أنّ الصلاة قد فرضها الله تعالى من فوق سبع سماوات، وجاءنا بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ليلة إسرائه، فعلمنا إيّاها، فروضها وسننها، كيفيّتها وهيآتها، شروطها وشروط صحتها، مبطلاتها وكل ما يتعلق بها، وبالقدوة والإتّباع المتواتر عرفنا أفضالها، ووجوب التزامنا بها، وبوقتها، وبالاهتمام بقدرها وقيمتها.
وقد سار رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وأتباعهم في سبل واضحة بيّنة جليّة بما يختصّ بالحفاظ على أوقاتها المشروعة. وإنّ ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو سنّته وطريقه الذي أمرنا بإتّباعه والسير حسبه، والذي بُشرنا بأنّ السير حسبه هدى، والابتعاد عنه ضلالة.
فما ضلّ أهل هذا الزمان إلا بتنحّيهم عن المنهج الرباني الوارد في كتابه، وعن السنّة النبويّة المنقولة بالتواتر، وهكذا فالحكم بات واضحا بأنّ "هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (الأنعام:153)، فمن تبعه نجا ومن خالفه ضلّ، ومخالفة المنهج الرباني والسنّة النبويّة هو ليس بالضرورة الإتيان بمنهج عكسيّ أو بسنّة بديلة، إنّما قد يكون الاستحداث هو الابتعاد عن هذا المنهج وهذه السنّة.
وللحرص على الدقّة إنّما هو الابتعاد المتعمّد عن السنّة، إذ يعتبر تركها المتعمّد بدعة، والبدعة ضلالة.
أو الابتعاد العفوي الذي يؤلف فيما بعد؛ فيصبح مع الزمن هو الأساس وأنّ من يطبّقون السنّة هم أقليّة، لذلك ينظر إليهم وكأنّهم هم الشواذ المخالفين.
أمّا ما أستحدث في أمر الحفاظ على وقت الصلاة فهو أن تؤخّر الصلاة، ولا تقام في أوقاتها المشروعة أو على الأقل المستحبّة. فاستحباب أمر الصلاة فهو بعد الأذان مباشرة وبعد دقائق للانتظام لإقامة الصلاة.
وقد حافظ عليه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون، والدليل أنّهم كانوا ينتظرون الصلاة أيّ ينتظرون الأذان، فإذا ما رفع استعدّوا لها، وقاموا، واصطفوا، وصلّوا، واستراحوا. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " يا بلال، أقم الصلاة أرحنا بها " (أبو داود: 4985)، إنّما يعني تعجّل في إقامتها وأدخلنا بها.
وقد شجّع على إقامة الصلاة في وقتها هذا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في حديثه لابن مسعود عندما سأله: "أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ فقَالَ: الصَّلاةُ لِوَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ . قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (البخاري: 5970)
وقد يحدث أمر طارئ جدا أو ظرف عابر فيؤدي إلى تأخير مؤقت للصلاة، ولفترة وجيزة، وهذا يعتبر أمر عاديّ؛ فتؤخّر الصلاة للضرورة كتأخير صلاة الجماعة في مهرجان عام أو مناسبة عظيمة أو حالة أو خوف أو ما شابه، وفي ظروف فرديّة أخرى انشغال المرء الضروري أو سفره أو أيّ عذر شرعي آخر فهذه الأمور يعرف مسبقا أنّها ليست الأصل أو الأساس إنّما هي استثناءات، ولا يحكم حسبها، ولا تعتبر بدعة أو استحداث إنّما البدعة هي تأخير الصلاة عن هذا الوقت المشروع لغير سبب.
وأنّ يؤلف هذا التأخير ويستدخل ويذوّت لدى البعض؛ فيستهان بعد ذلك بوقت الصلاة المشروع، ويتحول التأخير إلى الأساس الذي يحكم حسبه، ويصبح فيما بعد من يقيم الصلاة في وقتها هو الشاذ، وهو المخالف للجماعة؛ فيستهزئ بعمله، ومبادرته، وقد يتهم بالريّاء والنفاق.
ولدى بعض الجماعات أصبحت تختلق الذرائع لتذويت التأخير كأن يقال، مثلا، إنّ وقت الصلاة المشروع هو منذ رفع الأذان لصلاة معيّنة حتّى قول المؤذن (حيّ على الصلاة) في الصلاة التي تليها.
الله أعلم بهذا الاستحداث وبهذه البدعة، وكم هي مضلة ومضللة لجماعة المسلمين، وقد بدأ الكثير يأخذون بهذا القول؛ فتأخير الصلاة، إذن، بات أمرا عاديّا، ولا يعرف من يؤخّر الصلاة أنّه مخالف للسنّة بأنّه قد أخّر الصلاة، وأنّه قد ترك أحبّ الأعمال إلى الله، وانّه متّبع لبدعة، والبدعة ضلالة، ويأثم فاعلها، وربّما يهوي في جهنم، وبئس المهاد.
ولدى جماعات أخرى بلغ من البدع في هذا الشأن أن يقال أنّ وقت صلاة العشاء مثلا، يستمر حتّى مطلع الفجر، ويقولون: "كل الليل عشاء"، بمعنى أنّ صلاة العشاء قد تصلى في أيّ وقت من الليل.
وهناك من يعتقد أنّ وقت صلاة الفجر حتّى استيقاظ المرء المصلي من نومه. وللتنويه إنّ هذا الأمر قد يكون حالة استثنائيّة، فقد أجمع العلماء انّه في حال نوم عميق إثر حالة مرضيّة أو تعب شديد أو إعياء أو إرهاق عقب عمل ضروريّ، فلم يستيقظ المرء لصلاة الفجر في وقتها؛ فقد يجوز له أن يصليها حال استيقاظه، ولكن ما يحدث أنّ هذه الإجازة تعدّت مسبباتها، وباتت كأنّها الأصل، وكأنّ تأخير الصلاة إلى حال الاستيقاظ من النوم أمر عاديّ جدّا، فبات المصلون لا يهتمون بالاستعداد لها، والإعداد للاستيقاظ للصلاة في وقتها، وظلوا يشخرون حتّى طلوع الشمس، وربّما أكثر، وحين استيقظوا صلّوا، وهذا من البدع المشؤومة المضلة لأنّه ابتعاد عن السبيل المحمديّ الذي طالما حثّ على الصلاة في وقتها، ورغّب بصلاة الفجر لأنّها في الثلث الأخير من الليل حيث تستجاب الدعوة.
وهناك بدعة أخرى هي ترك فضائل الصلاة كفضل صلاة الجمعة، مثلا، أو الصلاة في المسجد أو صلاتي الفجر والعصر.
فصلاة الجمعة، مثلا، فرضت لتكون في المسجد، وفيها خطبة الجمعة وركعتان، وحثّ الشرع الحنيف على إتيانها في المسجد مع جماعة المسلمين، والاستماع إلى الخطبة، وحتّى أنّ هناك من يعتبر الخطبة بمثابة ركعتين من الصلاة.
وقد شدد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته على ذلك، وهكذا أصبح من البدعة ترك ما كان عليه الرسول وصحابته في هذا الأمر. فقد بات بعض المسلمين يصلون الجمعة في المسجد في حال وقت فراغهم من أعمالهم. فمن يعمل يوم الجمعة لا يصلي في المسجد، ويصلي في بيته أو مكان عمله، وقد لا يصليها في وقتها إنّما يصليها قضاء وبعد حين، وهذا يعتبر مبتدعا بنفسه أو متّبعا لبدعة، نظرا لتركه منهج نبيّه، ومهما كانت هذه البدعة مستصغرة في أعين البعض فقد يحوّلها الإصرار عليها إلى كبيرة من الكبائر.
وكذلك ترك الصلاة في المسجد مع أنّ النبي شدّد على ذلك، وبيّن فضل الصلاة في المسجد بأنّها تزيد عن الصلاة في البيت بمقدار سبع وعشرين ضعفا لما فيها من الالتقاء بالإخوة في الله، والاجتماع بهم، مما يقوّي الروابط الاجتماعية والدينيّة، ويفيد الدين والشرع.
ولكن في معظم البلدان الإسلامية تجد المساجد خاوية فارغة من معمّريها في الصلوات العاديّة، وكم من الحالات المحزنة التي يخلو المسجد حتّى من الإمام ومن المؤذن، وذلك لترك المصلين الصلاة في المساجد. فهم في أعمالهم، وأشغالهم، وانشغالاتهم، ولهوهم، وترفهم، ومبارياتهم، وشواطئهم ودراجاتهم، وكل ما يلهيهم عن الذكر والصلاة.
ومن البدع أيضا عدم الاعتراف بفضل صلاتي الفجر والعصر، فقد سمّاهما الرسول صلى الله عليه وسلم البردين وحثّ عليهما، وعلى فضلهما، وعلى المداومة عليهما، وبيّن أفضليتهما على غيرهما من الفروض الأخرى، لما فيهما من الخير. فقال: "مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ" (البخاري: 574).
ولكن بعض المصلين مع أنّهم يعرفون هذا التشريع وهذه السنن، وهذا المنهج الرباني إلا أنّهم يتجاهلونه ويبتعدون عنه.
أمّا ابتعادهم هذا إنّما هو من البدع المقيتة حيث أصبح يؤلف ترك صلاة الفجر وصلاة العصر.
وأخيرا فمن البدع أيضا تجاهل قيمة الصلاة، وقدرها المقدس فقد لا يعدّها البعض الأفضليّة الأولى في حياته إنّما يصلي، وينظر للصلاة وكأنّها واجب عليه القيام به، وإذا ما قورن هذا الواجب بواجبات أخرى يكون آخرها فلا يقدّمه على أيّ منها.
لهذا تجد المصلي يقيم الصلاة فقط إذا لم يشغله شاغل، وأحيانا يؤخرها وبشكل عاديّ إذا شغله أمر حتّى وإن كان بسيطا أو سخيفا؛ فيؤخرها مثلا، إن تابع مشاهدة مباراة كرة قدم في إحدى الفضائيّات، وكذلك يؤخّرها إذا كان لديه ضيف لا يصلي، فيؤخرها حتّى ينصرف، ويؤخرها إذا كان لديه أيّ مشوار حتّى وإن كان غير ضروريّ، فلا يقدمها على أيّ شاغل.
وهكذا لو قورنت هذه الحالة بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته حيث اعتبروا الصلاة الأولويّة الأولى في حياتهم؛ فتركوا مشاغلهم، وأعمالهم، وضيوفهم، وتركوا مبيعاتهم، ومشترياتهم، وتركوا بيوتهم، وأولادهم، وأتوا الصلاة حين نودي إليها، واعتبر هذا هو المنهج الرباني، والسنّة النبويّة، ولذا فالابتعاد عن هذا المنهج هو بدعة والبدعة ضلالة والضلالة في النار.
تغيير مفهوم الالتزام بالصلاة – بدعة
- موسى حجيرات
- أقلام متخصصة
- القلم الديني
- الزيارات: 7295
Facebook Social Comments