سؤال اخر يراود الكثير من المفكرين والباحثين وان في قوالب تساؤلية اخرى هل ان الوعي صنع التاريخ ام ان التاريخ هو الذي يصنع الوعي؟,بمهنى هل الفكر يصنع التاريخ بعيدا عن عوامل اخرى مثل الجفرافية وجوهرية المادة ام ان التاريخ هو الذي يفعل عبر مدلوله الزمني لعبة صنع الوعي؟.
للاجابة على التساؤل نفترض ان الوعي يسبح في فضاء متحرر عن الزمان والمكان افتراضا خياليا فهو متعلق بين الحواس والعقل فقط أي ان الوعي هو فعل العقل لادراك الذات فآدم عندما يجد حدوده التكوينية والوظيفية مجسدة في وجوده
فانه يعي هذا الوجود ويدركه دون حسبان لمعيار الآن او القبل او البعد أي انه يدرك وجوده في الفراغ الخالي في العدم زمن ومكان فهو آدم في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل كما هو في الجنة او في الارض فلا معيارية محددة تغير من كينونيته ولا من الصيرورة,قد يبدو الفكرة خيالية اكثر من خيالية الافتراض ولكنها حقيقة لانقبلها نحن وحتى فكرة العدمية او الفراغ الخالي تصبح اكثر وجودية لو نظرنا اليها من جانب النتيجة لا من جانب الفرض ذاته,فالعدم والفراغ اشارة الى النهاية الى نتيجة الوجود كما هي أساس التكوين {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً }مريم9,أي ان آدم لم يك من قبل شئ ولم يخلق من لاشئ والفرق واضح بين الفهمين فهو كان عدم وسيعود عدم فالعدمية معيارية لاثبات الوجود من خلال الانتقال من العدمية الاولى الى العدمية الثانية هذا الانتقال هو الذي يصنع الزمن كما يصنع المكان فالوعي بالذات بالوجود الذاتي يمكننا ادراك التاريخ,تاريخ الزمن وتاريخ المكان وان كان ادراك المكان اسبق واوضح لان الله امر به وحدده لنا بالتفصيل(الارض) ولكن لم يحدد الزمن الا لاحقا {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ }البقرة36 (إن خبرتنا الإنسانية عن الزمن، تختلف بشكل أساسي عن خبرتنا للمكان (الفراغ). فبالإحساس والشعور، الزمن أكثر المفاهيم بدائية. إن الزمن يدخل في إدراكنا مباشرة. فالزمن أدرك ولوحظ لامتلاكه بنية أكثر جوهرية. فاكتساب المعلومات حول المكان يتم خلال المختبر، والحواس الظاهرية. أما الزمن فله سر إضافي في عقولنا. إن بنية الزمن، التي تدرك وتلاحظ من خلال هذا السر، ربما وصفت كجريان، تدفق من الماضي إلى المستقبل، الانتقال من اللحظة الحاضرة إلى التالية. قد لا يبدو واضحاً، إن الزمن والمكان مقترنان مع بعضهم البعض بأية طريقة جوهرية. ولكن وصف الرياضيين للزمن، يصبح مشابهاً كثيراً للمكان. إضافة لذلك، يرتبط المكان والزمن مع بعضهما البعض في الحركة، ويبرز هذا الترابط من دراسة حركة الأجسام المادية والإشارات الضوئية. فالمكان والزمان مظهران لبنية واحدة تدعى الزمكان)( المكان والزمان,خلدون محمد خالد ,موقع الفكر العربي),لقد فصل الكاتب سر ادراكنا للمكان وقصر في ادراكنا للزمان الذي تقاسم مع الانسان حدوده تماما فكما لآدم عدم ووجودفائت ووجود آني ووجود لاحق ثم العدم مرة اخرى كان للزمن نفس التفصيلات فالحدود هي كما هي عندآدم عدم وتاريخ وحاضر ومستقبل وعدم لاحق كما بدأ الزمن سيعود بالنتيجة,لربما في هذا القول شئ من الغرابة والافراط في الخيال ولكن من ينكر ذلك.
طالما كان الزمن مدرك حسي للانسان فهو صنع في وعيه في وجوده في فطرته القائمة على اللا شيئية المحتمة في البدء وفي الانتهاء من الاستخلاف{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }الأنبياء104,بذلك لا يكون الزمن هو صانعا للوعي ابدا بل مستدل به عليه وكاشفا عنه بالتلازم والمصاحبة فهل يمكن ان نعقل الزمن والمكان بدون وعي وجودي تكويني مدرك؟.
ان التاريخ هو الزمن الذي فرط من العيش الوجودي من المعايشة الادراكية باقل وحدات تقسيم الزمن الثانية او جزء اقل منها بكثير فلا ندركه بعد الافلات اما الآن في الثانية التي اعيشها اصنعها بوعي كينوني لا بوعي تكويني فهي لاحقة بالحال بالتاريخ اما المستقبل فهو صنع لحظة الآن تتقدم ويتقدم معها العدم من التكوين ليحيله الى اللا شيئية المحتمة, ابدا قانون لا مفك منه ولن يتوقف الزمن ولا يعود للوراء مطلقا لان العدم غير مرتبط بتسلسل الزمن انه امامنا يتقدم الينا خارج نطاق الزمن وخارج نطاق المكان { سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً }الأحزاب38.
فكرة اخرى تبنى على اللاشيئية فحواها تحول آدم في الزمن الاول ماقبل التاريخ (ماقبل الماضي) الزمن التكويني هل صاحب هذا التحول تشكل الوعي الاول بالنظامية المحيطة بالمكان والزمان؟ ام انه لازال يعي الوجود بنفس المحددات (الفراغ),ان اجبنا ان تحول الزمن وقد قلنا لايدرك ولا يحسب الا بالوعي ولايشترط ان يكون فيه نظام فهو وعي اولي غير محدد المعالم والحدود فيكون وعيا عشوائيا وعي باللحظة فقط لان لاتاريخ قبله ولا معنى محدد للبعدين الاخرين المستقبل واللا شيئية اللاحقة فعاش أدم في اول وعيه بالكيفية التي تحدث خارج وعيه بالقهرية النابعة من اضطراب حركة الوعي لديه نتيجة النزول من الفردوس الى المكان فكان المكان اول قهريات آدم وأول اشكالاته متحيرا متخبطا لايعي الا خطيئته وماجرته من حاجات جديدة متنوعة لايدري تسلسل الاهمية فيها انها عشوائية مرتبكة لا بد من وعي ما ولو بدأنا بتشكل الكون منذ انكسار الطاقة المظلمة حيث لا يوجد اتجاه ولا زمان ولا مكان ، وإنما عشوائية ،عندها انفتحت نافذة الانتظام والطاقة باتجاه وزمان ومكان، هذا التحول من العشوائية للانتظام أوجد لدينا ما يمكن أن نسميه القوة (الناظمة) ليس العاقلة ولا الخيرة ولا الشريرة!قوانين النظام بالكون ترفض فكرة أن العشوائية تتحول أو تقود إلى نظام بل إن النظام هو الذي ممكن تحويله وتحوله للعشوائية..ولكن النظام لا يمكن أن يكون بداية فهو يحتاج إلى نظام مسبق وهذا يؤدي إلى التسلسل الذي يرفضه وجود الكون ، فلا بد من عشوائية قادت إلى النظام الذي ظهر في شكل الطاقة باتجاه وزمان ومكان بعد أن كانت طاقة مظلمة مسلوبة الاتجاه والزمان والمكان كونها عشوائية!من هنا فالوعي هو باتجاه انتظام الطاقة والمادة فيزيائيا وكيميائيا وبيولوجيا وتلاحمها وتنوعها وتكاثرها في بيئتها الجديدة من الاتجاه والزمان والمكان,ويبقى السؤال من قاد هذا التحول وكيف وأين ومتى ولماذا,انها فكرة خيالية وان كانت ممكنة الحدوث فالتجربة وتكرار التجربة والحاجة الملحة تقود الى الانتظام وهكذا تكونت المجتمعات وتطورت من البداوة حتى مجتمع النتيولوجي الحاضر ولكن بموجب قوانين ومحفزات وعقل وارادة بالملخص بموجب وعي منتظم لا يولد العبث من العشوائية نظام,اذن لابد للرجوع بالاجابة الى الشق الثاني وجود وعي منتظم عاقل عارف متعلم.
لابد اذن من وعي منتظم مدرك لحدود الزمان والمكان ولكن السؤال الاهم من صنع الوعي الاول؟, وكيف ولماذا؟أمامنا افتراضات عديدة اهمها:
1.وجود معلم سابق عن اللاشيئية ومتقدم على الزمن هو الذي صنع بالفوقية تكوين الوعي لآدم ولو باقل الاحتمالات وضعه على اول قانون واول المعرفة وتركه مع القدر ليصنع وعيه بنفسه من خلال الذات المكنونة بالفطرة.
2.عاش آدم يجرب ويجرب وينجح مرة ويفشل في اخرى حتى وصل خط البداية بداية الانتظام وبنى عليه ولكن كيف اهتدى الى خط البداية وكيف ادرك انه الخط الصيح وهذه اشكالية مثيرة ومحيرة.
3.واخيرا تصور جلوس آدم على صخرة وادي عبقر متأملا الوجود الكوني المحيط به ومظاهر العشوائية التي من حوله فقرر ان يصلح الكون فأبتدع المعرفة بوعي وجودي خالص فسن السنن ووضع القوانين فحول العشوائية الى انتظام,والمشكل هنا ما هي محددات الصح والخطأ عنده وكيف تولدت تلك الحدود القياسية وما هو الدليل على قدرته على ابتكار النظام ونحن لهذه اللحظة التاريخية لم نتوصل الى نظام كلي منضبط بالرغم من كل هذا الكم الهائل من المعرفة والتعلم والادراك والحاجة للنظام.
من الموافق للمنطق والعقل والايمان بهما ان الفرض الاول هو الاصوب لبروز الدليل وقوة السند لها لان الله الخالق عندما انزل آدم الارض لم يتركه مع المجهول وهو عدو ثان له مع ابليس وهذا ظلم يتجافى مع العدل الالهي فقد بين له اولا حقيقة وجودة والغاية منه ثم علمه كيف يستدل على الخير والشر ذاتيا ومن خلال الفطرة التي خلطها تكوينيا مع وجوده الصيروري وخط له الخطين واوضح النتائج فكان الله هو المعلم الاول لآدم قبل وعيه ثم تركه مع الوصايا ومع الفطرة ومع الحدود {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }الإنسان3, {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ }البلد10,لقد بين المعلم طريق الخير وطريق الشر وبهما نال آدم العدل من ربه وما عليه الا ان يتبع ما تعلم فلا يخطأ مرة اخرى خطيئة الجنة هذه هي أساسيات الوعي الآدمي وبه سار مع التعلم والتعليم والتفكير يشق طريقه متنقلا من الماضي الى الحاضر تكرارا وتعاقبا حتى اصبح له تاريخ متراكم بالوعي مرتبط باللاشيئية الاولى عبر الزمن الماضي ليصل في لحظة الآن الى المستقبل اللا القدر المحتوم الأشيئية التالية مضخما من وعية متسلسلا بخطواته فلا يولد عنده جديد الا من قديم ولا مستقبل الا من لحظة الان,فليس كل الماضي عيب عنده وان كان فيه ما يعيب الفشل الخسران الظلم القهر ولا المستقبل كله امل وتفأول وجنان فهو يحمل معه النهاية العدمية وهذا ما يحزن الانسان ,بل العيب كله والامل كله في هذه اللحظة في الآن المستعاش فبعد هذا الزمن التاريخي وبعد الهداية وتراكم المعرفة وتذوق الالم والخسران والفشل بعد العلم المنطلق في فضاء الحرية والتقنية الشاملة المتداخلة تجد ان سدس سكان الارض جياع وان نصف السكان تحت خط الفقر ولازالت الحروب والامراض تفتك ببني آدم لمجرد ان هناك مجموعة من الناس تريد ان تبيع الدواء والسلاح وتكتنز الاموال وفي النهاية سنعود جميها الى العهد الاول {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأعراف27,فليس بعد الارض من نزول وقد كثرت خطايانا وعبدنا الشيطان وتركنا وعيننا الايماني لمصلحة وعينا الذاتي الوجودي المادي الذي نعيشه بلا زمن وبلا مكان.
ان فهمنا لدور الوعي في صنع التاريخ وتطويع الزمن يقودنا الى أهمية تعزيز هذا الدور وتنمية مرتكزات الوعي الفردي والجماعي نحو صنع اللحظة لصنع الان المنصرف الى التاريخ فيكون تاريخنا بوعينا وحاضرنا من ذاتية وعيانا الشمولي وليس وعينا المنغلق على ذاته ومنفصل عن الوجود الكلي وعينا المسئول بمعنى المرتبط بالسؤال الى اين نتجه ولماذا نتوجه وماذا نريد تحديدا؟,ان كان وعينا تسوقه الحاجات الانيه المنفصلة عن تاريخنا عن فطرتنا عن المصلحة الشمولية عن كونية الحركة فهو وعي طارئ كاذب ضال ,اما الوعي الذي يدرك الخصوصية الذاتية ويفهم كونية الحركة وشمولية المصلحة ويتفهم حقيقة الزمن بابعاده الخمسه يكون وعيا منطقيا مسايرا للقانون النظامي الذي يستلهم من الزمن التاريخي عبره ومن الحاضر ديناميكيته ومن المستقبل اشراقاته فلا يتقوقع ولا يتحجر ولا ينسلخ عن وجوده التراكمي بل ينطلق بحركة انسيابية مرنة قابلة للتكيف مع المحسوب والمفاجئ قادر على اثبات وجوده والتصدي لكل الطوارق والمعرقلات فلا يمكن للزمن الا ان يحترم وعيا احترم قوانينه وادارها وفق المسحقات وقدر لزمن مكانة الكاشف عن الصوابية والموافقة للضرورات الكلية الشمولية وهي القدر والتقدير والقدرة.
ان الإيمان بهذه المسلمة التاريخية لابد لها من ان تنتج وعيا دينامكيا قادرا على الاستجابة للتحديات المعاصرة ويستلهم منا الحلول والإجابات عن كل التساؤلات والإشكالات التاريخية ومنا إشكالية الوجود وإشكالية التقدير دون ان يترك التاريخ ويتخطى اللامرئي من كونهما عاملان أساسيان في صنعه معتمدا على العوامل التالية.
أولا.الانطلاق من قاعدة الفصل بين محددات الإيمان الأساسية التي نزلت وفق فكر وغاية وفهم الدين وليس وفق ما نعتمده ونتعايش معه من فهمنا للدين والإيمان بذلك نتخلص من عوامل الفرقة والتحجر دون ان نفقد ديننا وإيماننا {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }آل عمران78.
ثانيا.ترتيب المصلحة والمنفعة على أسس أحكام الضروريات والملحات وتقديم الأهم على المهم في بناء المنهج وفق ما اتضح من التجربة التاريخية ومستلزمات الزمن بإبعاده ألخمسه فالغد أهم من اللحظة واللحظة أهم الماضي دون ان نعني بذلك تفريط المستحقات سواء منها التاريخية أو الآنية لمصلحة المستقبل{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }الأنعام132, {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }القصص77.
ثالثا.توقير الحرية باعطاءها المساحة المستحقة لها كراعية للوعي وحاضنة للإبداع وعدم الخوف من تأثير الانفلات والتحرر المفرط لان في النهاية لابد للزائل والغير منضبط ان يتنحى لصالح الأصيل والنافع{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ }يونس108.
رابعا.الاعتماد على التعلم وتطوير مناهجه واعتماد الاستمرارية والمواظبة دون انقطاع لان في ذلك تجديد للمعرفة وعدم التوقف عند تقديس المعرفة فالصالح منها وان كان صالحا في اللحظة والمكان الآن قد لا يكون بنفس المستوى من الصلاحية والأهمية بعد تحرك الزمن وتغير المكان{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7.
خامسا.الاستفادة القصوى من المنهج المعرفي للأخر دون التسليم بصحة المنتج المعرفي إلا بعد دراسة الظروف الفيما حولية وتأثيراتها على إنتاج المعرفة مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل الخصوصية والمتحول والمتغير من عوامل الزمان والمكان والتجربة{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ }يوسف3.
سادسا.الاعتراف بان التقصير في إدراك المتغيرات وقوانين التطور والتحول سببها الظروف السياسية والاجتماعية والابتعاد عن روح الرسالة باتجاه تشخصن الذات الحاكمة ولو كانت هذه الذات هي التي فرضت وبشروطها وبغياب الحرية والحوار أهدافها ورؤاها المعطلة والكابحة للوعي الجمعي ولفظ كل ما من شأنه الإضرار بالمسيرة ونزع القدسية عنها فالقدسية فقط للحقيقة الدافعة والمحفزة للارتقاء بالعمل والفكر نحو العمل الصالح {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى }طه79, {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }فاطر8.
سابعا.الاعتماد على الحوار والاتصال الحر الذي يفتح مسالك النور أمام الأخر وأمام الذات دون الالتزام بجمع الأخر إلى الذات قسرا لا بالممارسة ولا بالهدف وان الكشف ووضع النفس والأخر على مستوى واحد من الخيار والاختيار وهذا وحده كفيل بإعطاء العقل الحرية والمرونة والقابلية الشجاعة في إدراك الصحيح والحسن بعيدا عن القهرية ومجافاة الفطرة التكوينية{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
ثامنا.التركيز على المستقبل كهدف واعتبار لحظة ألان ما هي إلا ركائز له وبالتالي إعطاء أدوات المستقبل حقها في النمو والترعرع لتكون مهيأة له ونخص بذلك الأجيال الواعدة من الناشئة والشباب وزرع الأمل فيهم لأنهم اقرب للتحرر من عوامل الماضي المثبطة ولقدرتهم للتعامل مع المستقبل كونهم أبناء الحاضر لا أبناء الماضي الذي نحن منه وفيه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }الحشر18.
تاسعا. العمل على أنسنة المعرفة والعلم والتعلم لا على علمنة الإنسان والنظر إليه كتابع للمعرفة والعلم وخادم لها وإجباره على ان يكون عنصر في المعادلة المعرفية أو التجربة المخبرية لان ذلك فيه إفقاد وتفقيد لإنسانيته التي هي سر التكوين والوجود الكلي نحو أداء الرسالة. {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء70.
عاشرا.الإيمان بان الزمن لم يفتنا وأننا قادرون على التغير التغيير وعدم الانبهار والتجني على الذات فاليأس والقنوط من أكثر العوامل الكابحة للانطلاق وما عدى ذلكم فيمكن إصلاحه والعمل على تجاوز الواقع المؤلم بالصبر والمثابرة وتحطيم كل العوامل السياسية والاجتماعية البالية نحو بناء وعي الذات وفق المصلحة الشمولية للوجود {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }التوبة105.
من كتاب الايمان نهاية الوعي