لنَجْلِ يَهوديٍّ تَدِبّ العَقارِبُ
رحم الله المتنبي حين قالها قبل انتكاس الشعر العربي الاصيل وقبل ان يتغلغل
بنو اليهود حتى في اشعارنا ليسمموه من الداخل وكما فعلوا اليوم بكل مقدرات
الامة
الشعر ادب مموسق منحوت بقالب ذهبي اوجده العرب قبل الاف السنين وتغنوا به
وحفظوه وحفظ تأريخهم وحروبهم عبر فترة زمنية طويلة وهذه احدى ميزاته
(الحفظ) حتى من قبل من يجهل القراءة والكتابة فكيف نساويه بكلام غير منسق
تشمئز منه النفس الشاعرية لاخفاقه بتساوي عدد التفعيلات في كل شطر وعجز
؛اما الميزة الاخرى للشعر العربي الاصيل (العمودي)فهي قابليته اللينه على
التغني فيه ولم نسمع الى الآن بطرب اصيل الا من خلال القصيدة العمودية
والسؤال هنا :هل من طرب في غناء مثل هذه الاسطر التفعيلية(اراك--وقدلا اراك
كيف اين لماذا----لم تسمع صوتي من هناك) قل لي بربك هل من ايقاع موسيقي
غنائي في امثال هذه السطور!!!
(ان العرب استفردوا في القوالب الذهبية للشعر عكس الغرب الذي يعاني من
ركاكة القالب الموسيقي في اشعارهم )اقول في اللغة العربية التي حبانا الله
بها امتداد واسع جدا للشعر المقولب وهذا ما ينعكس على الواقع حيث الاف الاف
القصائد العربية قيلت في عصر بلوغ اللغة اوج ذروتها واليوم حيث تردي
اللغة نتيجة اختلاطه بلغات الاعاجم وتلوثه بمفرداتها ما حدا ببعض
المستغربين ونتيجة عجزهم- الى اللجوء للطريقة الغربية في نظم الشعر والتي
هي اصل اشعارهم فلماذا لم يغير الشاعر الغربي نهجه !
ان دعاة هذا النوع هم اعجز من ان يأتوا ببيت شعري متكامل وزنا وقافية
ويزعمون انهم قد تحرروا نحوالتجديد ناسين بذلك ركسهم في مستنقع التقليد
للشعرالغربي والدليل على هذا هو ظهورشلتهم بعد ترجمة قصائد غربية بلا شروط
الشعرالعربي فمضوا في شأنهم بتقليب موازين الاصالة واللجوء الى التقليد
(تقليد القصيدة المترجمة) هذا من ناحية والناحية الاخرى هي دس الافكار
الغربية بين صفوف الشعراء الشباب آنذاك واغرائهم بالأموال والشهرة لتنفيذ
ما رسموا له والدليل هو انتماء قادة شعراء التفعيلة للحركات والاحزاب
الغربية او الشرقية والتي يتحكم بها اليهود في العالم كالماسونية والشيوعية
وغيرها كثير
لقد برز في عصرنا شعراء شباب لم ينجروا وراء شعر التفعيلة او الحر(الذي كان
عبدا فأعتق) !!وابدعوا في نظم القصيدة العمودية ؛لكنهم اصطدموا بالواقع
الهش لاستقبال اشعارهم وكأنهم غرباء على الشعر والشعراء حتى قيل لبعضهم بعد
الالقاء(من قال هذه القصيدة)وكأنهم نسبوها لشاعر قديم!
---يتبع
قلنا في صدر هذا البحث ان الشعر ادب موسيقي ولاحتواء معناه علينا التعرف الى -الموسيقى- قدر ما يهمنا هنا
المازورة :
المازورة الموسيقية هى جزء من الجملة اللحنية .. فالعمل اللحنى بأكمله
يتكون من مجموعة من الموازير المتساوية حسب الزمن الموسيقى الذى يسير عليه
اللحن .. فإذا قلنا مثلاً 1 ، 2 ، 3 ، 4 بطريقة متساوية .. فهذه مازورة
مكونة من أربعة أضلاع .. وإذا قلنا ( تيت ، تيت ، تيت ، تيت ) بنفس طريقة
نطق الأرقام .. فهذه مازورة لحنية مكونة من أربعة أضلاع .. أى أربعة أجزاء
.. وبالطبع يمكننا نطق هذه المازورة بسرعة أو ببطء .. حسب سير الجملة
اللحنية .. ولتقريب المسألة إلى أذهاننا .. سنقول مثلاً فى المازورة الأولى
( تيت ، تيت ، تيت ، تيت ) وفى المازورة الثانية ( تات ، تات ، تات ، تات )
وفى المازورة الثالثة ( توت ، توت ، توت ، توت ) .. وهكذا ... فسنجد لدينا
جملة لحنية مختلفة فى كل مرة ..
ويمكننا نطق المازورة إيقاعياً .. هكذا ( دم ، تك ، تك ، دم ) أى 1 ، 2 ، 3
، 4 .. وهذه أيضاً مازورة إيقاعية مكونة من أربعة أضلاع .. ونقول عليها ..
المازورة الرباعية ..
نعالوا بنا الأن نتعرف على الأزمنة الموسيقية ..
سنفترض أننا ننطق نغمة الدو أو المى أو السى .. أى نغمة .. وستكون تجاربنا على نغمة السى مثلاً ..
فيمكننا نطقها هكذا ( س-ى ) .. ويمكننا نطقها هكذا ( سـ--ى ) وأيضاً هكذا (
ســ---ى ) وهكذا ( ســـ----ى ) .. لعلنا لاحظنا أننا ننطقها فى كل مرة فى
زمن أطول من سابقتها .. لماذا ؟ ..
لأننا يمكننا نطق نغمة السى حسب أضلاع المازورة الأربعة وفى نفس الزمن ..
أى نقول ( سى ، سى ، سى ، سى ) .. أى 1 ، 2 ، 3 ، 4 .. أى أن كل نغمة تساوى
وحدة إيقاعية واحدة ..
ويمكننا نطقها هكذا ( ســى ، ســى ) أى كل ســى تساوى وحدتان إيقاعيتان
قلنا العمل اللحنى بأكمله يتكون من مجموعة من الموازير المتساوية حسب الزمن
الموسيقى الذى يسير عليه اللحن اي عدد الموازير في الجملة الموسيقية
يعطينا الزمن المتساوي لسير اللحن وهذا التناسق الزمني ما يجعل تقبل
الموسيقى مستساغا عند الكائنات او بالاحرى تناسق الخلايا بمجموعات منتظمة
عند تعرضها لأمواج موسيقية ادهشت العلماء في مجالات التجربة الحية ما يثبت
استجابة الكائنات غير الحية ايضا للموسيقى
وهذا يفسر لنا اسباب راحة الانسان والحيوان والنبات عند سماع الموسيقى
ان الموازير اللحنية اشبه بـ(التفعيلة) في الشعر العمودي كلاهما مرتبط
بوحدة زمنية خاصة وهذا الزمن يحدده في الشعر -البحر- اي عدد ونوع التفعيلات
في كل من الشطر والعجز فاذا حذفت حركة واحدة اخلت بوحدة الزمن في كل من
المازورة او التفعيلة
أستاذ مساعد في كلية الفنون الجميلة- جامعة اليرموك
اثر العولمة على الهوية الموسيقية العربية
في الدراسة تبيان مسارات العولمة وكيفية الاستفادة منها. ويمكن قسمة مسار العولمة إلى مسارين:
المسار الأول: وهو الاتجاه السلبي الذي يهدف إلى إفساد المجتمع من خلال معطيات سلبية، فهو شق قيمي كما سماه ليتشنر في كتابه(New course looks at meaning of globalization
) جاء نتيجة الطابع التوسعي التنافسي لنمط الإنتاج الفكري الذي يفرض
ثقافته على العالم، وهذا الجانب هو الذي يثير كثيراً من المخاوف والشكوك.
ويؤكد الباحث أن العولمة هي إضافة الفوضوية إلى حياة البشرية وتهديد
للثقافة والهوية. حيث تفرض الدول الكبرى شروطها المجحفة على بقية الشعوب.
إنَّ ما يسمى بالثقافة
الشبابية الحديثة التي توحد أهواء الشباب اليوم حول العالم، إذ يمكن أن ترى
فتياتٍ مسلماتٍ يلبسن الحجاب ، ولكنهن يتذوقن الموسيقى نفسها التي تتذوقها
فتيات غربيات. أما انعكاساتها فقد تؤثر في الأذواق العربية، وتعمل على
توجيهها إلى الثقافة الغربية وسلوكياتها وذلك بفعل وسائل الأعلام ذات
النفوذ العالمي؛ مما يلغي الذوق المحلي لكل أصحاب الثقافة. وينبغي في هذه
الحالة الإرشاد والتوجيه لجيل الشباب وتثقيفه نحو الاتجاه الأمثل .
ومن النقاد من وصف
العولمة بأنها هيمنة يقصد بها السيطرة الكاملة من قبل الدول العظمى ذات
النفوذ التكنولوجي والسياسي والاقتصادي والعسكري على حضارات وثقافات الأمم
الأقل نفوذاً في الجوانب كافة.كما وصُفت بأنها آلة عجيبة ، قادرة على
الحصاد والتدمير متجاهلة الحدود الدولية المعروفة، وهي مخيفة بقدر ما هي
منعشة، إذ لا يوجد من يمسك بدفة قيادتها، ومن ثم لا يمكن التحكم في سرعتها
ولا في اتجاهاتها، وبقدر ما أنتجت من تقنيات حديثة فأنها بعثت البربرية من
جديد .وبالتالي فقد يؤدي هذا النظام العالمي الجديد إلى هيمنة الدول
المتقدّمة القوية على ثقافات الشعوب الضعيفة وتراثها.
المسار الثاني : وهو
الإيجابي أو الشق الواقعي أو المادي كما سماه محمد فائق والذي جاء نتيجة
التطور العلمي والتكنولوجي الهائل وما ترتب عنه من ثورة في وسائل الاتصال
والإعلام وانتشار المحطات الفضائية التي تبث برامجها لكل أنحاء العالم من
دون حدود، بالإضافة إلى ثورة المعلومات الهائلة التي تجسدها شبكة الإنترنت
.
ولا خيار في هذا الجانب
من العولمة. إذ إنه ليس مطروحاً للقبول أو الرفض، فهو واقع مكينٌ وظاهرة من
ظواهر العصر الذي نعيشه، وليس أمامنا إلا أن نقبل به ، ولكن علينا أن نعرف
آلية التعامل معه بمنتهى الحرص والحذر لنكون أكثر إيجابية في مجتمعنا
وعالمنا، حيث تفتح الأبواب المنطقية للإفادة من الثقافات المتنوعة التي
بواسطتها نستطيع أن نواكب الركب العلمي ، ونختصر عوامل الزمن والمسافة.
ونسعي إلى نشر الثقافة والفنون العربية مع المحافظة على خصوصيتنا الحضارية
بكلّ قوة وحزم أمام الثقافات المتعددة التي تغزو العالم.
تعريف العولمة
العولمة لفظة حديثة
العهد، مشتقة من العالم والعالمي وتعني جعل الشيء عالمياً. وفي الاصطلاح
الحديث أصبحت تعني اكتساب الموضوع صفة عالمية كالسياسة والاقتصاد والثقافة
والفنون ، أي تعميم ونشر ثقافة العصر في كلّ مكان في العالم . لذا فهي توصف
بأنها نظام يراد به توحيد العالم في إطار جديد موحّد؛ ومن هنا أطلق عليها
البعض (النظام العالمي الجديد) ومع أن هذه التسمية تشير إلى النظام
السياسي بشكل خاص، إلا أنها حديثاً تشمل: الدين والسياسة والاقتصاد والفكر
والاجتماع والتربية والفنون والأعراف والتقاليد وغير ذلك حتى أنه قيل " إن
العولمة ستجعل العالم يعيش في عصر القرية الكونية الموعودة " في حين
اعتبرها آخرون " إمبراطورية جديدة " .
والقرية تسمية تطلق على
أصغر تجمع سكاني يمكن أن يتم التواصل بين أفراده ونقل الأخبار بين سكانه
بسرعة ويسر وبشكل مباشر من دون استخدام الأجهزة والتقنيات الحديثة. لذلك
تمّت استعارة مصطلح القرية الكونية للدلالة على صغر العالم أمام سرعة
انتقال المعلومات عن طريق شبكة الإنترنت في أنحاء العالم كافة.
والعولمة (Globalization)
التي ظهرت أولاً في الولايات المتحدة تعني تعميم الشيء وتوسيع دائرته
ليشمل الكلّ ، وبالمفهوم الأمريكي تعني توسعة النموذج الأمريكي ليشمل
العالم كله، بحيث يكون مترابطاً من خلال وسائل الاتصال الحديثة التي تنشر
فكراً وثقافة معينة. ولا يخرج المعنى الفرنسي(Mondialisation ) عن المفهوم الأمريكي حيث تعني تعميم الشيء على مستوىً عالمي ونقله من المحدّد المراقب إلى البعيد عن الرقابة.
العولمة والموسيقى
تواجه الثقافة العربية
بعامة، والموسيقى منها بخاصةً، تصادم تياراتٍ متصارعة في ما بينها، على
الرغم من مستوى جديَّة الطروحات التنظيرية والتطبيقية منها وهو ما يسمى
صراع الحضارات من النواحي الثقافية والفنية في بلادنا .
ويمكن أن نطرح تساؤلات
لنستوضح منها ماهية الموسيقى التي نريد عولمتها . هل نريدها موسيقى عربية
معولمة؟ وهل نريد أن نبعد سمات هذه الموسيقى وخصوصيتها عن الموسيقى الغربية
واستبدال الموسيقى العربية بالموسيقى الغربية بكلّ ما فيها من قوالب
وسلالم وإيقاعات ، والتي يسميها البعض تغريب الموسيقى العربية ام نعمل على
مزجها بالموسيقى الغربية والإفادة من الآلات الموسيقية الغربية وطابعها
الغربي في موسيقانا من دون المساس بنكهة الموسيقى العربية.
أمّا من حيث عولمة
موسيقانا وانتشارها لتصل إلى العالمية، فلا احد ينكر فوائد العولمة كونها
من أحدث وأسرع الوسائل التي تهدف إلى نشر الموسيقى بشكل واسع. بحيث تظهر
نكهة وجمال الموسيقى العربية في باقي أرجاء العالم بعامة وأمام المجتمع
الغربي بخاصةً. من هنا علينا الدعوة إلى دراسة الموسيقى العربية وفهمها
وعدم العبث في أساسياتها من المقامات وانتقالاتها والإيقاعات والقوالب
الموسيقية العربية كالسماعي والموشح والتحميله وغير ذلك من الصيغ والأشكال
والقوالب المتوارثة ، والدعوة إلى التمسك بهذه القواعد وتهيئة حوافز
للإبداعات انطلاقاً من جماليات الموسيقى العربية ومكنونها الثمين، ويتأتى
ذلك من خلال المؤسّسات التعليمية المتخصّصة بتدريس الموسيقى، من خلال
القيام بمتابعة هذه النتاجات الجديدة ونشر ما هو جميل منها عبر شبكة
الاتصالات لتوسيع رقعة نشرها في كلّ مكان .
وعلى الرغم من أنَّ بعض
الموسيقى العربية والغنائية منها على وجه التحديد يمكن أن تكون فاقده
لهويتها، لكنها بالتالي هي موسيقى لا تمتلك قدرات التعبير عن وجدان الإنسان
العربي . إلا أنه بمقدورنا مع الإمكانات العلمية والفنية المتطورة ومع
هذه التقنيات الحديثة مجاراة ومواكبة هذا العصر المعولم، إذا كانت وجهتنا
التواصل والانتشار ومجاراة الزحف العولمي عن طريق نشر الثقافة الموسيقية
وتوعية المجتمع لتميز الجيد من الرديء ، وإدراك ما يبث من هذه الأغاني وهذه
الموسيقى التي أخذت تهتم بعرض الأجساد والرقص، لتكون عاملاً لنجاحها
ورواجها وانتشارها إعلامياً وجماهيرياً. من هنا يجب السعي لتنمية الذوق
العربي بما يليق بهذه الأمة ذات الحضارة العريقة من خلال جمع موروثها
الموسيقي وبالتالي تربية الأجيال على حبها والتمسك بها والعمل على نشر
الوعي الثقافي الموسيقي في مناهجنا التربوية، وفي مؤسّسات البثّ
التلفزيوني، وذلك عن طريق عرض برامج خاصة تهدف إلى رفع مستوى الذوق
الموسيقي عند المجتمع العربي، وذلك عن طريق إعداد أصحاب الاختصاص والإشراف
عليها.
وبما أنه تم ملاحظة هذه
الظاهرة ظاهرة ( العولمة) من النواحي السياسية والاقتصادية وغيرها من جوانب
الحياة وبينت الدراسات ما فيها من الإيجابيات والسلبيات ، فهل ينبغي لنا
أن نجعل من العولمة ظاهرة ملزمة للتدارس في علاقتها بالموسيقى وعلى وجه
الخصوص الموسيقى العربية؟.
إنه علينا الاعتراف
بحقيقة وجودها وبأنها ملزمة لنا نتيجة انتشارها، وبالتالي علينا مسايرة
الموجات الوافدة على الثقافة العربية والموسيقى من بينها، وفي كلّ حقبة
زمنية.
إنَّ التطور الحاصل على
الموسيقى العربية الآلية في القرن العشرين ، ارتبط بالتأثر الكامل بتراث
الغرب، وبشكل من أشكال العولمة، فحقّق قبولاً محدداً عند بعض الشرائح التي
قبلت الموسيقى الغربية، إلا أن هذا القبول لم يشمل عناصر المجتمع كافة .
وبالتالي فإنه عند إمعان
النظر بهذه النتائج نجد الانعكاسات إيجابية وليس عكس ذلك،لأننا كأبناء لهذه
الأمة من المفترض أن ندرك هذه الألوان والأساليب الموسيقية المختلفة
والإيقاعات في طريقة الأداء في إرجاء هذا الوطن كافة. وهذا يشكل أيضاً
نوعاً من العولمة التي نحن بصددها.
ومن الجدير بالذكر أنَّ
عولمة الموسيقى أمر متلازمٌ مع التطور أو التقدم التكنولوجي ، حيث أدى ذلك
إلى تنبُّه بعض المخترعين لأداء بعض النماذج الموسيقية تكنولوجياً ،
وأصبح الآن بمقدور الفنان إذا كانت لدية موهبة الإبداع أو التأليف الموسيقي
أن يترجم ما يجول في أفكاره من جملٍ أو عباراتٍ موسيقية بوسائط تقنية
حديثة، من دون الحاجة إلى إعداد الفِرقْ وتشكيلها وتدريبها.
ولم تعد التكنولوجيا تقف
سداً أمام الموسيقي (صاحب الفكرة الموسيقية ) بل أصبحت من الضروريات التي
يعتمد عليها إذ إنها لم تخذل مستخدميها إذا أجادوا التصرف أو الاستعمال.
ولقد أسهمت التكنولوجيا
في تطوير العازف والآلة الموسيقية والأداء الموسيقي، مما أفرز إنتاجات
جديدة من الأعمال الموسيقية التي قد لا يتناسب بعضها مع أذواق جميع
الأجيال. لقد أثارت العولمة والتقنيات الحديثة استفزاز نفوس العديد من
الموسيقيين المحافظين على نمط موسيقي اعتادوا على سماعه لفتراتٍ طويلة مرّت
بها مراحل التطور بغاية البطء.
ومما لاشك فيه أننا نعتبر
هذا العصر المتمَيّز بالسرعة جيلَ ثورة الاتصالات والإنترنت، جيلَ العولمة
والبحث السريع عن المعلومات الدقيقة، التي أصبح الإنسان بواسطتها يتعرف
إلى ما هو جديد في هذا العالم من دون أن ينتقل من مكان إلى آخر وذلك بفضل
التقنيات العالية في عالم الاتصالات وتبادل المعلومات، كما أنه يستطيع
الحصول على أحدث المعلومات والاكتشافات والتحليلات العلمية من أنحاء العالم
كافة عن طريق الإنترنت،وهي وسيلة حديثة من وسائل المرجعية العلمية
المتطورة في البحث بالإضافة إلى المراجع والكتب والمجلات المتخصّصة. ومن
الضروري لنا مواكبة التطورات وملاحقتها، لأننا جزء لا يتجزأ من هذا الكوكب
المرتبط بحضارته وثقافته، فدخول عالم البرمجيات لا يقف عند مرحلة أو حد
معيّن يكتفي بها المتلقّي بل هناك المزيدٌ من الإضافات والتقنيات المتطورة
من حين إلى آخر ولا بدّ من المتابعة والبحث عن كلّ ما هو جديد.
التراث كما يفهمه رواد الشعر الحر!! إن تحديد مفهومي التراث والحداثة أساس مفهوم الشعر الحديث أداة وطبيعة ووظيفة. وما الخروج عن البحر إلى التفعيلة ونبذ مقولة القاموس الشعري والثورة على القافية الموحدة والبحث عن مقاييس جديدة للشعر الحديث إلا ترجمة لمفهوم جديد للشعر من خلال فهم معين للتراث والحداثة أولاً، وفهم معين للعلاقة بينهما ثانياً. فما هو مفهوم التراث عند رواد الشعر العربي الحر؟ وما هو موقفهم منه؟ وما هو مفهوم الحداثة عندهم وما هو موقفهم منها وما علاقة التراث بالحداثة في تأسيس مفهوم جديد للشعر؟لم يحدد هؤلاء التراث تحديداً دقيقاً إذ بقي مفهوماً عاماً يعني عند بعضهم الماضي بثقافته وعاداته وتقاليده، وقد حصره بعضهم الآخر في التراث الأدبي. والماضي عند معظم رواد الشعر العربي الحر ليس شيئاً منفصلاً عن الحاضر والمستقبل. إنه يحيا الحياة الجديدة والإنسان المعاصر، ينمو بنموه ويتطور بتطوره. فهو ليس كتلة جامدة أو مجرد كتاب أو مخطوط أو أثر محدد، بل جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان ومن واقعه المعيش. والقديم لا يبقى جامداً بل يتطور عبر التاريخ والبيئات. من هنا نجد عبد الوهاب البياتي يقرر أن ((التراث هو ما كان ويكون وسيكون)). فهو يتحول باستمرار بفعل عوامل الولادة والموت ولا يبقى ثابتاً. إنه ((عجينة لدنة قابلة للتشكل والتعين ولكن ليس بشكل نهائي)). فالتراث عنده شيء يتطور ويتغير بتغير الحياة والإنسان والظروف المحيطة ويتأثر بذلك كله. وهو لا يتشكل خارجنا بل فينا وفي ما حولنا لأنه جزء منا ومن واقعنا. والتراث بهذا غير محدد في ثقافة أو عادات معينة أو منجزات حضارية بعينها إنما هو عام وكل متكامل لا ينفصل بعضه عن بعض. إنه كل ما يتركه الأول للآخر مادياً ومعنوياً. وهذه نظرة شاملة للتراث باعتباره الماضي المؤثر في الحاضر والمستقبل.وعبد الوهاب البياتي لا ينظر إلى التراث مجرداً بل يراه من خلال الواقع الاجتماعي. على أن الواقع عنده أوسع من حيث أنه يشمل القديم والجديد معاً. فهو ينتظم التراث والمعاصرة معاً في تفاعلهما المستمر. وهو يرى أن في التراث جوانب سلبية تعرقل حركة الواقع من جهة، ويقبل من الآخر (الأجنبي) ما يمكن أن يوجه الحاضر إلى آفاق أرحب وأعمق من جهة ثانية. فالانفتاح على الآخر يعطي المجتمع قدرة على البقاء والصمود من جهة، وطاقة على المشاركة في بناء مجتمع إنساني من جهة أخرى. وبهذا فالتراث عند البياتي عنصر مكون إلى جانب كل من الجديد والمستجلب لا يرفض التفاعل معهما لبناء مجتمع أفضل. والتاريخ العربي الإسلامي شاهد على التفاعل الحضاري بين الأجناس المختلفة.وإذا كان التراث عند البياتي مفهوماً عاماً يتصل بالحياة والمجتمع فإن أدونيس حاول أن يضع تحديداً للتراث غير أنه كان يناقض نفسه باستمرار. فالتراث يرد عنده مرة بمعنى الأصول أي الشعر الجاهلي والقرآن والحديث، ذلك أنه يعد كلاً من الشعر العباسي والفكر الفلسفي والفقه قراءة للتراث لا ترانا في ذاته. على أنه يناقض نفسه فيرى في موضع آخر أن التراث هو الأصول والفروع معاً أي الثابت والمتحول في كتابه الموسوم بهذا الاسم. وهو يرى التراث مرة ثالثة متعدداً وكثيراً، أي هو تراثات لا تراث واحد. لقد انتقل أدونيس من الواحد (الأصول) إلى ثنائية (الثابت والمتحول) وكأن بين الاثنين علاقة تضاد لا تفاعل أو تداخل أو اتصال. وكأن المتحول متحول دائماً ليس فيه عناصر ثبات والثابت ثابت أبداً ليس فيه عناصر تحول. وهذا ما استدركه لاحقاً عندما قال: ((ففي الثابت ما يكون متحولاً وفي المتحول ما يكون ثابتاً)). على أنه لم يبين نوع العلاقة المرجوة بينهما وكأنهما قطبان لا يلتقيان. ثم انتقل إلى التعدد فخلط بينه وبين التنوع من حيث كونهما مصطلحين مختلفين. ذلك أن كون طرفة غير امرئ القيس وزهير غير عنترة مثلاً لا يعني التعدد وإنما التنوع في إطار تراث واحد، فالتعدد لا يتحدد بتتبع الجزئيات ولكن يتحدد بأخذ الكليات كما يقرر طراد الكبيسي. وهكذا يبدو أن مفهوم التراث غامض عند أدونيس بسبب عدم الدقة في استعمال المصطلحات أولاً وبسبب اضطراب الرؤية من مرحلة إلى أخرى ثانياً.وقد يخرج أدونيس أحياناً عن تحديد التراث من حيث أنه معطيات معينة إلى تحديده من حيث تأثيره في واقع الحياة المعاصرة. فالتراث عنده ((ليس الكتب والمحفوظات والإنجازات التي نرثها عن الماضي وإنما هو القوى الحية التي تدفعنا باتجاه المستقبل)). فهو ليس مادة محددة خارج الإنسان وإنما هو متصل بروحه. وبهذا فالتراث عنده هو العناصر الحية التي تؤثر في الحاضر والمستقبل، أي المتحول لا الثابت. وهذا يعني أن نظرة أدونيس إلى التراث جزئية لأنه يهمل ما يزعم أنه ثابت لا يتحول ولا يؤثر. على أن التراث كل متكامل يتطور عبر مراحل التاريخ المختلفة كما رأينا من قبل ولا يبقى كما هو. وهذا ما انتهى إليه أدونيس نفسه في (كلام البدايات) حيث أصبح يقول: ((ليس التراث كتلة موجودة في فضاء اسمه الماضي وعلينا العودة إليه والارتباط به وإنما هو حياتنا نفسه ونمونا نفسه وقد تمثلناه ليكون حضورنا نفسه واندفاعنا نفسه نحو المجهول)). لقد أصبح عنده حياة الإنسان في نموه وتطوره، ولم يعد كتلة جامدة منفصلة عنه. إن التراث ((عملية تطور بطيئة أحياناً عاثرة عارمة أحياناً أخرى. إنه عملية خلق مستمرة، وما دام كذلك فهو في تطور دائم)) كما يرى أحمد سليمان الأحمد. وهكذا نلاحظ أن مفهوم التراث عند أدونيس قد تطور من مرحلة إلى أخرى. وهذا ما انتبه إليه أحمد عبد المعطي حجازي عندما ذهب إلى أن أدونيس قد طور بعض آرائه في التراث مشيراً إلى قوله في (زمن الشعر): ((التراث ليس مركزنا وليس دائرة تحيط بنا)) ثم قوله بعد: ((إن الشاعر العربي أياً كان كلامه وأسلوبه وأياً كان اتجاهه إنما هو تموج في التراث، أي جزء عضوي فيه)).وإذا كان أدونيس لم يستطع الوصول إلى معنى محدد للتراث فإن بعض رواد الشعر الحر لم يحاول تحديد التراث بعامة وإنما اتجه إلى عالم الأدب بخاصة. فالتراث المهم عند الشاعر هو التراث الأدبي بالدرجة الأولى. من هنا نجد صلاح عبد الصبور يحدد التراث عند الشاعر فيقول ((وقد تكون كلمة التراث سهلة المفهوم عند معلمي اللغة والأدب، فالتراث عندهم هو كل ما خطه الأقدمون وحفظته الصفحات المسودة، أما الشاعر فالتراث عنده هو ما يحبه من هذذا الذي خطه الأقدمون وحفظته الصفحات.التراث عنده هو ما يجد فيه غذاء روحه ونبع إلهامه وما يتأثر به من النماذج. فهو مطالب بالاختيار دائماً، مطالب بأن يجد لـه سلسلة من الآباء والأجداد في أسرة الشعر)). وعبد الصبور هنا يضيق التراث أكثر عندما يحصره في الشعر وكأن الشاعر لا تهمه المعارف الإنسانية الأخرى، بل إن التراث عنده يضيق ليشمل النماذج التي يتأثر بها الشاعر دون غيرها. وما ذهب إليه عبد الصبور ليس تحديداً لمفهوم التراث الأدبي بقدر ما هو محاولة لتحديد مؤثراته في الشاعر أو القاعدة التي ينطلق منها في عملية الإبداع.وإذا كان رواد الشعر العربي الحر لم يتفقوا على مفهوم محدد للتراث فقد اتفق أغلبهم على ربط الشعر بالتراث. فالحركة الشعرية الحديثة ليست امتدادا للتراث فلا حاضر دون ماض ولا مستقبل دون حاضر. فهي عند يوسف الخال ((حركة تطورية تنبع من داخل تراث الأدب العربي لا من خارجه، وهي حقيقة تفرضها اللغة العربية وثقافتها)). فالشاعر إنما يتعلم هذه اللغة التي يكتب بها ويشكلها مثلما تشكله لأنها مرتبطة بثقافة معينة. وتعد اللغة عند عبد المعطي حجازي سبباً أول لارتباط القصيدة الجديدة بالتراث العربي، أما السبب الثاني فهو فني يكمن في أن هذه القصيدة امتداد للحساسية الشعرية العربية. فكل قصيدة هي امتداد لقصائد سابقة، وكل شاعر هو امتداد لأجداده الشعراء. ((فالمتنبي مخبوء في شوقي وأبو تمام في عمر بن أبي ربيعة . كل شاعر إنما يقف على أكتاف شعراء قبله ليصبح أطول منهم كما يعبر صلاح عبد الصبور---!