فيروس الانفلونزا ، الغائب الحاضر
هو فيروس يسبب التهابا تنفسيا حادا و ينتمي إلى عائلة تسمى ب الأورثوميكسو فيروس .(orthomyxovirus)
يعد أول فيروس من الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي تم عزله و دراسة خصائصه و فهم تركيبته البيولوجية و أعراضه السريرية. و يتوقع بأنه قد ظهر قبل ألفي عام في كتابات هيبوقراط و ليفي. حدثت عدة
أمراض موسمية متفشية بسبب الفيروس في أوروبا ، و صل عددها إلى ٢٩٩ مرة بين عامي ١١٧٣ م و ١٨٧٥م. اجتاح الفيروس قارة أوروبا و آسيا و شمال أفريقيا كوباء عالمي عام ١٥٨٠ م. و تكرر حدوث الأوبئة العالمية ثماني مرات بين ١٥٨٠م و ١٩١٨ م.
يلتصق الوباء الذي انتشر في عام ١٩١٨ م بذاكرة المؤرخين الطبيين لأنه أزهق أرواح ٤٠ مليون شخص في أنحاء العالم و تسبب في أكبر نسبة من الإصابة بالمرض و مضاعفاته مقارنة بالأوبئة التي ظهرت قبله و بعده. تكررت الأوبئة فيما بعد في عام ١٩٥٧م و حصدت حياة حوالي مليونين في العالم و تكرر الأمر في ١٩٦٨م حيث قضى ٧٠٠،٠٠٠ شخص في أنحاء العالم نتيجة للفيروس. تشير الإحصائيات إلى أن عدد الوفيات داخل الولايات المتحدة في تلك الأعوام التي تفشى فيها الوباء عالميا قد بلغ ٥٠٠،٠٠٠ نسمة / ٧٠،٠٠٠ نسمة / و ٣٤،٠٠٠ نسمة تباعا.
تصنيفه و خصائصه :
يتكون الفيروس من ثلاثة أنواع ؛
انفلونزا
A,B,C
فيروس سي يتسبب في حدوث أمراض تنفسية بسيطة للإنسان دون أن يتفشى كما الحال في فيروس أ و ب.
فيروس أ و ب يتسببان في حدوث الانفلونزا الموسمية في فصل الشتاء كل عام في الولايات المتحدة.
// انفلونزا أ Influenza A
هو الفيروس المسئول عن حدوث الأوبئة العالمية. و يتم تصنيفه حسب بروتينين موجودين على غطائه كما في الصورة (١) ،
H &N
Hemagglutinin and Neuraminidase
يساعد الهيماجلوتينين الفيروس على الالتصاق بغشاء الخلية التي تصاب بالمرض بينما يساعد النيورامنيديز على خروج الفيروس من الخلية المصابة بعد انتهاء مهمته في تشكيل فيريونات جديدة. و يحوي الفيروس ثماني قطع من الحمض النووي من نوع
RNA.
أغلب أنواع فيروس (انفلونزا أ ) المسئولة عن الأمراض الموسمية في الولايات المتحدة هي :
H1N2
H3N2
الموسمي و الذي يختلف في تركيبته الجينية عن الفيروس الجديد الذي ظهر في ربيع ٢٠٠٩. H1N1
و رغم أن الفيروس الوبائي الجديد يكتب بنفس الطريقة لاحتوائه على البروتنين إلا أنه يحوي تركيبة جينية مشتقة من فيروس الانفلونزا البشري الموسمي و من فيروس انفلونزا الخنازير و من فيروس انفلونزا الطيور في آن واحد.
عائلة انفلونزا (أ) لا تصيب الإنسان فقط و إنما تتواجد في الطيور كالبط و الدجاج ، و الحيتان و الخيول و الخنازير. تعد الطيور المهاجرة ناقلة لها ، و تكون الطيور الداجنة عرضة للإصابة بالمرض كما حدث في انفلونزا الطيور. أما الخنازير فهي عرضة للإصابة بفيروس انفلونزا الخنازير و فيروس انفلونزا الطيور و فيروس الانفلونزا الموسمي البشري ، و تعد وسطا مهما لحدوث انتقال الجينات بين هذه الأنواع المختلفة للخروج بفيروس جديد مركب و متعدد الجينات. كما أن أعراضها مشابهة للإنسان مثل الحرارة و الرشح و السعال. لا يعرف بالضبط إن كان الفيروس يصيب القطط و الكلاب. أثبتت حالات انفلونزا الطيور بأن بعض القطط أصيبت به بعد التهامها لبعض الطيور المصابة في آسيا الشرقية. و حدث بأن أصاب الإنسان بعدما كان يعتقد بأن الإنسان لا يصاب بانفلونزا الطيور لعدم وجود مستقبلات للفيروس في جهازه التنفسي. أما الكلاب فقد انتقل إليها فيروس الانفلونزا الذي يصيب الخيول ، و إلى الآن لم تسجل هذا إصابات من هذا النوع في الإنسان. الحمد لله !
http://www.cdc.gov/h1n1flu/
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/
(١) فيروس الانفلونزا
كيف يغير فيروس الانفلونزا من خصائصه الأنتيجينية ؟
http://content.nejm.org/cgi/
(٢) خاصية التغير الأنتيجيني البسيط
تسمى الخاصية الأولى بخاصية التغير الأنتيجيني البسيط //
Antigenic drift
و ما يحدث بالتحديد هو طفرات عشوائية في الحمض النووي للجين الذي يؤدي إلى تغير في شكل البروتينات الموجودة على سطح الفيروس - بروتين الهيماجلوتينين و النيورامنيديز- مما يؤدي إلى عدم معرفة الأجسام المضادة للفيروس نتيجة لتغير سطحه رغم أن الجسم يكون قد أصيب بنفس الفيروس من قبل و كون له أجساما مضادة. و يمكن تشبيه ذلك بلعبة البازل و التي يتم تركيب قطعها حسب تشابه أماكن الالتحام فإذا تغيرت تلك القطع، فلن نستطيع تركيبها. و هذا ما يفسر حاجتنا لإنتاج مطعوم موسمي جديد كل عام لفيروس الانفلونزا حتى نواكب ذلك التغير الجيني العشوائي البسيط الذي يحدث في نفس الفيروس. النموذج أعلاه يوضح مناطق حدوث الطفرات باللون الأحمر و بالتالي كيفية تغير قدرة الجسم المضاد على الارتباط بنفس الفيروس.
أما الخاصية الثانية فتسمى بخاصية التبدل الأنتيجيني //
Antigenic shift
و ما يحدث حينها هو تغير كبير في تركيب الجين بحيث يحمل الفيروس حمضا نوويا جديدا من نوع آخر من أنواع فيروسات الانفلونزا ، و يمكن أن يكون حاملا لجينات من عدة فيروسات مختلفة كما حدث مع انفلونزا الطيور ، و مع وباء ٢٠٠٩م. عادة ما تحدث تلك التبدلات بين أنواع مختلفة من فيروس انفلونزا أ . و هنا تكمن المشكلة ، فالفيروس الجديد له القدرة على الارتباط بالخلايا البشرية أو له القدرة السريعة على الانتشار في فئات و أنماط مختلفة ، و في الوقت ذاته لا يملك الجسم مناعة تذكر للفيروس الجديد. إذا الفرق بين العمليتين هو تغير بسيط في شكل الفيروس مقابل تغير كلي في التركيبة الجينية ، انظر الصورة (٣). و طبعا هذا ما يجعل منظمات الصحة العالمية و مراكز الأمراض تقف على قدم و ساق.
http://news.bbc.co.uk/nol/
(٣) خاصية حدوث الطفرات و التبدلات الجنينية في انفلونزا ( أ )
أدرج جدولا يلخص معلومات عن بعض الطفرات الصغيرة و بعض التبدلات الجينية التي حدثت في فيروس انفلونزا (أ ) من عام ١٩١٨م و إلى عام ٢٠٠٩ م ، و يوضح كيف نتج عنها زيادة في نسبة الوفيات. مع التنويه بأن الوفيات التي نتجت عن فيروس انفلونزا ب قد تم جمعها مع الوفيات التي نتجت عن فيروس انفلونزا أ.
http://content.nejm.org/cgi/
من أين نشأ فيروس انفلونزا الخنازير؟
يمثل النموذج التالي (٥) تصورا لتطور فيروس انفلونزا أ
H1N1
الذي تسبب في حدوث وباء عام ١٩١٨م و تسبب في إصابة ثلث سكان الكرة الأرضية بالمرض. لوحظ بأن هذا الفيروس كانت له قدرة على إصابة الخنازير أيضا. لم تفهم علاقة هذا الفيروس بفيروس انفلونزا الطيور و انفلونزا الخنازير حتى عام١٩٣٠ م حين تم عزل فيروسات مشابهة له من الخنازير أولا ثم من البشر. تم تسجيل إصابات عند الإنسان من انفلونزا الخنازير. سجلت ١٢ إصابة بشرية بانفلونزا الخنازير بين عام ٢٠٠٥م و حتى مطلع ٢٠٠٩م ، جميعها كانت إصابات طفيفة دون حدوث وفيات. و في عام ١٩٨٨م أصيبت سيدة حامل بفيروس انفلونزا الخنازير و توفيت بسبب الإصابة بالتهاب رئوي حاد رغم أنها لم تتجاوز الثالثة و الثلاثين و كانت بصحة جيدة قبل المرض.
لم تكن تلك هي المرات الوحيدة التي ظهر فيها فيروس انفلونزا الخنازير كمسبب للمرض عند الإنسان.
في عام ١٩٧٦م ، أصيب ٢٠٠ شخص من نيوجيرسي / الولايات المتحدة بالمرض ، مما دعا إلى التخوف من حدوث وباء. تم تصنيع مطعوم انفلونزا الخنازير في أمريكا و حقن ٤٠ مليون شخص باللقاح، ثم تم سحبه من الأسواق بسبب حدوث متلامة جليان باري في ٥٠٠ حالة و حدوت ٢٥ حالة وفاة ناتجة عن مضاعفات رئوية.
عاد الفيروس للظهور مرة أخرى في منتصف مارس ، ٢٠٠٩م ، في المكسيك و من ثم في ولاية كاليفورنيا و انتشر بعدها في كل ولايات أمريكا. وصل عدد الحالات التي تم عزل الفيروس منها بالطرق المخبرية إلى ٣٤٠،٠٠٠ حالة مؤكدة في العالم و قرابة ٤١٠٠ حالة وفاة حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية المسجلة بتاريخ ٢٧/٩/٢٠٠٩م. يعتقد بأن عدد المصابين به في الولايات المتحدة قد وصل إلى مليون إصابة لكن بالطبع لم تؤكد جميعها مخبريا.
لكن ، هل هو حقا نفسه فيروس انفلونزا الخنازير؟
الحقيقة كما قلت سابقا ، إنه فيروس بتركيبة جديدة على البشر و على الخنازير ، انظر الصورة (6). لا يعرف بالضبط متى و كيف تم حدوث تلك التبدلات ، و من أين نشأت ؟ هل نشأت من مزارع الخنازير أم أن الطيور المهاجرة ساهمت في نقل هذا الفيروس كوسيط لا يتأثر بالفيروس. هل قام الإنسان بعدوى الخنازير و من ثم حدثت تلك الطفرة.
لا أحد يعرف.
ما نعرفه أن الفيروس الجديد يحتوي على خلطة جينية مركبة ، و اسمه حاليا :
Novel H1N1
فيروس الانفلونزا الجديد أو المعاصر (٦) !
http://content.nejm.org/
(٥) طريقة تطور فيروس الانفلونزا الجديد
http://www.aaas.org/news/
(٦) فيروس الانفلونزا الجديد