في ظل الهيمنة والتفرد في زعامة العالم الذي تحقق للولايات المتحدة ,يصعب على أي إنسان أن يفكر في أن انهيار الولايات المتحدة بات قريب,أو أنها تعيش أزمة اقتصادية خانقة ..ولكن كل المعطيات تشير إلى ذلك فعلا ,فالعجز الكبير في الموازنة الأمريكية والذي بلغ (700)مليار دولار وإفلاس الكثير من الشركات العملاقة وخسائرها بلغت عشرات المليارات التي نسمع بها تباعا ,كلها دلائل على تفكك منظومة الاقتصاد الأمريكي
والتي تتجه فيما نعتقد نحو الانهيار
تفاجأت.. كما تفاجأ كل المحللين الاقتصاديين بوجود عجز في الموازنة الأمريكية مقداره 800 مليار دولار "فقط"، أي ما يعادل 7%من إجمالي الاقتصاد الأمريكي فإذا كانت أفقر دولة في العالم تبلغ ديونها 203 مليار دولار، فماذا يمكن أن نطلق على الولايات المتحدة.
الميزانية التي عرضت على الرئيس بوش(والتي سيحمل ارثها الثقيل اوباما مع بداية عهده الذي يبدو انه لن يكون سعيدا ) في 3/12/2008م بلغت 202 تريليون دولار – طبعا نتكلم عن ميزانية 2009 – هذا الرقم جعلني اجزم بالنظرية التي تقول أن أمريكا هي أغنى وأفقر دولة في العالم في نفس الوقت وما غناها إلا لقدرتها على التلاعب باقتصادات العالم وتبعية الأنظمة الغافلة التي لا تزال تضع الأموال في بنوكها ليكون مصيرها التجميد أو المصادرة يوما ما. ومن جهة أخرى ازدياد يقيني أن انهيار الولايات المتحدة سيبدأ من الاقتصاد، والاقتصاد الداخلي.. وبنفس الطريقة التي سقط بها الاتحاد السوفييتي بعد خروجه خاسرا من أفغانستان على صعيد اقتصاده الداخلي، لكنه ازداد بها انهيارا وتفككا.. وبدأت الولايات المتحدة تفعلها بعد خروجها من حادثة تفجير برجي التجارة العالمي في 11/أيلول، ولكن على الصعيد العسكري الخارجي، ولا زالت تزيدها خسارة، وتزيدها أعداء.. مما جعلها تتخبط في العالم كأسد جريح، لكنها لا تدري انها ستصبح مثل "دون كيشوت" الذي كان يقاتل طواحين الهواء.. وستبقى الولايات المتحدة تخترع أعداء مفترضين على أمنها حتى تنهار من الداخل ويتفكك اقتصادها وأمنها الداخلي..
يقول ادم سميث: إن قوة الدولة الرأسمالية يعتمد على توفر شرطين: الحرية، والأمان.. والحقيقة بدا الإنسان الأمريكي يفقد هذين الشرطين، فقد أعادت أحداث 11/ أيلول الشعور بالهزيمة للمواطن الأمريكي والذي محته حرب الخليج الثانية بعد أن لازمهم منذ هزيمة الجيش الأمريكي في فيتنام, وهو يشعر الآن أن أيدي أعدائه قادرة على ضربه في عقر داره وبمقتل، ففقد الشعور بالأمان.. والحقيقة أن مخطط ضربات 11/ أيلول متخصص في النهج الرأسمالي ويعرف أن مقتله في الاقتصاد وقد تحقق له ذلك، ثم فقد المواطن الأمريكي الشعور بالحرية المطلقة من خلال الإجراءات الأمنية التي لم يعرف مثلها من قبل، وما لمسناه حقيقة أن الدول الاشتراكية المتبقية مثل كوبا وكوريا الشمالية، من اقل الدول تأثرا بتلك الأحداث وما تبعها من خسائر لكل المرتبطين بالدولار..
نعود للموازنة الأمريكية فقد أعلنت إدارة بوش أن السياسات المتبعة حاليا ستؤدي إلى عجز مقداره 101 مليار حتى عام 2010، بعد أن أعلنت سابقا أن لديها فائضا مقداره 5.1 مليار، أي أن الفرق فقط 6.2 مليار دولار، هذه موازنة الدولة العظمى المتفردة في العالم.. والولايات المتحدة احتلت العراق، وهي التي دمرت العراق، وهي – كما تدعي – ستعيد إعمار العراق، فمن الذي دفع التكاليف؟؟ هي، أم أجبرت الدول العربية ودول الخليج خاصة على ذلك، خسائر الدول العربية من حرب الخليج بلغت 600 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى تريليون دولار حتى العام 2010م "والحقيقة لولا أني أتابع برامج الفلك في التلفزيون ويذكرون أرقاما كهذه لما استوعب عقلي هذه الأرقام".
وما نتكلم عنه من أن الاقتصاد الأمريكي في طريقه إلى أزمة خانقة تقوده إلى الانهيار، ليست الميزانية وحدها تدلل عليه، بل الخسائر والإفلاسات التي بدأت تصيب الشركات العملاقة العالمية وخسائرها بلغت عشرات المليارات، - والأيام ستأتي بالمزيد – وقد سمعتممؤخرا عن 3 شركات طلبت من الحكومة الأمريكية إعلان التصفية، وخسائرها بلغت الـ 91 مليار – والأرقام أمامي ولا يتسع المقام لعرض تفصيلاتها.
من أهم مقاصد الحروب الامريكية العالمية تحويل الرأي العام الأمريكي عن متابعة العجوزات الكبرى في الاقتصاد الأمريكي, وتبرير زيادة مخصصات وزارة الدفاع بمقدار 8.4% هذا العام، والتي بلغت مخصصاتها 380 مليار دولار.. على حساب مخصصات الصحة والمدارس والأمن الداخلي كما علق السيناريو ادوارد كيندي قائلا أنها "سرقة"، ولو عرف المواطن الأمريكي هذه التفاصيل وغيرها لأسقط إدارة بوش فورا..
ملاحظة: الموازنة الأمريكية لعام 2009 جاءت في خمسة مجلدات،فهل يستطيع المواطن الأمريكي أو الأكاديمي قراءتها..