على مذبح مديرية المسارح والموسيقا ...
كمٌّ من الأضاحي .... ومازال الرقص مستمراَ !
تعاني مديرية المسارح ما تعاني من تراجع مخيف وخطير في مستوياتها الإستراتيجية والتنفيذية والأدائية, هيأ هذا إلى خلق مناخ لأزمة خطيرة تتجذّر في الأعماق,وتكمن في وضع مديرية المسارح أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما,إما الانحسار لصالح مديرية أخرى تتابع نفس الدور,أو الوقوف بكل جرأة والتصدي للأزمة من خلال مصداقية ووضوح الإيمان في الرغبة بالدفاع عنها لتخليصها من أزمتها التي تسير بها إلى
الاندثار ...
أزمة لم تلق أي اهتمام,أو إضاءة أو قراءة نقدية أو حتى محاولة الإشارة إليها..فبقيت بمنأى عن التفكير في كيفية مواجهتها والاعتراف بها وبوجودها وبضرورة الاهتمام بها,وبالتالي تعميق التجذر الإشكالي وتغلغله في جوهر العمليات الإدارية والوظيفية والإبداعية,بسبب غياب الاهتمام الفعلي في البحث عن أسباب أزمتها وكيفية معالجتها من خلال التخطيط ووضع الاستراتيجيات التي تنهض بالمديرية من قاعها في محاولة لإنقاذها واسترداد بعض العافية وممارسة نشاطها المأمول ..
على مدى السنوات السابقة لاحظنا تعاقب عدد من الإدارات؛منذ الفنان أسعد فضة مروراً بـ" فايز قزق – تامر العربيد – زهير رمضان – جهاد الزغبي - غسان ديوب – عجاج سليم " وأخيراً عماد جلول..إلا أن النتائج ازدادت تراجعاً.فلو قمنا برسم مخطط بياني لقياس الأداء والإنتاج والفاعلية والتقدم فإننا سنلاحظ وبشكل ملحوظ هبوط مؤشر المخطط إلى أدنى مستوياته ..
فغياب الإستراتيجية وضبابية القرارات وعدم جديتها وغياب التفكير في كيفية تطوير هذه المديرية أدى إلى تراجع الإنتاج والأداء الفني والوظيفي والإداري وبالتالي فقدان الانتماء وعدم الإيمان بضرورة وجودها ..
وكم من المقالات والكتابات التي حكت عن أمور المديرية ولكنها وللأسف الشديد كثيراً ماكانت تزيد من تكريس الأزمة وتعميق اتساع الشرخ الحاصل لأن أغلب ما كتب لم يتجاوز البعد الشخصي لكاتبه,والذي يهدف من ورائه مناصبة العداء أو التشفي أو الكيدية لشخص المدير,وتحويل المشكلة الأساسية واختصارها في مشكلة شخصية,متناسين بذلك مكمن الداء,ما جعلنا نجنح عن المشكلة الأساسية باتجاهات لا تزيد إلا في الإسراع في تدهور المديرية ..
ما جعل اهتمامي خلال السنوات السابقة ينصّب على ماهية الأزمة , مكامنها , أسبابها , وجدية البحث في فضائها على الصعيد الإداري والفني , فقمت ما أمكن برصد جميع التحولات والتقلبات والقرارات والسياسات والاستراتيجيات المتعاقبة بشكل مباشر أو غير مباشر منذ مغادرة أسعد فضة للمديرية حتى المرحلة التي غادر بها الدكتور عجاج سليم , أما الفترة التي تلت ذلك وهي استلام عماد جلول لمنصب مدير المسارح والموسيقا , سنشير إليها تبعاً لبعض المؤشرات والتي شكلت عدة إشارات استفهام وعمقت الإحساس وأكدته بأن الأمور تسير بالاتجاه المعاكس ,وبالتالي باتجاه تدهور أكبر ..
لقد قمت برصد الكثير من النتائج والانعكاسات بعد كل قرار تغيير يطال مدير المسارح,وبالتالي قراءة الانطباعات والنتائج ومراجعتها وملاحظة مدى التحسّن أو التطور الحاصل,ولكن للأسف كلها كانت تسير بنفس الاتجاه الذي سيقودهم جميعاً مجبرين غير طائعين سابقين وحاليين ولاحقين بالاتجاه نفسه , وقد وصلتُ إلى نتيجة من خلال تحليل وتجميع النتائج التي تمحورت حول بؤرة الأزمة وجذرها الحقيقي وهي :
" أن الأزمة الحقيقية تكمن في التركيبة الأساسية والبنية الجوهرية لمديرية المسارح والموسيقا , ماهيتها أهدافها دورها الحقيقي ....الخ " ..
وفي كل مرة ومع كل تغيير إداري كنت أقف متسائلاً : ما الذي يحدث ؟ ولماذا كل هذا الكمّ الهائل من الانتقادات للمدراء المغادرين مكاتبهم ؟ وما هو سبب الصراعات التي تحدث بعد كل تغيير والفوضى التي تعمل على خضخضة فضاء مديرية المسارح ؟والمؤامرات التي تبدأ ؟ والتقارير ؟ والإشاعات وتشويه السمعة " بغض النظر عن صحة ما سبق أو عدمه " ؟ ومن أجل ماذا ؟ وهل نساهم جميعاً (ولا أستثني أحداً )من العاملين في المديرية فنانين وموظفين وبكامل وعينا في تكريس الأزمة ؟ وهل نحن نحقق انتماءنا لها باعتبارها الحاضن الأساسي لبؤرة اهتمامنا وعملنا ؟ وهل مقصود غضّ البصر عن مكمن الداء الحاصل من بنية هزيلة وقوانين انهارت جدرانها تحت ضغط الحاجة إلى التطوير ومواكبة العصر في تطورّ الذهنية البشرية وازدياد متطلباتها وحاجاتها ؟ ومن هو المعني في الجراحة التطهيرية لتفكيك وإعادة التركيب على أسس علمية حديثة تواكب تطور الزمن ؟ إذن هي أسئلة وأسئلة أبحث لها عن إجابات ولكن فشلت في إيجاد بعضها أو أتواطأ مع الكثيرين بغض البصر عنها ... !!!
نفس المشهد يتكرر : كمن يُعهد إلى شخص ما " بغض النظر عن صفاته ومؤهلاته " بقيادة سيارة تبلغ سرعتها ( 50 كم في الساعة , ومحركها يختبئ تحت طبقات الصدأ بسبب قِدمها ) ومن ثم نطلب منه أن يشترك في رالي السيارات ونطالبه بتحقيق نتيجة متقدمة , أليس هذا ضرباً من الخيال في زمن تُصنع فيه سيارات تبلغ سرعتها في الثانية الأولى لانطلاقها ( 100 كم ) ؟ من هذه الزاوية أجد أن الكثير ممن تعاقبوا على إدارة مديرية المسارح قد وقع عليهم الظلم والجور الشديدين ... وكان الله بعون الجدد ... علماً بأن الكثير من المدراء لم يكونوا بمنأى عن الكثير من الممارسات الإدارية الخاطئة والتي ساهمت إلى حد بعيد في تكريس تيار قوي يتقن نسج المناخ المحبط والقاتل للهمم كما هي حال الكثير من مؤسساتنا ومديرياتنا , فصارت المديرية تمور بالأيدي العابثة والمعيقة لمهمة المدير وبالتالي لمسيرة التقدم إن وجدت,كل ذلك بسبب الانقسامات والتحزب لصالح فلان ضد فلان وتكريس الشللية والتبعيات الإنتفاعية , وبذلك يغص جسد المديرية بالسموم في بيئة هي أساساّ بيئة خصبة لنمو الأمراض , وهؤلاء العابثون المحترفون (وقد لا تعرفهم للوهلة الأولى,لأنهم يتقنون الألعاب البهلوانية والقفز على الحبال , هنا لابد من الاعتراف بأن الإيقاع بهم ليس بالأمر السهل , فهم بشر يشبهوننا في المأكل والملبس ويتحدثون نفس اللغة ) يعيثون فساداً في المكان .. أليست هذه مصيبة ؟؟!؟!؟! كل ذلك بسبب مخلفات النظرة الأحادية والنبرة الصارمة والأفق الأحادي البعد الذي ضيق الخناق فهرب التعاون من بوابات المديرية ونوافذها والأهم فرار الانتماء وتحولها إلى فضاء يغص بالفردانية وطوفان المشكلات والقيل والقال وابتكار أشكال جديدة للفتن التي لن تؤدي في النهاية إلا إلى النهاية التي لن تحتاج إلى ذكاء للتكهن بها , كل ذلك لصالح من ؟ من هو الخاسر ؟ ومن هو الرابح ؟ من هو المنتشي بتفكيك هذه المديرية إلى أعضاء وقطع صغيرة تمكنه من تدميرها ؟ ....طبعاً أشير هنا إلى التراكمات التي حدثت عبر السنوات السابقة ,وأنا بعيد عن إلقاء أية تهمة أو الإشارة لشخص بعينه, أشير فقط إلى نتائج المراحل التي مرّت بها المديرية ........ ( قليل من الانتباه ... فقط القليل .... !!!!!!!!!!؟؟!!!!! ).
ملاحظة أولى : ما حدث أسهم إلى حد كبير في تعميق الهوّة الكبيرة بين الإدارات والواقع الذي تديره بما ينطوي عليه من غموض وكثافة ودلالية وفوضى ضبابية والتباسات كثيرة , وبذلك بقي هذا الواقع مفهوماً منفتحاً على مستويات قرائية أو استقرائية أو تأويلية واسعة تتصف بعدم المصداقية تارة وبالنظرة القاصرة تارة أخرى,فكان من نتائج عدم الاحتكاك مع الواقع عدم فهمه وطبيعته وبالتالي بقي واقعاً متخيلاً في أبعاده وتمفصلاته ليشكل حواجز كبيرة تعيق مسيرة عمل الإدارات السابقة ..
فإدراك واقع هذه المديرية كمعطى سابق يفسح المجال لكشف الحجب التي تهدف إلى الإحاطة بالواقع الذي سيتم التعامل معه باعتباره النواة الأساسية التي تتألف منها المؤسسة التي يديرها والتي من خلالها ستنفذ الخطط وتحقق الأهداف...الخ,وهذا يقطع الطريق أمام التخمينات أو الاحتمالات أو التقارير الكاذبة أو المقاربات الشخصية التي كثيراً ما كانت تنقلب ضد الإدارة عموماً ..
مديرية المسارح والموسيقا بالتعريف : مديرية فنية فكرية ثقافية إبداعية,وهي إحدى مديريات وزارة الثقافة الغير مستقلة, وبالتالي تتبع إدارة مركزية في الوزارة لتصبح الإدارة مركزية ضمن إدارة مركزية, وبذلك تتعرض المسارح القومية في المحافظات لقرارات مركزية ضمن مركزية وهذا ما يتعارض مع طبيعة هذه المديرية التي تحتاج إلى الكثير من الديناميكية والسرعة في اتخاذ القرارات والتنفيذ ... باعتبارها تنتج نوعاً من أصعب أنواع الاتصالات في العصر الحالي التي تحاكي الإنسان وعقله وفكره ومضمونه,وتحافظ في الوقت نفسه على أسس ثقافية صامدة حتى هذه اللحظة ضد كل الهجمات السامة التي نتعرض لها وبكافة الأشكال,أي هي مؤسسة إبداعية تحتاج إلى تفكير خاص ونوعي من حيث التخطيط والتنظيم والخصوصية والاستقلالية .... الخ .
لا نستطيع حالياً الحديث عن مفهوم الإدارة بدون الحديث عن مفهوم الإبداع الملاصق لمفهوم الإدارة الحديثة , فإذا كانت مديرية المسارح والموسيقا معنية بشكل مباشر بالمنتج الإبداعي في جوهره فإن إدارتها يجب أن تكون إدارة إبداعية ابتكاريه مُجددة مُطورة .. أي على الإدارة والفريق المساعد لها أن تبدع وتبتكر وتوفر حلولاً للمشاكل التي تعيق تقدم المديرية , من خلال إلغاء كل ما يقف عائقاً أمام عملها الإبداعي .. وضرورة التجاوب مع هذه الإدارة من الجهات العليا شرط أن تكون هذه الإدارة تهدف إلى إيجاد الحلول الجذرية للمشكلات التي من شأنها ( الحلول ) العمل على توليد الفعل الإبداعي المنشود ...
ومن الملاحظ في طبيعة الإدارات التقليدية الغير منفصلة عن مفهوم البيروقراطية أنها ترتعد من إعطاء الصلاحيات للموظفين , وهذا ما يكرس الشلل لأنه من غير المعقول أن تقوم الإدارة بكل المهمات والوظائف التي تسير أمور المؤسسة , وبالتالي تكرس الإدارة مفهوم عدم الثقة والخوف , وهذا ما يسبب مشكلة قد تبدو صغيرة ولكنها مع مرور الوقت ستتفاقم حتى تؤدي إلى دمار المؤسسة في كثير من الأحيان..
· إذن : لابد من إعادة هيكلة جذرية لمديرية المسارح تتضمن إحداث تغيير جذري من إعادة برمجة العمليات الإدارية انتهاءا بأدق التفاصيل , فالتغيير الجذري يتضمن قيمة جوهرية إبداعية أكثر قدرة على إعادة البناء بطريقة صحّية وعملية ومناسبة , ويساهم إلى حد كبير في التخلص من كل ما يعيق سير العمل .. والمتابع لكيفية تسيير الأمور في المديرية في السنوات السابقة سيجد أن ماحدث هو الالتفاف على الوضع السيئ لأنه خارج عن السيطرة , وإطلاق شعار ترميم الوضع الحالي ومحاولة إصلاحه , ولكن أعتقد أن هذا الكلام غير علمي أو بعيد عن الصحة , فالمديرية تحتاج إلى الكثير من إجراءات الاقتلاع والهدم وبتر الكثير من القرارات والتعاميم وإعادة النظر في الأنظمة والقوانين الناظمة لها من خلال تفكيكها وإعادة هيكلتها في صياغة تتناسب وطبيعة المؤسسة وطبيعة مهمتها والدور الذي تقوم به باعتبارها مؤسسة العمليات الإبداعية من خلال عدة طرق أهمها دراسة واقع هذه المديرية بكل جرأة ووضوح والتعامل معه بكثير من الحرص والمصداقية .. بذلك ستتحقق مجموعة من النتائج الجوهرية الصحيّة التي ستعبد طريق نجاح أي إدارة , فضلاً عن تحسين وتطوير الأداء ليصبح أكثر مرونة وديناميكية وحيوية . ويصبح من السهولة بمكان إعادة الهياكل الإدارية والتنظيمية وتوزيع المهام ..
على كل إدارة النظر في دور المؤسسة التي تديرها , وأن تعي أهدافها بشكل واضح , وإلا فإن البوصلة ستفقد مؤشرها وتتوه في عالم الإدارة الواسع الذي لا يرحم أبداً .. فالأسس والخطوات العلمية والعملية المدروسة ستكون مولدة لفعل إبداعي ومساهمة في تفجيره , أي تحقيق الأهداف والمهام الموكلة . وبالتالي تحقيق مجموعة من النتائج الجوهرية أهمها :
تحقيق التغيير الجذري يرتقي بالأداء وبالتالي تتغير نتائج وحجم الأعمال لتصبح أكثر قوة وفاعلية من خلال توفير الأدوات التي تساعد في الإنتاج , فالأدوات الأساسية , والقدرة على اتخاذ القرارات , وتسهيل عملية الحصول عليها , ضمانة حقيقية لتحسين جودة الأداء والإنتاج , وبالتالي تخفيض التكلفة من خلال إجراءات غير ضرورية أكثر عرقلة وروتينية وهي من أهم أسباب زيادة حجم النفقات باعتبارها مستهلكة وكل ذلك على حساب الإنتاج الحقيقي .. لأنه من المعلوم أن إنتاج الأعمال وبجودة عالية يعطي قيمة مضافة وجوهرية , وتغني المؤسسة وتزيد من حضورها ...
فمديرية المسارح تعاني وبسبب الأداء المتدني من ارتفاع في تكاليف التشغيل وانخفاض في الجودة والإنتاج فتأخذ بذلك دور المستهلك السلبي , فعلى سبيل المثال :
في كل عام تخصص وزارة الثقافة كتلة مالية خاصة لمديرية المسارح والموسيقا هذه الكتلة مخصصة لإنتاج الأعمال والأجور والمكافآت للعاملين في إنتاج هذه الأعمال , ومن المفروض أن تقوم الإدارة بتوزيع هذه الكتلة على المسارح التي تتبع إليها باعتبارها جزءا لا يتجزأ من منظومتها التي تساهم إلى حد كبير في زيادة الإنتاج وتحسين الأداء .. ولكن ما يحدث هو عكس ذلك ..
تتصرف الإدارة في الكتلة المالية وتخصص نسبة تبلغ 75% لتصرف على الأعمال التي تحدث في دمشق , ويبقى نصيب المسارح القومية في المحافظات هو 25 % , وهذا خطأ تقع فيه الإدارات المتعاقبة , لأنه لو تم توزيع الكتلة المالية على المسارح في المحافظات بشكل متساو سنجد أن أعمال المديرية ستزداد , وستساهم إلى حد كبير في خلق حراك مسرحي ملفت وهو أحد أهداف مديرية المسارح , ولكن للأسف نجد في كل مرة أن عمل مسرحي واحد يتم إنتاجه في دمشق يستهلك جزء كبير من الكتلة المالية , بحيث لو خصصت الكلفة الإنتاجية لهذا العمل ومنحت لأحد مسارح المحافظات سنجد أنه سيتم إنتاج ثلاثة أعمال وبنفس المبلغ والى حد كبير بنفس الجودة التي تدعي الإدارة وجودها في دمشق وغيابها في مكان آخر .. لأن الإدارت المتعاقبة عملت على الشكل التالي : إعادة نجوم التليفزيون إلى المسرح (و هي خطوة مشروعة وجيدة ) ولكن إعادتهم ينبغي أن تزيد من حجم الكتلة المالية , لأنه من غير المعقول أن يأتي النجم التليفزيوني وبعد غياااااااااب طويل لإخراج عمل في مديرية المسارح ويصرف له مبلغ يقدر بنصف مليون ليرة , عدا عن تكلفة العمل الحقيقية وأجور الممثلين , التي لا يستهان بها .. وفي الوقت نفسه الكثير من نجوم المسرح يقفون في الطوابير للحصول على فرصة عمل من المديرية، وإذا جاز هذا, فإن المخرج سيصطدم بالكثير من المعوقات أهمها : أن التكلفة الإنتاجية والتي قد تبلغ 20% من أجر النجم التليفزيوني , تقابل بكلمات الاستغراب والاستهجان ويطلب منه على الفور تخفيض الميزانية حرصاً من الإدارة على عدم سحب الفرصة لأن الميزانية لا تحتمل , وإذا تغاضينا عن هذه النقطة , وافترضنا أن النجم المسرحي قد ابتكر حلولاً إخراجية باعتباره مبدعاً وتم تقليص حاجات العمل بما يتناسب مع حرصه على عدم فقدانه الفرصة, وتم إنتاج العمل وعُرض في صالات المسرح , سنجد أن أجره لن يتجاوز المائة ألف ليرة سورية في دمشق , أما في المحافظات فلن يتجاوز السبعين ألف حتى ولو كان أهم مبدع في التاريخ ...هذا عدا عن أجور الممثلين والتي تتبع المزاجيات والتقديرات الشخصية والولاءات والتبعيات ... , فأجر الممثل في دمشق لا يقل عن 75 ألف ليرة سورية , في حين أن الممثل في المحافظات وتصنيفه دور أول لن يتجاوز الأربعين ألف ليرة سورية ..
هذه بعض الإجراءات التي يجب أن تولى عناية شديدةلذا يجب توحيد آلية العمل , فالممثل الذي يعمل في المسرح باختياره راضياً , يجب أن نحافظ عليه , لا أن نضيق خناقه لإجباره على هجر المسرح وبالتالي تتسابق الجهات الخاصة إلى تقديم المغريات الحقيقية له ليعمل فيصبح أبناء المديرية هم من ينافسونها في سوق الإنتاج , وهي نقطة خطيرة أخرى يجب العناية الجدية بها ..
· إذن : إعادة النظر في جوهر العملية الإدارية سيمكّن الإدارة من التغلب على الكثير من المشاكل التي تعاني منها , ومنها النقاط التي سبق ذكرها وسنأتي على ذكرها , فالمؤشرات الواضحة تدل على أن مديرية المسارح والموسيقا تصارع من أجل البقاء وأنها لن تملك القدرة على البقاء ومسايرة التطور والمنافسة , وعلى المستوى الآخر فالمديرية تساهم إلى حد كبير في بعثرة الأموال التي تخصص لها بطريقة غير صحيحة , لأن التعامل معها يتم من خلال معايير ووجهات نظر ازدواجية وضبابية , ولو تم الاعتناء بهذه النقطة سنجد أن مديرية المسارح لن تعاني من العجز , وبنفس الوقت لن تجني الأرباح الغير مطلوبة أساساً , ولكنها ستحافظ على أموالها وتنتج أعمالا منافسة , ولن تكون المساهم الأساسي في استنزاف أموال وزارة الثقافة ...
· نتيجة :
إحدى أهم الأولويات التي يجب العمل عليها هي هيكلة شاملة للإدارة باعتبارها إدارة عامة , ولا ينحصر ذلك في محاولة حصر الإجراءات في عدة خطوات تزيد في تكريس الفوضى " كتبسيط الإجراءات ...و..و.. " لأنه لابد من تغيير جذري في الأساس الفكري وتغيير المفاهيم الجوهرية (كالتحول من مفهوم الإدارة السلطوية المهيمنة إلى الإدارة الخدمية , ومن المركزية إلى اللامركزية ؛ والتركيز على النتائج ) وهو ما يتطلب عقلية تخطيطية ذات مهارات إدارية لا قيادية تعمل لأجل استقرار بيئة العمل لتكون شفافة واضحة والأهم أن تكون آمنة , هنا يبرز مفهوم الثقافة التنفيذية التي تأتي كخطوة لاحقة بشكل آلي وهي التي تساهم في خلق الحراك الأساسي وبالتالي تحقيق الأهداف , كل ذلك يزيل العوائق من أمام العملية الإبداعية البعيدة عن المدراء التقليديين الذين لا يملكون الجرأة والإبداع ...ولا اعتقد بوجود إي إدارة إلا وكان طموحها أن تحافظ على مكانتها وهذا مطلب شرعي لكن تحت شرط الوعي بحجم الدور المنوط بها وخلق الأجواء المناسبة لنجاحها , بدلاً من التفكير في الوسائل التي تمكن هذه الإدارة أو تلك من المحافظة على المنصب سواء أكانت ناجحة أم لا ...
· نعود ونذكر أن الهدف هو طرح أسئلة من شأنها أن تحقق بعض رؤية بعيدة عن الدوغمائية والنظرة الأحادية الضيقة, لأنه من الواجب أن نعي التحولات الكبرى التي تحيط بنا بمراحلها الضخمة المحملة بالتناقضات والعبثية والتي لا يمكن مواجهتها بالانغلاق والتقوقع بل بالانفتاح المسلح بالوعي والجرأة وهو ما يتطلب العناية بمؤسستنا وأهمها العناية بالجهاز الإداري الذي وصل إلى درجة من الشلل المؤدي إلى الفراغ ...
· لابد من التدخل السريع والإسعافي من قبل أصحاب القرار لتجاوز الأزمة الحادة بحيث يكون فعل تحديث الممارسة الإدارية ينبع من الحاجة الملحة , وليس خطاباً يمليه علينا هوس اللحاق بركب التقدم السريع , وأن نحاول قدر الإمكان الابتعاد عن الوصفات العلاجية الجاهزة والمستوردة التي نشأت في بيئة غريبة عن بيئتنا ..
إذن : باتت مديرية المسارح والموسيقا تشكل بنية معقدة ومتشابكة ,تؤدي إلى بنيات أكثر تعقيداً وتشابكاً، لا تنتج إلا المشاريع سريعة العطب لأنها مبنية على الارتجال الآني كنوع من المحافظة على الوجود على صعيد الشكل .