عديا يا أم الملك ؟ ( يهمس بها )سلمى : مازلت تردد ها أم الملك .. أم الملك .. وأين هذا الملك ؟ هاهو فى الداخل يموت كمدا .. كمدا يا عدى !عدى : قسما برأسك يا غالية لن يكون ملك سوى النعمان .. ولدك !!سلمى : و الحيات التي تسعى من حوله ؟عدى : معركة النعمان معركتي يا أم الملك .. أنسيت أنه أخي .. من ثدي واحد رضعنا ، وفى حجر واحد وضعنا وشببنا .. الكسرة كنا نقتسمها .. والهدمة .. وحبة الفاكهة .. حتى الضحكة و دمعة الحزن !سلمى : لكن قلبي لا يحتمل ما يتم .. آه يا منذر .. لم لم تنهها .. كان الأكبر .. وكان عليك أنهاؤها .عدى : لو لم يكن للنعمان المنزلة العليا عند مولاي المنذر ما تركها هكذا !سلمى : يترك الحيرة دون ملك ، ليعلو ابن قبيصة فوق الجميع !عدى : أيام .. إن هي إلا أيام .سلمى : قل لى يا عدى ، أرح أمك سلمى .عدى : لا أخفى عليك ، إنني قادم من المدائن !سلمى : المدائن !عدى : كنت فى حضرة كسرى ، وسألني عن أبناء المنذر .. حدثته عنهم .. فدهش وقال : لم لم يقم عليها أكبر أبنائه مثلما فعل أسلافه ؟سلمى : هيه .. ألم أقل لك منذ قليل ؟عدى : وفى نهاية حديثي معه ، طلب مثولهم بين يديه !سلمى : مثولهم بين يديه ..دمرت ولدى يا عدى .. سوف يختار واحدا من أخوته الأكثر مالا وجمالا .. أضعت ولدى .. أضعت أخاك !عدى : ما عهدتك على هذا الضعف يا أم الملك !سلمى : أم الملك .. يقول أم الملك !!عدى : ( يجلسها ) انتظري .. عندي تدبير !سلمى : يأية حلة يسعى إلى كسرى .. إنه لا يملك حتى جلبابا صالحا للمقابلة ؟!عدى : ( يهمس فى أذنيها ) غدا حين ترينه ، وهو يتقدم على فرسه الشهباء ، ويلبس حلة الملك ، والصولجان فى يده ، لن تعرفيه !سلمى : قل لى .. قل لى كيف يتم ذلك ؟عدى : لا .. لن أقول لك .. لن أقول . سلمى : ورأس المنذر ؟عدى : و الله و لا رأس السيد المسيح !سلمى : ( يعلو صوتها ) يا نعمان .. يا ملك الحيرة .. يا نعمان .. يا أبا قابوس ؟النعمان : ( يفتح باب حجرته ) ارحمي نفسك وارحميني .. ما عدت أريدها .. لا أريدها.. من أرى .. عدى .. منذ متى و أنت هنا ؟ ادخل على .. هيا ( وهو يفتح ذراعيه ) .عدى : ( يسرع و يلقى بنفسه بين أحضانه ) ماهذا ؟ أأنت النعمان .. أخي ..أم شبح ضل طريقه ؟ النعمان : ( يجهش باكيا ) شبح يصارع أشباحا .عدى : آه .. لك والله وحشة يا أبا قابوس .النعمان : لم لم تناد على .. أين كنت ؟ ولم كل هذا الغياب ؟عدى : منذ يومين .. وربما أكثر .. وأم الملك لا تصدق أنى عدى !النعمان : أم الملك .. أي ملك يا رجل .. ضاع الملك فى حرب خاسرة .. أضاعه المنذر ..أبى .. وأضاعني .. أصبحت محض صعلوك من الصعاليك .. هنيئا لك يا ابن قبيصة وأنت ياحارث الغساسنة .. آه ( كثور جريح ) .عدى : ( يهمس ) أقسم برأس المنذر .. أنك الملك !النعمان : عدى .. لا تسخر بأخيك !عدى : أريد عطيتي الآن !النعمان : ( يتلاعب بثيابه كأنه يخرج حشرات ) خذ هذه عطية ..وهذه .. وهذه واحدة .. أتريد المزيد ؟سلمى : عطيتك عندي أنا .. عندي أنا !عدى : أريدها الآن !سلمى : هي لك !عدى : من هي لك .. من هي ؟سلمى : هند النعمان : أمي سلمى : ألديك اعتراض .. نعطه مهرتنا ؟النعمان : أمي .. انتظري عدى : أجبها .. ألديك اعتراض .. هيه .. أتعترض على المصاهرة ؟النعمان : لا .. ولكن !سلمى : يوم تجلس على كرسي الحيرة تزف إليه هند !عدى : أرحت فؤادي يا أم الملك ..يدك أقبلها ..وبهذا لن يتنكر لي هذا الوحش ، لنظل فى قيد واحد !النعمان : أمي .. يبدو أن عديا لم يسترح بعد من سفرته .. هيا .. عندك مارية .. هيا أعدا لنا شيئا نأكله !سلمى : أمرك ( تهمس ) يا ملك الحيرة !النعمان : ابلعي لسانك .. رمال الصحراء عيون لابن قبيصة .. وبنى مرينا .. إن رأس الحية لا يهدأ .. لا يهدأ !عدى : عدى بن أوس .. لا .. لا .. لن يأخذ فى يدي ساعة من نهار .النعمان : أنت تحلم يا عدى .. تحلم !عدى : ولم لا أحلم معك .. وبك يصبح حلمنا الكبير حقيقة .. هل مازلت تذكره يا نعمان ؟النعمان : ياله من حلم .. وهل مثل هذه الأحلام قابلة للنسيان .. كنا أطفالا مثل نبت الصحراء .. لا نقيم وزنا لشيء .. نعم أذكره .. أمازال يخايلك أنت ؟عدى : فى كل لحظة .. يسابقني فى الطرقات .. وفى متاهات الصحراء و الوديان .. ماكان شيئا مر بالخاطر وانتهى .. إنه يملأ وجودي كله يا نعمان .. حلم .. حلم يا رجل !النعمان : لكن كيف .. كيف تتحول الأحلام إلى حقائق تدب على أرض الواقع ؟ كيف و نحن محاصرون بكسرى و قيصر و الغساسنة و الأذناب و الصغار .. كيف ؟عدى : ضم يدك إلى يدي ؛ لنخطو خطوتنا الأولى نحو تحقيقه !النعمان : وهذه يدي .. لكن لا تتركني لنفسي طرفة عين .. إني ضعيف متهالك .. لا سند لى .. ولا قوة لدى !عدى : لا تقل هذا ( يصبح أعلى رأسه لطول قامته ) بين يديك تسير الركبان ، وتركض الفرسان في ساحتك ، وبأمرك تعلو رؤوس و بأمرك تختفي و تنكس رايات .. نعم ( بصوت كأنه يأتي من بئر ) تستطيع .. نعم ..العرب .. العرب يانعمان فى ضمائرها تحن للحظات الخلاص و التوحد .. العرب شراذم وكيانات مبعثرة آن أن تلتئم و تتوحد .. العرب !!النعمان : كفى عدى .. كفى .. ارحمني من هذه القشعريرة و هذا الاهتزاز الصاعق !عدى : بعد قليل نخرج متوجهين إلى ابن قردس ، فإذا خذلنا قصدنا البيت الأبيض !النعمان : البيت الأبيض .. تقصد جابر بن شمعون ؟عدى : نعم .. ومن هناك تكون البداية .النعمان : ولم ؟عدى : ليباركك .. ويزودك بما نستعين به على سفرتنا إلى المدائن .. وفوق هذا أنت تعرف الرجل .. وتدرك مدى خطورته .. زواره كثيرون .. وأحباؤه أيضا .. ورجاله لا حصر لهم .. أفهمت .. هيه .. هل تعطني هند حقا .. ألن تحنث بوعدك .. تكلم .. لا .. لا تتكلم .. أعرف أعرف ( النعمان يجذبه خلفه حتى يختفيا ) أرى ودكم كالورد ليس بدائمولا خير فيمن لا يدوم له عهدوحبي لكم كالآس حسناً ونضرةله زهرة تبقى إذا فني الورد إظلام يتبع