الرواية العصرية لمعلقة عمرو بن كلثوم التغلبي

قصيدة : الرواية العصرية لمعلقة عمرو بن كلثوم التغلبي
بقلم الشاعر السوري : إبراهيم عبد الحميد الأسود

 لمعلقة عمرو بن كلثوم التغلبي
اكتشفت أمريكا قبر الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم التغلبي، فأخذوا خلية من رفاته، وحين تمت عملية استنساخه واستوى رجلاً، طلبوا منه أن يقول معلقته الشهيرة التي جمع فيها أمجاده، فقالها، ولكن بلسان حاله كشاعر عربي مسلم، في زمنٍ آل فيه حال الشعر والعروبة والإسلام إلى مانرى

.

 

الرواية العصرية

 

(ألا هُبّي بصحنكِ فاصبَحينا)
 

وحَيّي أهلَ وُدِّكِ يا ظعينا
  

وهاتي كل وُجدِكِ من عُقارٍ
 

تُقَطِّبُ عند لذعتِها الجبينا
  

إذا سطعت أنوفَ الشَّرْبِ خَرّوا
 

على حُرِّ الوجوه مصرَّعينا


  

لعل أوارَها يسطو عميقاً
 

فيُسلي الصبَّ أو يُنسي الحزينا
  

(صبنتِ الكأس عنا أمَّ عَمروٍ)
 

ولا لومٌ إذا لم تصبَحينا
  

فإني إذ توسَّمتُ الندامى
 

رأيتُ وجوهَ خلقٍ مُنكَرينا
  

وقد أرعيتُهم بصري وسَمعي
 

فلا اللبس ارتضيتُ ولا الرَّطينا
  

وقال البعضُ هم عربٌ قِحاحٌ
 

وقال البعضُ بل هم مسلمونا
  

وذانِكَ تُهمتانِ، فلم أُوَجِّهْ
 

لهم لغةً ولا آنستُ دينا
  

وذكَّرَني شبابَ الدهرِ دهرٌ
 

عجوزٌ غابرٌ في الغابرينا
  

ولكن ما أقولُ وما أداري
 

وكيف سأُخرجُ الداءَ الدفينا
  

أرى حَشْوَ اليراعِ دماً عبيطاً
 

وأنتِ مُصِرَّةٌ أن تُحرِجينا
  

وعِلمي تغلبٌ فنِيَت وبَكرٌ
 

فكيف لعَمرو خالقِنا حَيِينا!
  

وكنا قبلُ لَم نؤمِنْ ببعثٍ
 

ولَم نَكُ بالتناسُخِ مؤمنينا
  

أراد الأوّلون فما استطاعوا
 

لنا خُلْداً كما قد تعلمينا
  

(بأنّا نوردُ الراياتِ بيضاً
 

ونُصدرُهُنَّ حُمراً قد رَوِينا)
  

ونشربُها لها أرَجٌ ونورٌ
 

وإشفافٌ، كما إذ تبسِمينا
  

ونَحمِلُ فوق ضُمَّرَ سابحاتٍ
 

إذا أوجَسْنَ غضبتَنا ضَرِينا
  

علينا كل سابغةٍ تُماهي
 

لُعابَ الشمسِ محكمةً وَضينا
  

وفي أيْمانِنا شُطُبٌ ظِماءٌ
 

تُقاوي الكف أو تَرِدِ الوَتينا
  

وسُمرٌ لَهذميّاتٌ عَوالٍ
 

نصبنا في أزِجَّتِها المَنونا
  

وأقواسٌ مُوَتَّرةٌ صِلابٌ
 

يكادُ يكون مُرسَلُها أَذينا
  

وبَيْضُ الصُّلبِ واليَلَبُ اليماني
 

يَرِنُّ صليلُ رجعِهما رَنينا
  

ونَمنعُ ما نشاء إذا غضِبنا
 

ونَمنحُ من نشاء إذا رَضينا
  

وما أكلَتْ سِباعُ الطيرِ مِنّا
 

ولا رَتَعت وحوشُ الغَيْلِ فينا
  

كذلكَ في ذُرى العلياء كنّا
 

وشئنا للعروبة أن تكونا
  

وجاء الله بالإسلام رِدءاً
 

لعزَّتِنا وقومٍ أعقَبونا
  

فأُلبِسنا من التقوى جَلالاً
 

وأخلاقاً بَهَرْنَ العالَمينا
  

إلى عزمٍ عُروبِيٍّ أشَظَّت
 

قُواهُ بقوَّةِ الإيمان فينا
  

فقلنا يا فِجاجَ الأرضِ كُوني
 

فكانت مثلما قلنا وشِينا
  

قَصَرْنا شأوَ قيصرَ ثم عُجنا
 

لنكسِرَ بأسَ كِسرى عامدينا
  

وجاء الشرقُ يَحدو الغربَ حَدواً
 

وقالا قد أتينا طائعينا
  

وسُدنا الأرضَ أحباشاً وفُرساً
 

وأندلُساً وإفرنجاً وصينا
  

وسارَ الدهرُ لا خَبَباً، ولكن
 

كما إذ تُلجِمُ الفَرَسَ الحَرونا
  

قُروناً جَمَّةً ثم انتشَيْنا
 

فأُبدِلنا بجُمَّتِنا (قُرونا)!
  

فإمّا النسخةُ الأولى، وإلاّ
 

فقد صَحَّفتمُ بالميم نونا
  

••••

ألا فليعلمِ الأقوامُ أنّا
 

تَضَعْضَعْنا وأنّا قد وَنِينا
  

فصِرنا نرفعُ الراياتِ بِيضاً
 

نِظافاً قد غُسِلْنَ وقد كُوِينا
  

وصِرنا نخفضُ الهاماتِ ذُلاً
 

ونَنصبُ عِرضَنا للمُهْدِفينا
  

فمن نَكْبٍ إلى نَكْسٍ، وعُدّي
 

مَجازِرَ ما ثُؤِِرْنَ ولا وُدِينا
  

إلى كَفْرٍ إلى تَلٍّ وبَحرٍ
 

إلى دَيْرٍ ولا تنسَيْ جِنِينا
  

إلى حَرَمِ الخليلِ ومَن أُبيدوا
 

هنالك راكعين وساجدينا
  

إلى صبرا وشاتيلا وقانا
 

دماءٌ لَذَّةٌ للشاربينا
  

متى تُنقَلْ رَحى قومٍ إلينا
 

نكونُ بِها الحميرَ الدائرينا
  

ندورُ بِها تدورُ بنا علينا
 

فمفعولونَ نحنُ وفاعِلونا
  

يكون ثِفالُها ما شئتِ قُطْراً
 

فما امتدّت بلادُ المسلمينا
  

سُلِبنا القدسَ قد علمت مَعَدٌّ
 

وإحدى الضفَّتينِ وطورَ سِينا
  

وضيَّعنا جَنوبَ العزِّ هَدْراً
 

وجَوْلانَ الإبا واسكندَرونا
  

(وإنَّ غداً وإنَّ اليومَ رهنٌ
 

وبعدَ غدٍ بما لا تعلمينا)
  

ورِثنا المجد، لكن للتباهي
 

ونِعمَ الإرثُ بئسَ الوارثونا
  

فنحنُ الصامتونَ إذا أُهِنّا
 

ونحنُ الصابرونَ إذا أُذينا
  

ونحنُ الخانعونَ إذا ظُلِمنا
 

ونحنُ الظالمون إذا وَلِينا
  

(ونحن إذا عِمادُ الحيِّ خَرَّت
 

على الأحفاضِ) من هَلَعٍ خَرِينا
  

إذا حَمِيَ الوطيسُ بنا بَرَدْنا
 

وإن بَرَدَ الوطيسُ بنا حَمِينا
  

ويشربُ غيرُنا صَفواً قَراحاً
 

ونشربُ وحدَنا كدَراً وطينا
  

وفي فتحِ القَناني والجواري
 

أشاوسُ مُعْلَمينَ مُجَرَّبينا
  

وفي فتحِ الحُروبِ نكونُ أيضاً
 

بِمعنىً أو بآخَرَ (فاتحينا)!
  

ونحنُ ولا شَماتةَ أهلُ عُجْبٍ
 

على أنّا تنابلُ مُقعَدونا
  

عَشِقْنا الفَوْقَ فَوْقَ العِشْقِ حتى
 

كأنَّ الفَوْقَ إرثُ أبي أبينا
  

فنحلمُ فوقَ أحلامِ الكُسالى
 

ونَعجَزُ فوقَ عَجْزِ العاجزينا
  

ونكذبُ فوقَ كِذبِ الناسِ طُرّاً
 

(ونجهلُ فوقَ جهلِ الجاهلينا)
  

ونَصعَدُ فوقَ، نَهبطُ فوقَ، نمشي
 

اختيالاً فوقَ تحتِ الواطِئينا
  

وكلُّ أمورِنا في القولِ فَوْقٌ
 

وواقعُنا لأسفلِ سافلينا
  

(متى نَعقِدْ قَرينتَنا بحبلٍ
 

تَجُذُّ الحبلَ أو تَقِصُ القَرينا)
  

(وقد هَرَّت كلابُ الحيِّ منّا)
 

لأن طباعَها أُدرِجْنَ فينا
  

فكم ذا قد سَرَقْنا بيتَ مالٍ
 

وخُنّا العهدَ أو خُنّا اليمينا
  

وكم ذا قد وَلَغْنا في دماءٍ
 

زواكيَ أو عَضَضْنا من يَلينا
  

وينبحُ أيُّ كلبٍ حين يؤذى
 

ونؤذى حين ينبحُ حاكِمونا
  

وأمّا بالشعوبِ فلم نُفَرِّطْ
 

وكُنّا في العَدالةِ مُفْرِطينا
  

ملأنا الجوَّ أجهزةَ التقاطٍ
 

ووجهَ الأرضِ كُلَّهُ مُخبِرينا
  

وكلُّ مُواطنٍ، ذكراً وأنثى
 

نَصَبْنا تحتَ شاربِهِ كَمينا
  

وإن نَبَسوا فليس لهم صَريخٌ
 

من البلوى ولا هم يُنقَذونا
  

صرَفنا عنهمُ الأسماعَ قصداً
 

وأذكَيْنا المراصدَ والعُيونا
  

وما من أسرةٍ إلاّ وفيها
 

لنا بعضُ (الكرامِ الكاتبينا)
  

نُحَلِّلُ صَمْتَهُمْ والفكرَ، لا بل
 

نصوِّرُ منهمُ حتى الظُّنونا
  

نُتَرجِمُ عنهمُ الأنفاسَ نَصّاً
 

صريحاً والتوجُّعَ والأنينا
  

فنحن مُترجِمونَ على اقتدارٍ
 

ونحن مُحلِّلونَ مُصوِّرونا
  

ومن أنّا بَثَثنا (الأمنَ) فيهمْ
 

نُلَقَّبُ عندهمْ ب(المؤمنينا)!
  

نزيدُ مَقاسَ نعلِ من استَضَفنا
 

ونُكسِبُ قدرَهُ نقصاً مُشِينا
  

ويمكثُ في ضيافَتِنا مُهاناً
 

ليالِيَ أو شُهوراً أو سِنينا
  

وحين يكونُ لم يُخطِئ بَتاتاً
 

نقولُ لَهُ: اشتباهٌ .. آسِفونا
  

تَألَّفْنا الشُّعوبَ بكلِّ هذا
 

فهمْ، دَعْ ما يُقالُ، مُدَلَّلونا
  

فجَعناهُمْ، ضجَعناهُمْ، فذَلّوا
 

أجَعناهُم وهاهُم يَتْبَعونا
  

وصادَرْنا حناجرَهُمْ فهيّا
 

اسألوهُمْ إن يكونوا ينطِقونا
  

وأخلَيْنا أكُفَّهُمُ لِكَيْما
 

إذا خَطَبَ الزعيمُ يُصَفِّقونا
  

وهذي نُبْذةٌ مِمّا لَدَيْنا
 

وهذا بعضُ حَقِّ مُواطِنينا
  

دِمُقراطِيَّةٌ لا شكَّ فيها
 

سَلوا عَنّا المقابرَ والسُّجونا
  

••••

فنحنُ ولا أكرِّرُ (نحن) إلاّ
 

لأصرِفَ عن مثالبِنا العيونا
  

ملكنا كلَّ أسباب المعالي
 

ولم نبلُغ كِعاب الأرذلينا
  

ويُرهبنا الدجاجُ إذا يُقاقي
 

وفي الإرهاب نحن مصنَّفونا
  

لنا في (الغرب) أرصدةٌ كبارٌ
 

ومثقَلَةٌ كواهلُنا ديونا
  

رصدناها ليوم الدين ذخراً
 

فنحن اليومَ لا نحتاجُ دينا
  

وبعضُ وُلاتِنا فُطِموا حديثاً
 

وبعضٌ لم يزالوا يرضَعونا
  

وبعضٌ عاصروا لُبَداً وعاداً
 

فعادوا مهترينَ مخرِّفينا
  

سُليمانيةٌ لهمُ حظوظٌ
 

فقد ماتوا وهاهُمْ يحكمونا
  

دعا إبليسُ فانسحبتْ عليهم
 

فهم لا شك بعضُ المنظَرينا!
  

تعوَّدنا نسيرُ متى أرادوا
 

ونَهذرُ في الشوارع:(عائدونا)
  

وندري أنه كذِبٌ ولكن
 

إذا قلنا الحقيقةَ أعدمونا
  

وهذا (الفيلم) مذ خمسين عاماً
 

فما عُدنا ولا هم يحزَنونا
  

لذا أعداؤنا هابوا حِمانا
 

وجُنّوا من مخافتنا جُنونا
  

فهم من خوفهم منا تراهم
 

بلا وعيٍ إلينا يزحَفونا
  

ونحن تنجُّساً منهم هرَبنا
 

وهِمنا في الشتات مشرَّدينا
  

فصاروا هم أُلو وطنٍ ودارٍ
 

وصرنا نحن عندهمُ (بِدونا)
  

وأحرَزنا كرامتنا اكتفاءً
 

ببعض مخيَّمات اللاجئينا
  

وما كنّا بحمد الله بُكْماً
 

ولكن قالَةً متكلِّمينا
  

نطاعنُهم بشجبٍ واحتجاجٍ
 

إذا فتكوا بنا فتكاً مُهينا
  

وإن غدروا بنا أو هاجمونا
 

خرجنا في الفضاء مندِّدينا
  

ونرفضُ ثم نرفضُ لا نُبالي
 

إذا ما جرَّبوا أن يقصفونا
  

وكم يوماً تكاتَفْنا ألوفاً
 

وسِرْنا ضدَّهُم متظاهرينا
  

وزلزلْنا مضاجعَهم بقصفٍ
 

عنيفٍ من هُتاف مناضلينا
  

وما هذا فقط لا بل شَجبنا
 

مجازرَهُم وقلنا : مُجرمونا
  

فضحناهُم على الأشهادِ لكن
 

تبيَّن أنهم لا يخجَلونا
  

سَحَقْنا أنفَ أمْريكا جهاراً
 

بِهِمّةِ قادةٍ متأمْرِكينا
  

وكلُّ الغربِ إن طاروا وحَطّوا
 

فهم بإزائنا متخلِّفونا
  

سبقناهُم بكلِّ مَجالِ سبقٍ
 

فنحنُ السابقونَ الأوّلونا
  

إذا جاءوا بإنجازٍ أتينا
 

بأكبرَ منه لا متكلِّفينا
  

إذا هم أطلقوا قمراً جديداً
 

إلى المريخِ، اطلَقْنا الذُّقونا
  

وإن صَنعوا صواريخاً صنعْنا
 

التماثيلَ الضِّخامَ لحاكمينا
  

وإن هم طوَّروا يوماً سلاحاً
 

دَعَوْناهم إلى التجريبِ فينا
  

وإن فخَروا بحاضرهم فخَرْنا
 

بِتَلٍّ من عظام الميِّتينا
  

وإن نحن اشتهينا القتل يوماً
 

نجيء بهم لكيما يقتلونا
  

فهم قومٌ ولا أخفيكِ سِراً
 

لعمركِ قاتلونَ مهذَّبونا
  

وليسوا مثلَنا جافينَ حَمقى
 

ولكن يَقتلون ويأسَفونا
  

لطياراتهم شأنٌ عجيبٌ
 

بها يُحيوننا ويُمَوِّتونا
  

فتُمطرنا صواريخاً ثقالاً
 

وأكياساً مُمَلأةً طحينا
  

ولا إبليسُ يُحسِنُ مثلَ هذا
 

ومهما كان مكّاراً لَعينا
  

فنحنُ الأسوياءُ بكلِّ حالٍ
 

وليس الغربُ (أولادَ الّذِينا)
  

ونحنُ الأقوياءُ ودَعْكِ مِمّا
 

تَرَيْنَهُ من صِفات الجُبنِ فينا
  

ونحنُ الأغنياءُ وإن يكونوا
 

بملياراتنا يتصرَّفونا
  

ونحنُ الأذكياءُ وقد ضَحِكْنا
 

على النَّفَرِ اليهودِ المفتَرينا
  

صدرنا عن فلسطينٍ ب(فلسٍ)
 

وأعطينا بني صهيون (طينا)
  

وهؤلاء نحنُ وليس فخراً
 

بنا قَرَّتْ عيونُ الشامتينا
  

لنا وجهانِ وجهٌ عبقريٌّ
 

جَلَوتُ جَمالَه للناظرينا
  

ووجهٌ لستُ أنعتُهُ لأنّي
 

رَحِمتُ الشِّعْرَ أن ينحطَّ دونا
  

••••

اسكُتي يا هذهِ ما نحنُ إلاّ
 

ذُبابٌ يملأ الدنيا طَنينا
  

حُدَيّا الناسِ إن وجَدوا جميعاً
 

لنا شَبَهاً بجنسِ الآدَمينا.
  

 

^^^

 

Please publish modules in offcanvas position.