فَلتَجِدْ نَفسَك فوق السِماكَيْنِ

  ما أجمل أن يبحر المرء وسط محيطات شاسعات..، ليتأمل بصمت كل لحظة تدنو نحو الوراء..،، ليكون الأزل " الرحم الخصب" لولادة سويعات مسافرة عبر الزمن!!!
بعيداً هي كانت وستظل..!!
فعندما ننظر بفضول من خلال مجهر الحياة ..، نرى الهمة كالدقائق الصغيرة تحاصرها فيروسات الهوان والكسل..، حتى باتت لحظات حياتنا تخوض سباقاً خاسراً ..، ونضحت تلك الأيام أنخاب ثوانٍ ميتة باتت متدفقة كالأنْهُرِ تدفقاً بعذوبة ..،، حتى تتلاشى كسرابٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماءً!!!


كم قَلَبَ التاريخ صفحات مشرقة كلما أشرقت شمس وجن ليل..!!
وكم روى بفخرٍ أمجاداً تلت..، وهاهي الأيام تسعى جاهدة لتحسين نسل الهمم..، فتزاوج التاريخ التليد مع المجد..، لعل جينات الفخر تتربع على عرش الصفات المتوارثة .، فنُحيي بصمت " عامل الوراثة" لتكون تلك الصفحات البيضاء خصبةً لتسطر صحافها بماء الذهب..!!!

 هانحن ننطلق في قطار الأيام..، المستقبل عنوانه..، والماضي التليد محطة ننهل منها المآثر العظيمة..
وكل منا يدنو نحو هدفه بحذق وكياسة..،،وفي كلتا يدينا شبكة صيد لنصطاد " الدقائق الهاربة" ..؛ لنقيم فوق ثراها صنعة مفيدة..، أو ذكر حكيم..،،أو كتاب قد يغير مسار بوصلة تفكيرنا نحو بر التميز لنرفع هناك رايات الإبداع ..، لعلنا نحجز السطر الأول ومع مرتبة الشرف بين سطور صفحات التاريخ المجيد..

 في رحلة لي إلى أحد البلدان ..، قمت بزيارة أحد المعالم السياحية هناك أو ما يسمى "Ocean World " ..فعلا شعرت أنني أغوص في عالم مكتظ بروائع خلق الرحمن تبارك وتعالى..،، وبين فوضى زحام التفكير وارتشاف قدح المعرفة..،، لفت انتباهي ركن ربما لم يُعنى به السياح الذين كانوا يتجولون هناك كثيرا ..،، لكنه أثر في نفسي كثيراً..،، فلقد كان الأطفال يتحلقون بحشود كبيرة حول معلمتهم ..،، يستقون منها فنون المعلومات عن عالم البحار والمحيطات..،، وكل منهم كان يسال بمهارة وجرأة علمية فذة..!!!
وااااعجباه من همتهم..!!!..،، رغم نعومة أظافرهم رأيت الهمم تنضح من قسماتهم الندية..،، وحسن التلقي كان ربان كل استفسار لديهم ..،، معاني ناضحة..،، قلما لحظتها عند مسافري قطار الحياة منا..!!!

 لكل فعل ردة فعل..،، فحرصهم الذي رأيت وشغفهم بالعلم..،، كان نتيجةً حية لنمط تربية معينة شبت أفكارهم البريئة عليها..،،كان رياضاً مورقاً لتربيةٍ نثرت بين أفئدتهم هذا الشغف..،وما رأيته كان النتيجة..
فأكرِم بها من نتيجة..!!!


فليس هذا الموقف أول موقف يصادفني في رحلتي..،، فكلما ذهبت إلى معْلمٍ تاريخي أو متحف علمي..،، أرى الأطفال أول المستكشفين والمكان ممتلىء بهم وبفضولهم وبشغفهم..!!

في الغرب ..،، هناك كل شيء مختلف ..،، لا أمتدح بكلماتي هذه النمط الذي يعيشون فيه..،، لكنني ألحظ أنهم ينشؤون أبناءهم على حب العلم والمعرفة حتى تصبح عقولهم ناضجة مثقفة واعية..

أبناءنا العرب..،، أبناء جد وهمة كذلك..،، ولكن ربما ينقصهم حب التنظيم لمسار حياتهم المفعم بالبراءة ..،،
فأذكر في أحد استراحات المطار..،، زرت أحد المحلات لشراء كتاب أقضي فيه وقتي في الطائرة..،، لاسيما أن المكوث فيها سيطول..،،فكنت أقرأ محتويات بعض الكتب التي سوف أقتنيها..،، في حين غزا صفو فكري عبث ثلاثة أطفال..،، كانوا يتجمهرون بالقرب مني ليختاروا كتباً يقضون بين طياتها أوقاتهم لتحاشي فوضى طارئةٍ بدت مألوفة في المطار..


قلمي وفكري ليس سوطاً لاذعاً لأبنائنا العرب..،، لكنه الحضن الدفيء لنغير مسار تربيتنا..،، ففي الحياة مسارات عديدة..،، فالنختر أفضلها وننشأ أطفالنا وأبناءنا على ألوان شتى..،، فليس العلم أو اللهو سيدا الموقف..،، إنما تنظيم الوقت واستغلاله هي بؤرة الاهتمام بين سطوري هذه وهدفي الأسمى..

مواقف هنا بين هذه السطور كانت ولادتها..،، عشتها وأردت أن أسكب مدادها..،، فلا حبذا حياةٌ يكون عمادها صدِئاً..،، حتى ترفل الهمة والطموح بعيداً عن غاية سامية ..،، وتصبح كالرهج تعبث بردمه رياح الهوان..،، وتنثره عبر الأثير فيفقد رونقه..،، ونبتعد عن كياننا ألف ميل إلى الوراء..!!

أمتنا بحاجة إلينا..!! .. ،، لندرك ذلك جيداً..،، حضارتنا أنارت مشارق الأرض ومغاربها..،، فلا نريد أن نرهق شيبتها في أرماس الهوان واللهث لحجز مقعد أمامي بالقرب من خشبة مسرح " إعدام الدقائق النفيسة"..!!!
... حتى أصبح التكاسل..،، مجرم الوقت الصامت..!!!

لا نريد أن نرحل دون بصمة مشرقة..،، وليكن الوقت صديقاً حميماً لنا..،، نعقد معه هدنة ذكر طيب..،، أو قراءة مفيدة..،، أو كتابة كلمات تكون بلسماً لجراح الأمة..،، فياترى.. هل ينفذ مداد هذه الهدنة؟؟!!

فكما يقول لسان الشعر البليغ :-
"إذا غامرت في شرف مرومٍ ... فلا تقنع بما دون النجوم.."

فلنأهب أنفسنا جيداً..،، لنخوض غمار الحياة..،، كالنملة تجمع وتكدس ما تجمعه بجد حتى أصبحت رفيقة الوقت..،، وكالنحلة تصير ما تجمعه إبداعاً في إبداع بنظام وجد فريد..،، فالنكن في تفانيهما وليكن الوقت سيد كل لحظة تمرق أمام قطار حياتنا الحثيث في سيره..

لذا فأنا أردد دوما..
" عندما تتأهب الحمم..،، لابد للبركان أن ينفجر.."

وهنا..

سنجد أنفسنا فوق السِماكَيْنِ..


 

Please publish modules in offcanvas position.