منذ عقود خلت امتلأت كل أرجاء الوطن الكبير بصيحات المصلحين من العلماء
و المثقفين لطرق أبواب التحرير و الخلاص من هيمنة الظلم و الابتعاد عن الشريعة ...
للنهوض بأفراد الأمّة فكريا و الرجوع بهم الى معين الإسلام .
ثم جات أوقات خبت فيها جذوة هذه النداءات و سيطر الديجور محلّ النور ، وفُرضت
قبضة الحديد و النار على الشعوب و كُمّمت أفواها ، بل امتلأت الساحات بالمطبّلين
و المنافقين و ممجّدي الحكّام و البلاط ، فضاعت قيم الرجولة و الشهامة و التوق
الى الكرامة و الحريّة و غابت من أدبيات المثقفين و دعاة الاصلاح الاجتماعي
و الديني الا من رحم ربّي ،،
و صارالعمل على هذا الحق المقدّس أشبه بكلام ضبابي و عمومي الملامح لا
وجه صريح فيه و لا مقصد جليّ المعالم .. حتى تكوّنت قطيعة بين الشعوب و الرموز
المحسوبة على الخلاص و التحرّر سواء من المفكرين أو من العلماء أو من الدّعاة .
ولم تعد تجد هذه الشعوب ما يملأ فراغها و تعطّشها و ما تصبو اليه من تغييرات
تعود عليها بالفائدة الآجلة والعاجلة .
فكان الهجران ، هجران المنابر و المساجد و ساحات الخطاب ليدخل على الخط
أباطرة الإعلام بمختلف صُوره المقروءة و السمعية و البصرية حيث انتهزوا الفرصة
للثراء و الاقبال في نهم على تكوين ثروات بمادة اعلامية بائسة و ثقافية انحلالية
و دائرةمن المعلومات الدينيّة الضيقة و المنحصرة في ما يسمح به السلاطين و الحكّام .
في هذا الخضمّ الزاخر دبّت و بصفة اعتباطية و تلقائيّة في مجملها ثقافة جديدة بحكم الثورة
الهائلة لوسائل الإتصال الحديث و التطوّر السريع للشبكة العنكبوتية ،،،
فسهل تداول الخبر و المعلومة في سرعة قياسية و صارت المستورات من الأشياء التي
لا يفصلها عن طالبها إلاّ كبسة زرّ...
قلت دبّت حركة غير محسوبة من الشباب في اكتشاف الخبايا و السعي الى نشر كل جديد
و فضح كلّ ما استعصى سابقا الإطّلاع عليه ...
و في هذا الإطار و ليس الأخير كان لثورة الأحرار السّبق في استغلال فضاء الفيس بوك
للتعجيل بالإطاحة بأكبر دكتاتور و فضح زبانيته و زوجته و أهلها و من صاهرهم ..
أضاف الى هذا المارد ما اعتمدته الجزيرة في نشراتها و تحليلاتها من توسيع رقعة
وصول المعلومة و تقريبها الى المتلقين على مختلف شرائحهم .
هذه الحركة قطعت المعهود من ضرورة وجود أحزاب و منظّمات أو قادة يتولّون إيقاد
جذوة الثورة و تأطير الجماهير ثم قيادتها لخوض الثورة ،،، هذه النظرية أثبتت عقمها
بالنظر الى النتائج التي أفضت اليها قديما في مختلف أرجاء الوطن الكبير و التي كانت
نتيجتها أن جثم هؤلاء القادة على صدورنا مستندين الى هذا الحق التاريخي الذي رسّخوه
بأنّه لولاهم ما كُتب للثورات النجاح و الإستمرارو بالتالي هم و هم وحدهم من يفهم حركة
التاريخ ،، و هم وحدهم من يملك العقل المدبّر و المفكّر و بالتالي هم منزّهون و باقون
لأنهم فوق كل العقول ...
أثبت هذا كلّه عقمه و أصبحت الطريقة المُثلى للتغيير هي التي تنبع من تلقائيّة الشعب
و بكل عفويّة بلا تقنين و لا توجيه و لا وصاية ...
بالضبط من الشباب القلب النابض في الأمّة ،، هذا الشباب الذي راهنت الحكومات و الدول
الأجنبية على تمييعه و إخراجه من دائرة الحسّ و الشعور برميه في متهات المخدرات
و ( الكورة ) و سفاسف الغناء و الجنس ...
هذا الشباب الذي استغلّ النت على أحسن وجه !
فطوّع شبكات التواصل الاجتماعي للتعبير عن حاله و لرأيه و ركبها لإيصال المعلومة و
تداولها في كل الأقطار وفي وقت قياسي جدا .
نفس الشيء ما يصير في مصر الحبيبة تقريبا خطوة بخطوة و حادثة بحادثة في تناسق
و تواتر ...
اذا خلاصة القول ان الحدث و الثورة تصنعها معادلة واحدة اثبتت جدواها و ستتكرر
في كثير من البلدان التي تعاني الظلم و الاستبداد و قد ترى هذه الارهاصات في
الخوف الذي اعترى الحكّام العرب و هرولتهم الى دقّ ابواب الاصلاح و فكّ الحصار
و معاجة الاوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية !
بكل بساطة هذه المعادلة تقوم على :
(شباب واعي + حسّ ) + وسائل اتصال (فيسبوك تويتر ، جزيرة ) = الثورة العارمة !
تحياتي
منجي
http://zaman-jamil.blogspot.com/