ثم يخرجون علينا كل يومٍ بحلّة مطلقةٍ جديدة .. في كل مرة مطلقات ومقدسات وخطوطٌ مكتملة الأركان والألوان حمراء أو صفراء ومعها جميع الألوان الباهتة والشاحبة والمميتة للفكر والإبداع في أغلب الأحيان ..
ولا زال صاحبكم .. الفقير إلى الله .. منذ أن تبرعمت فيه أدوات الحس المعرفية في حيرةٍ من أمره أمام هذه النظريات ..
إذ كيف يتعدد المطلق ويتضارب بين هؤلاء .. وكيف يتشتت هذا الحق الواحد ثم يتشظى شرَّ تشظٍ بين هذا وذاك ؟! ..
وكيف يتمترس بعض " أولياء الفكر " خلف جدران حقائقهم الوهمية ..
واهمون هم حين يظنون بأن للحقيقة حدوداً وأسوارا .. يدخلها أحدهم وحده ليوصد الباب خلفه .. فإن كان لأحدٍ أن يفعل فليعترف فوراً ودونما تردد بأن هذا السرداب الذي دخله يمثل حقيقته الخاصة ومطلقه هو، بل هو ضيِّقه، بل سردابه وحده، وليهنأ بدخوله وحده .. ولندعوا له جميعاً بأن يعجل الله فرَجه قريباً .. وليأتِ به هو ومن تبعه جميعاً فهو إن شاء يسر ودبر !
فالمطلق .. أحبتي المحتكرين .. ليس علامةً تجارية .. إنه فضاءٌ رحبٌ يخرج إليه الجميع بحثاً عنه وتوقاً إليه .. نهرب إليه من ضيق أنفسنا ومن محدوديات آفاقنا .. ليحتضننا دونما شروط .. ربما شرطه الوحيد آفاقٌ مفتوحة على الفهم والحياة ..
واهمون أنتم حين تظنون بأن اليقين يستمد يقينه من كثرة الأنصار والمريدين المرددين والأتباع .. فكم تهاوت عند أقدام التاريخ نظرياتٌ بقضها وقضيضها .. وكم زالت آثار أقدام الأتباع ومقتفي الآثار .. أولئك الذين يحترفون ملاحقة الضب نفسه والدخول في جحره " هو نفسه " كل مرة .. حذو القذة بالقذة .. وحذو النعل بالنعل .. والبعض يفضلها بنسخة معدلة كأن يمشي حذو الرؤوس بالنعال ! ..
فهذا التاريخ صديقي الصدوق لا قداسة لأحد عنده .. ولا يخشى في الحق لومة لائم .. وكيف يفعل وهو سنة من سنن الخالق ! ..
كيف يمكن لنظريات الحق " المزعوم " أن تكون قطعيةً ولا تقبل جدالاً في جزئيةٍ عند هؤلاء ثم تكون هذه الجزئيات نفسها هامشيةً عند آخرين وقابلة للأخذ والرد ثم يكون لأولئك قطعياتهم الخاصة التي لا جدال فيها أيضاً وهذا كله في ظل الانتماء إلى واحة فكرية واحدة دون أي شعور بالخلل والتناقض ..
كيف تتحول الجزئيات إلى كليات عند واحد، والقطعيات إلى هوامش عند آخر، ضمن متوالية الإقصاء المتبادل بين أصحاب الفكر .. أقصد أصحاب القداسة والفضيلة !
وفوق كل هذا وذاك يطلُّون اليوم علينا بآخر نهفات الزمان .. يلوم أحدهم مخالفيه بأنهم ليسوا بالقطعية الكافية .. ويلومهم آخر بأنهم يهدرون بقية أيامهم بحثاً عن حقيقةٍ كان قد وجدها هو وحده منذ أيام الصبا .. ثم تأخذه العزة " بالحقيقة " فيقول بأنهم هم أساساً لا يريدون أن يجدوها، ويزيد بأن يقول : هم يريدونها لعبةً لا محدودة ! ..
وهذه الكشف عما يجول في النوايا قد يبدو لبعض الجهَّال " بالحقائق " لفتةً فكاهية ولكنها للأسف ... حقيقة.
فهي نتيجة طبيعية سيصل إليها كل من يدعي امتلاك الحقيقة .. لأنه وبحسبة بسيطة سيظهر لنا أن معرفة ما في النوايا لهو أهون من امتلاك كامل الحقيقة ! ..
أستحلفك بالله أن تصمت وتعطي لروحك فرصة يا .. يا حقيقة !
أغمض عينيك ,, وخذ نفساً عميقاً ثم فكر معي .. كيف لنا أن ندّعي امتلاكها وهي حكرٌ عليك .. أنسيت أنك خطفتها من أصدقائك حين كنتم تلعبون في باحة المدرسة ذات يوم ؟ .. أم أنك تريدنا أن نمشي خلفك مجدداً حذو القذة بالقذة ؟!
هل في جعبتك احتمالات أخرى ..
إما أن ندعي احتكارها .. فنلغيك !
وإما أن نؤمن باحتكارك لها فنغمض أعيننا ونمشي حذو نعليك فتدوسنا ... ثم تلغينا ..
يا ترى أما سألت نفسك لو حملنا نفس تفكيرك فكيف لك أنت أن تكون ؟
مالكم .. يا أصحاب الحقائق ..كيف تحكمون !
Facebook Social Comments