بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}الذاريات47
v المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم خالق الخلق مجري الفلك ,فالق السموات والأرض,جاعل الليل والنهار آيات لأولي الألباب,لايفوته علم ماض ولا خبر آت,وهو الحاكم بما يريد,قدر الأقدار وسخر الأشياء بمشيئته,كل يجري لأجل مسمى,كان ولم يك شيء ويبقى ولم يبقى شيء وهو إله في الأرض وإله في السماء,والصلاة والسلام على سيدنا محمد العالم بعلم الله والدليل له بما كشف له منه وعلى أله مهبط الوحي وخزان العلم وحفظة الدين ومنار المؤمنين وتحية لمن تابع على الطاعة وأستوثق على العهد لا تأخذه أهواه ولا تنزعه أشياع عنها ورحمة الله
وبركاته ,وبعد.
لازال الأختلاف محتدما بين أهل العلم وأهل التصور في الكشف عن الدلالات القصدية لمعاني بعض الآيات القرآنية التي لها علاقة مباشرة في القوانين الطبيعية وأصول هذه القوانين التي تعتمد على المحددات الثابتة لها يقينا وعن طريق التجربية الحسية المجردة,فقد كان وإلى زمن قريب الفهم العام للناس لتفسير الكثير من الحركات والأحداث الفلكية والفيزيائية تقوم على أساسيات وهمية منبعها الأسطورة والتراث الفكري اللاديني المتوارث من أثر الثقافات الدينية التي كانت قبل الإسلام, ولا تفسر بموجب الفهم العلمي والتفسير العقلي الذي جاء في القرآن ووصلنا عن طريق المعصوم,وهذه أشكالية خطيرة لازالت الكثير من مفردات المعارف الإسلامية تعاني منها في أحتكاكها في مؤديا علمية أو كظواهر علمية بحاجة إلى تفسير.
من تلك المفردات المعرفية التي لازالت في طور البحث والأكتشاف مسائل تتعلق بوجدان الضمير الإيماني للمسلم وهي تقع دائما في مضمار المحرمات وفي نطاق الغيبيات التي يدعي البعض من المسلمين أنها ملك الله لا يجوز الخوض فيها أو التقرب من مناقشتها معتمدا على زيف فهمي للنص التالي{قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }النمل65,فالنص وإن جعل الغيب في علم الله ولكن لم يقطع النص بالأستحالة في تحصيله,مثله مثل الرزق فالله هو الذي عند مفاتيح الرزق كما عنده مفاتيح الغيب ولكن جعل لكل مفتاح أطار ينشد له وينظر إليه لتفحص وأستجلاب أسرار ذلك المفتاح,وقد جاء في نص ثان أن الغيب وإن كان في ظنين الله إلا أنه مبسوط في الكتاب جزءا أو كلا وكما في الصور النصية التالية:.
1. {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }آل عمران44.
2. {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }الأنعام59.
3. {تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ }هود49.
4. {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ }يوسف102.
5. {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً }الكهف22.
6. {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }سبأ3.
7. {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً{26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً{27} لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً{28}سورة الجن.
8. {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ }التكوير24.
من تتبع مجمل الآيات هذه جمعا وتفريقا وربطها مع الآيات التي تجعل ربط الغيب مطلقا بالله تعالى ومنها{قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }النمل65,نستشف أن هنك في المعطيات النصية حقيقتين هما:.
· أن الغيب مطلقا متصل في العلم الإلهي ولا ينفصل عنه بل هو أحد شقيه,المعلوم والمكنون,ومن المعلوم ما هو متصل بعلم البشر ومنها ما هو غير متصل إلا بواسطة بينية,وكليهما في الكتاب أو بين أيدي الناس من الله,وقبل أن ينزل إليهم كان غيبا لهم,لأن ما لم يدرك في ألات الإنسان الحسية والأدراكية هو خارج علمه أي بالمجهول والمجهول إذا أريد تبرير وجوده أما عن طريق أسناده للعدم مالم يقم دليل أثري بوجوده فسيند للغيب.
· إن الغيب منه لا يمكن كشفه لتعلق خاصيته بخاصية أخرى يريد الله بها أن يتم أمره فهي لا تنجلي إلا لوقتها بالعلة الغيبية لله{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }الأعراف187,ومنه ما يمكن لله بعلة أخرى لأظهار البرهان والحجة يكشف عنه ولكن بمحدد منضبط لا يمكن التنبؤء به إلا بنفس الأشراط كما جاء في أخر سورة الجن في الترتيب 7 سابقا(إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ).
فالغيب ليس مطلقا مكنون لا يمكن الكشف عنه لأن منه أو بعضه في الكتاب كما جاء في الآية ترتيب 2,6,وقد يقول قائل بأن الآيتين لا تشيران إلى الغيب في الكتاب ولكن تشيران إلى علم الله,فالله تعالى يقول إلا يعلمها في 2,ولا يعزب عنه في 6,والقول صحيح في الفهم الإجمالي الذي لا يفرق بين الغيب والعلم وكأن الغيب نقيض العلم بمعنى الجهل,أو أن العلم نقيض الغيب بمعنى عدم الحضور,ولكن لو نظرنا إلى السياقات النصية نفسها وفهم عام عنها نجد أن الغيب ليس إلا العلم الذي لم يطلع عليه البشر,وعندما يقول لا يعلمها إلا هو أو يقول لا يعزب عنه يشير صراحة إلى علمه هذا بالكيفية المطروحه,فالسؤال مثلا (عن النفس) هو علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى يشير إلى حقيقية غيبية تتصل بموضوع النفس ومحل تأويلها بالأشارة إلى أختصاص العلم الإلهي بها,فالغيب أذن هو ليس مجرد جوهر معنوي أو مادي مخفي لا نعلمه بل هو علم الله الذي لا ولن ولم يطلع عليه أحد من خلقه بما فيهم الرسل والملائكة ولكن يمكن لله أن ينزل جزء أو بعض منه ولعلية خاصة على رسله فقط أو من يرتضيه الله لذلك, فالوحي طريق أنتقال علم ما في الغيب للرسول ليصبح علما مبسوطا حضوريا وإن كان للرسول فقط فهو خرج من الغيب المطلق إلى الغيب النسبي أو إلى الإنكشاف{تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ }هود49,فالغيب الذي هو من أمر الله ليس حقيقة ودائما مقطوع له أن يكون مكنونا ,لكن ينزل بالقدر الذي يتناسب مع الحالية والعلية التي يراها الله تعالى في أمره وبسبب{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الشورى52.
أذا سَلمنا بهذه المقولة والتي لا تتنافى لا مع العقل الديني ولا مع القواعد العلمية,وبه نكون قد أسسنا لمرحلة ثانية من الدخول في المجال الأكثر تفصيلا والأدق في جزئياته على أن لا نتسرع في أطلاق النتائج دون المطابقة مع المعطيات التقديمية أو المعطيات الأيمانية وأن يكون هذا المنهج موازيا لحقيقية الدين العلمية وليس لحقيقة العلم المجرد,علينا أن نواجه الصراع الكامن بين النتائج التي توصل إليها العقل في تقصّيه للعالم،وبين ما يقوله الوحي أو ما يظهر منه,على مفصلية مهمة أن أصل العلم الذي يحتكم إليه الناس ويتنازعوا في خطوط الصراع الوهمي بينه وبين الدين ما كان ليكون لولا البذرات الإولى التي زرعها الله عن إلهام ووحي في عقل الإنسان{عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }العلق5,فلا يمكن أن نحارب بالنتائج أصل المقدمات والضروريات له بزعم أن النتائج وحدها تكفي,فالعلم كنتيجة لتدخل الله في ترتيب ألأس العقلي للإنسان لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون نتائج ذلك الأس هو المقابل النقضي أو المنافس لواضع الأساس.
فالعلم إن لم يكن طريقا للإيمان والأستدال على أكتشاف الكثير من الأسيات التي يمكن للإنسان من خلالها الأنطلاق إلى أعلى في النتائج من خلال التجزء الدقيق في الجذور لا يمكن أن يكون علما حقيقيا وحيويا قادر على فهم الحقيقية الكلية التي تحرك الكون وتنظم مجريات الحركة فيه ووفق قواعد تتصل بالسنة الإلهية من جهة وبالطبيعية التكوينية للمادة من جهة ثانية,فالسنة الربانية وهي القانون المضطرد الذي يسير الكليات لا يتناقض البته مع الطبيعة المادية للأشياء,ومثالنا في سوق المطر,فعندما يقول الله وأنزلنا من السماء ماء قاصدا المطر ليحي به الأرض الميته هذه سنة ربانية ثابته يقبلها العقل ولكن العمل الجزئي الغير مرتبط بقواعد الإيمان يفسرها بغير السنة الإلهية معتمدا على القواعد الفيزيائية البحتة التي تتعلق بالتكثيف والأفتراق في درجات الحرارة والضغط,نعم هذا مؤدى علمي حقيقيى ولكن الذي ليس حقيقيا أن توافر نفس الظروف والمعطيات وتماثل في الحالات لا تؤدي إلى نفس النتائج,وهذه حقيقة جغرافية تتعلق بالجو والطقس والكثير قد لاحظ وجودها مع عدم تحقق النتائج المفترضة,فقد تتوافر كل الأسباب ولكن لا ينزل المطر في مكان معين,وقد تنزل الحصيلة في مكان أخر لم تتوافر به المعطيات كما كانت في المكان الأول,والتعليل, الفرصة دائما.
العلم الرباني يقول أن الله يسبب الأسباب أي يجعل لكل حالة سبب دافع وعلة كاشفة عن الأرادة , فالأسباب قد تكون في الطبيعة المادية للأشياء(الموضوع) والعلة تتعلق في الأشاءة(الجوهر) فيسوق الله المطر بعلية مع توفر أسبابها الطبيعية ولو تناقضت الأسباب مع العلات لأنتفى حدوث الممكن وتحول إلى الأعجاز.