تفــسـيـــر آيــة الإنــذار
وأحــاديــث يـوم الـدار أو بـدء الدعــوة
بســــم الله الرحمن الرحيم
الـحمـد للّــه رب العـالـمـيـن والصـلاة
والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآلـه الطاهريـن قال اللّه تعالى (وَأنْذِرْ عَشيرَتَكَ الأَقْرَبينَ)الشعراء ــ 214
لا يزال يأتينا من الناصبة ، وبقية الفئة الباغية ، والمرتزقة الذين يعيشون في أحضان الاستعمار ـ
وهمّهم الوحيد التفرقة بين المسلمين ، وإشغالهم بخلافات مستحدثة ، كيلا يلبّوا دعوة المصلحين وعباقرة الأمة إلى توحيد الكلمة ـ ما يجرح العواطف ، ويُثير الفتنة والتباغض والتخـالف ، مما لا ربح فيـه إلا للأعداء ، ولا يزيدنا إلا الضعـف والفشل .وهذا إن دلّ على شيء ، فإنَّما يدل على أنهم جعلوا أصابعهم في آذانهم ، حتى لا يسمعوا صرخات المصلحين ، لأنهم لا يحبون استيقاظ اُمتنا الكبيرة التي لو استيقظت من نومتها ، وعرفت صلاحياتها وطاقاتها وإمكانياتها ، لقامت بوجه كل استكبار واستضعاف ، وقضت عليه ، ورفعت راية التوحيد ، وأسَّست المدنية على النظام الإلهي الخالص من الظلم والانظلام ، وسلب الحريات التي منحها اللّه تعالى الإنسان في شرايع الأنبياء ، سيما الشريعة الإسلامية الختامية .نعم ، لو التفت الجيل الحاضر المسلم إلى مستقبله وإلى حاضره ، وما يجري في العالم ، وما أحاط البشريةَ من المشاكل التي فرضتها عليها الصهاينة وأذناب الاستعمار ، والتبشير والإلحاد وعبدة لنين وماركس ، أدرك ما يجب عليه من القيام بإبلاغ رسالة الإسلام لإنقاذ البشرية والسعي للقضاء على كل سلطة وسيطرة إلا سلطة أحكام اللّه تعالى ، ويدك بذلك عروش الجبابرة والمستكبرين ويهدّد كيانهم .ولَعَمْر الحق ، ما على البسيطة شيء أشد خطراً على الاستكبار العالمي من تيقظ المسلمين من رقدتهم ، واعتصامهم بحبل اللّه تعالى .
إذاً فلا عجب من وقوفهم بوجه المصلحين وسعيهم في تفرقة كلمة المسلمين وتجزئة بلادهم ليكون كل إقليم ومنطقة تحت أمر حاكم عميل ونظام في خدمة الشرق أو الغرب.فانظر إلى بلاد المسلمين بعين البصيرة والعبرة ، لتدرك محنتها من هؤلاء الحكام والمهتمين بتفرقة المسلمين ، ثم انظر هل تجد لهذه الحكومات المتخالفة في السياسة والنظام والإدارة ، مفهوماً غير أن الاستعمار لم يقم ولن يدوم في بلادنا إلا بها وأوجه السؤال إلى المسلمين المضطهدين تحت سيطرة هذه الحكومات الجائرة عن الحاكم الإسلامي الذي قرن اللّه طاعته بطاعة رسوله(صلى الله عليه وآله) من بينها ؟من الذي يحكم من حكام هذه البلاد بحكم الإسلام ؟ وأية هذه الحكومات حكومة شرعية إسلامية تمثل وحدة الأمة وحكومتها العالمية التي تسود العالم كلَّه ؟
فهل تعرف منها من لا يتحكم في مصيره الشرق الملحد أو الغرب المستعمر ؟ أو شبكات هؤلاء المستعمرين الذي لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ، ينفقون الأموال الطائلة التي يحصلون عليها بامتصاص دماء الشعوب ، من أجل اختلاق الخلافات وإنكار الحقائق الإسلامية ، وإيجاد الشك في التاريخ المليء بأمجادنا وبطولات أبطالنا ، كما يحاولون أن تبقى اختلافات الفرق بحالها ، فحينما يرون أن الشعور بالولاء لأهل البيت والتمسك بهم سيشمل جميع الأمة ويوحدها ، ويذهب بالأحقاد التي أوجدتها السياسة ويقـضي على تفرقة الأمة بالفريقين الشيعة والسنة ، ويلف الجميع حول الكتاب والعترة (الثقلين) ويوحّد المذاهب أجمع ، يتوسلون بأهل التعصب والعناد والنصاب يخيفونهم من ظهور الحق ويقظة الشباب المثقف وفهمهم ما وراء الوقائع الدامية والخلافات الطائفية من مؤامرات المنافقين ومبغضي أهل البيت(عليهم السلام) فيستأجرون لذلك أقلام عبدة الدنيا ، ومحبي الجاه والضعفاء الذين لا يفهمون ما وراء هذا الأمور ولا يفكرون فيما يريده الاستعمار من الاحتفاظ بتفرق المسلمين .إي واللّه ، لقد أدرك الاستعمار أن جيلنا المسلم قد استيقظ عن نومته ، وانتبه إلى ما حوله وأدرك أن الخلافات المذهبية والسياسات العاملة لمنع الناس عن التمسك بالثقلين وأخذ العلم عن أهل البيت(عليهم السلام) الذين هم وحدهم حملته وسَدَنته ، تذوب بالإمعان الخالص من التعصب في الكتاب والسنَّة والتاريخ ، كما أدرك الكثير من أبناء أهل السنة ، فلبّوا دعوة المصلحين الأفذاذ ، لترك العصبيات الطائفية ، وفهموا أن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) لا ذنب لها إلا ولاء أهل البيت وأخذ العلم عنهم في ظروف لم تكن موافقة لسياسة أرباب السلطة المتغلبين على المسلمين فتحكموا في رقاب محبيهم ورواة فضائلهم ومناقبهم وحملة العلم عنهم ونكلوا بهم أشد التنكيل وساموهم سوء العذاب ، حتى أصبح الرجوع إلى أهل البيت(عليهم السلام) ونقل الحديث عنهم ، وحتى إعانة الذرية الطاهرة النبوية ، من أعظم الجرائم السياسية .وقد بقيت شرذمة ضئيلة من أبناء هؤلاء الذين يقولون بشرعية حكومات الطواغيت الذين علوا وطغوا واستكبروا في الأرض ، أمثال معاوية ويزيد والوليد وهـارون والمتوكـل وغيرهم ، وكان استكبارهم أكثر من استكبار طواغيت الجاهلية في روم وإيران .
وهؤلاء لا يزالون يصدون المسلمين عن التجاوب والتفاهم ويلبون دعوة الاستعمار لإثارة الضغائن وإنكار الحقائق ، ينظرون دائماً إلى الخلف ، ولا ينظرون إلى الأمام . لا يقبلون من التاريخ والحديث إلا ما يؤيد آرائهم ، ويجرحون كأسلافهم كل من يروي ما لا يوافق أهوائهم ويطعنون في كل حديث يخالف مذهبهم وإن بلغ في الصحة ما بلغ أو يؤولونه . قد أعمت العصبية أبصارهم وبصائرهم . السنة عندهم بدعة ، والبدعة عندهم سنة . يقتفون آثار السفيانيين ، ويدافعون عن سيرة الجبابرة ، ويعملون على كتمان فضائل بطل الإسلام ، ونفس الرسول وابن عمه وأخيه ، وباب مدينة علمه ، ومن هو منه بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعده ، ومن لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) . ينكرون مناقبه ومناقب أهل بيته ويرمون من روى فضائله بالكذب ووضع الحديث ، ويعدّون ولاء أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)جريمةً لا تغتفر ، ولكن لو كانت هذه المناقب مرويةً في شأن أعداء آل النبي (صلى الله عليه وآله)لا يقابلونها بالإنكار ، وسيما إذا كان رجالها مطعونين بالنصب وقتل المسلمين وأقبح الظلم وأشنع الفسق . فإنّا للّه وإنّا إليه راجعون . قرأنا في بعض المجلات (حضارة الإسلام ، العدد الخامس من السنة الثامنة عشرة برجب 1397) نقـداً من الكاتب محمد حسين ، على كتاب للجنرال ا . أكرم ، ترجمة الركن صبحي الجابي ، فيه موارد هامّة من الاشتباه ، وقلب الحقائق ، من أعظمها الاستناد إلى المنقولات الضعيفة والحكايات الواهية في شأن بدء الوحي وكيفية نزوله ، مما لا يناسب شأن الرسالة المحمدية ، فيتهم الرسول(صلى الله عليه وآله) بخشيته على نفسه عندما نزل عليه الوحي وجاءه الملك الأمين جبرائيل(عليه السلام) يرى كأنه ـ والعياذ باللّه ـ لم يحصل له اليقين بما جعل اللّه على عاتقه ، وشرفه به من النبوة والرسالة ، فانطلقت به السيدة خديجة أتت به ورقة بن نوفل .وهذه ، وإن كانت رواية البخاري ومسلم في بدء الوحي وكيفية نزوله ، إلا إنها مردودة عليهما وعلى شيوخهما ، لأن شأن الرسول(صلى الله عليه وآله) في المعرفة والإدراك كان أنبل وأجل من الشك فيما أوحى اللّه تعالى به ، وأمر الرسالة أيضاً أعلى وأنـزه من ذلك . وكيـف لا يعرف الرسول(صلى الله عليه وآله) ما تعرفه وتؤمن به السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها وقد كان تحت رعاية اللّه تعالى قبل البعثة ، وخلق اللّه نوره قبل أن يخلق العالم ، مضافاً إلى انه يجب أن يكون إلقاء الوحي والتعيين لهذا المنصب العظيم ، سيما الرسالة المحمدية العظمى ، على نحو يحصل للمبعوث بها بنفسها اليقين والإيمان على انه بعث إلهي ووحي سماوي . وبالجملـة شأن الرسالة وشأن الرسول بريء من خشيته(صلى الله عليه وآله) على نفسه .
أللهم إلا أن يكون المراد خشيته من اللّه تعالى لعظم ما أمره به وجعله على عاتقه ، ولا ريب أنه(صلى الله عليه وآله) كان أخشى الناس وأخوفهم من اللّه تعالى ، وكان أعبدهم وأزهدهم ، وأعرفهم باللّه . ولا ريب أن من كان أعرف الناس باللّه ، يكون أخوفهم منه وأرجى به منهم ، أما الشك والخشية على نفسه فلم يعرضه حتى لحظة واحدة وهذا أمر يعرفه من سبـر تاريخ حياته وأخلاقه الكريمة ، وقد قال اللّه تعـالى (آمَنَ الرسولُ بِما اُنزِلَ إليه من رَبّه) فهو مِن أول ما نزل به الوحي ، آمن بما انزل إليه وخرج من حرا وقلبه مليء بالإيمان بما نزل به .
نقده الآخر
ثم إنـه أنكر على المؤلـف ما ذكر من أن النبي(صلى الله عليه وآله) قد بقي مدة ثلاث سنوات يتلقى تعليمـات ربه ، دون أن يتكلم شيئاً عن رسالته ، ويوهم القاريء بأن علياً وخديجة وأبا بكر أسلموا في زمن واحدة ، ولم يكن بين إسلام خديجة والإمام وإسلام أبي بكر فترة حتى يسيرة ، مع أنه يظهر لمن يمعن النظر في الأحاديـث الصحيحـة والتاريخ ، أن أبا بكر لم يسلم إلا بعد فترة طويلة لا يستبعد تقديرها بثلاث سنين . ولا يأبى العقل أن يكون النبي(صلى الله عليه وآله) مدة ثلاث سنوات أو أكثر يتلقى تعليمات ربه ، ولم يكن مأموراً بإظهارها وتبليغها بغير خديجة وعلي من أهل بيته . فكانوا يعبدون اللّه بما تعبده اللّه به سراً ، حتى إذا أمر اللّه النبي(صلى الله عليه وآله) بإظهار الدعوة ، بلغ عدد المؤمنين في ثلاث سنوات إلى الأربعين أو أكثر على اختلاف الروايات في ذلك .
ويؤيد ، بل ينص على ما قلناه الروايات الكثيرة التي دلّت على أن علياً(عليه السلام)عبد الله تعالى مع رسوله(صلى الله عليه وآله) سبع أو تسع سنين قبل أن يعبده أحد من هـذه الأمـة ، وأن الملائكة صلـت على رسـول اللّـه(صلى الله عليه وآله) وعلى علي(عليه السلام) سبع سنين ، لأنه لم يصل معه أحد غيره[1].
[1] يراجع في ذلك كنز العمال جـ 13 ، حـ 36389 و 36390 و 36391 ، والخصائص العلوية للنسائي صـ 3 ، وتاريخ الابن عساكر ترجمة الإمام(عليه السلام) حـ 71 و 80 و 81 و 91 و 99 و 112 و 113 و 114 ، وفـرائـد السمطيـن جـ 1 ، حـ 191 و 192 و 187 و 188 ، وتهـذيـب التهـذيـب جـ 7 صـ 336 ، و أسـد الغابة جـ 4 صـ18 ، والرياض النضرة جـ 2 صـ217 ، وذخائر العقبى صـ64 ، وغيرها .