الأمة المسلمة من الشكوى العاجزة إلى الوعود الناجزة.

طباعة

إن ربنا تبارك وتعالى أخبرنا في القرآن الكريم عن السابقين بإحسان المقربين المحبوبين عنده ذوي الدرجات العُلى في مقعد الصدق. فهل نهضنا لطلب الزلفى لديه كما نهض من سبقنا بالإيمان ؟ هذا أعظم تحد مستقبلي بين يدينا. إن لم نستيقظ لهذه المَهمة المنوطة بنا، إن لم نشمر على ساعد الجد لنسلك سبل السلام لنيل الأوطار وبلوغ المرام

، إن لم نقم لنقتحم إلى الله عز وجل العقبة، فالخبر صيحة في واد، ونفخة في رماد.

فبين يدينا تحد عظيم، يقول ربنا الكريم: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} ([1]).

و يقول عز من قائل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} ([2]).  

نداء الله عز وجل يُؤَيِّه بنا، وبشرى سيدنا رسول الله r تبشرنا بعودة الإسلام والخلافة على منهاج النبوة وانتشار الإسلام في العالمين، فهي وعد من الصادق المصدوق {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ([3])، وهي كائنة بحول الله {ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} ([4]).

"سَمِعْنَا نِدَاءَ الحَقِّ والحَقُّ ذائـــــعٌ             فأَيْقَظنَا قولُ: اسْتَقِيمُوا وسَارِعُــــــــــوا

أتَانا رَسولُ الله بالأَمرِ صَادِعًـــــــا                     أنِ اقْتَحموا واغدوا ورُوحُوا وصَارعُوا

فما بَلَغَ الغَاياتِ إلا مجاهـــــــــــــدٌ             إلى قِمَّة الإحْسَــان بالعَزْم طـالِـــــــــــــعُ"([5]).

وبشرى أخرى عظيمة لكل تواق للمعالي، ساهر لليالي، يهتز لها كيان الإنسان، ويهتز لها كل ذي لب وشأن، تخبرنا أن لحبيبنا محمد r في آخر الزمان إخوانا، على دين الله أعوانا. ويسعى إليها بالصدق والإخلاص  والجهاد المستمر من رفع الله تعالى همته ليكون من الذين { اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ([6]).

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَr أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  yأَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ r:«pالسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَاi. قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : pأَنْتُمْ أصحابي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُi. فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: pأَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَي خَيْلٍ دُهْمٍ([7]) بُهْمٍ([8]) أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ i. قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ : pفَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ ،أَلاَ لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِى كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلاَ هَلُمَّ. فَيُقَالُ :إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًاi» ([9]).

والحديث البُشرَى يفسر الآية الكريمة من سورة الحشر: ]وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [ ([10]).

"أرأيت المُتَأهلين للأُخوة الشريفة كيف يدعون الله تعالى أن يطهر قلوبهم من الغِلِّ! وهو الحسد وما يسير في ركابه من علل داء الأمم، وما يؤسسه من مرض الغثائية.

ما يحمل أمانةَ التبليغِ آخِرَ هذه الأمة إلا أشباهٌ لمن حملوها مع رسول الله r. إخوان يتبعون الأصحاب بإحسان. فاتهم الأجلةُ العظام بالصحبة المباشرة الكريمة، فعوَّضَ التعلق القلبيُّ والمحبة الخالصة بعض ما فات. والحمد لله محيي الأموات" ([11]).

إن عالمنا اليوم وغدا" ينتظِر رَوْحَ الرحمة التي تنفس عنه كرْب الحضارة المادية الهائمة بلا غاية.الوسائل فيها تعملقت، وتعملق الاختراع والتكنولوجيا، وتقزم الإنسان، وأصبح دابة استهلاكية لا تعرف لنفسها معنى ولا لسعيها الحثيث على الأرض قرارا. الإنسانية تنتظر دين الله الحقَّ يَبْلُغُها خبرُه وسط ضوضاء العالم وجنونه، تنتظر وجه الربانيين تتوسم قسمات الآمال المكبوتة عليه فتستجيب الفطرة المردومةُ المطمورة لنداءِ الشاهدين بالقسط.

التحدي المستقبلي الثقيل في حق الدعوة هو حمل الرسالة لعالم متعطش. وزنُنا السياسي، ولو ثقُلَ بعد زوال وصمة الغثائية، لا يوازي وزننا الأخلاقي الروحي بوصفنا حملة الرسالة الخالدة. بوصفنا مبلغين عن رب العالمين وعن رسوله الأمين. وهو تحدّ لا تقوم له الأمة إن لم يكن التحدي الفردي الذي يُهيب بالمؤمن والمؤمنة أن يتجردا من عبودية النفس والشيطان، وأن يتحررا من سلطان الهوى فيبرَآ من مرض الغثائية وداء الأمم وما ينجر إليهما من آفات، وينبريا تلبية لنداء ]سابقوا[ ليكونا من المقربين، من pإخوانناi" ([12]).

وهذا لا يأتي بحسن الظن بالنفس الأمارة بالسوء، ولا بالخطب الرنانة، ولا بالأماني المعسولة. هذا يأتي بذكر الله تعالى وهو المفتاح الذي يضع في الجهاد سره وكنهه، وهو وقوده الذي يدفع الإنسان إلى الاستشهاد في سبيل الله. ] الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[([13]) يأتي بالافتقار والانكسار والاستغفار، والتفكر الدائم مع أولي النهى ] الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ[ ([14]). يأتي بصحبة الأخيار، والتمسك بسنة النبي المختار، يأتي بالتأسي بالجهاد النبوي الشامل بمكة والمدينة.

ولذلك فلن "يضير المسلمين مكر غيرهم، إنما يضيرهم ما يترتب في القلوب تُراثا وما يعتريها نائبةً من فساد القلوب وغلبة العصبيات وقلة الإيمان وذكر الله الذي به تطمئن القلوب وتطهر وتزكو" ([15]).

إن "الأمة مجموعة متماسكة من الأفراد، وكلما كان الفرد سليما كان بناء الأمة سليما، وكلما كانت أخلاق الأمة قوية نقية كانت اتجاهاتها سليمة وهدفها مستقيما.." ([16]).

والأمة "التي لا تعرف لها هدفا قد تتحرك في موضعها، أو تتحرك في اتجاه مضاد، أو تصيب نفسها وهي تريد إصابة غيرها، إن الطيش يحكمها لا الرشد" ([17]).

وعليه؛ فلابد من تربية أفراد الأمة  الذين يحملون مشروعها في التغيير، والذين يسعون  لتحقيق البشارة النبوية الموعودة، فالتربية "بداية السير، فمتى كانت متينة على هدى من الله كان الجهاد ممكنا، وإن أخللنا في التربية فلا يصح أن ننتظر نصرا من الله"([18]).

وإن  شمولية جهادنا اليوم لن تقوم إلا بتربية لإيمانية شاملة، "وعقيدة لا تعطل قدر الله بتعظيم الأسباب، ولا شرع الله باحتقارها وإهمالها. وإن الذي يناجي ربه بالليل يطلب حسن المعاد والزلفى عند الله فذلك الطلب لبُّ حياته وغايتُها. حتى إذا أصبح في صف الجهاد انبعثت له مسألة ثانية تابعة للأولى مرتبطة بها فهي حسن بهذا الارتباط لا بنفسها، وهي مسألة النصر والخلافة في الأرض. فإن انقلب الميزان، وكان طلب الظهور يمسك بالزمام، فالإيمان في تقلص، والجهاد آئل لمعاني النضال الأرضي، والخلافة المزعومة متردية إلى ملك عاض وجبري فغثائية وانهزام"([19]).

فرُب " صادق بدأ خطواته الجهادية بطفرة إيمانية وحماس موقوت، ما لبث أن اغتالته نفسه وشيطانه، فنسي ذكرَ الله وذكر الآخرة ومحاسبة النفس ومراقبتها و"صَبْرَها" فبلِيَ إيمانُه، وعصرته النفس وأناخت عليه بكلكَلِها، فذهب مع الزبَد، مع المنافقين الذين لا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين" ([20]).

إن مستقبل المحسنين المصلحين مرتبط في غد الإسلام و الخلافة الثانية على منهاج النبي العدنان عليه أزكى الصلاة والسلام،  بمصير أمتهم المستضعفة، المغلوبة على أمرها،  حظهم من الله جل وعلا مرتبط بقوة أمتهم وعزتها ومكانتها بين الأمم،  وخلافتها الموعودة في الأرض، رتبتُهم بين  أهل الله الصالحين المصلحين، العارفين المحبوبين رهن بما بذلوه من جهود ومساعي، لنصرة دين الله حتى تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة أهل الباطل السفلى، وما قدموه من جهاد لتستعيد الأمة المسلمة خيريتها، ولتكون الوارثة في الأرض.

وفي أفق البشارة النبوية بعودة الخلافة الثانية على منهاج النبوة ة على يد الإمام المهدي u  ينبغي أن يكون بناء صرح الإسلام ودعائم دولة القرآن في امتداد النبوة والخلافة الراشدة لا في مسار الملك العاض الذي نسميه اليوم "خلافة" أموية وعباسية وعثمانية افتياتا على سيد الوجود r الذي سماها غير ذلك.

إن الله جل وعلا يبعث الله على رأس كل مائة سنة رجالا ليعيدوا الأمة إلى جادة الصواب،  وليسددوا سيرها على الصراط المستقيم، صراط الله مالك الأرض والسماوات، وصراط الذين انعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين المصلحين، والمجدد الذي تنتظره أمتنا المسلمة اليوم هو الإمام المهدي u فهو وحده بإذن الله تعالى وتوفيقه من يحرر هذه الأمة من حكم الجاهلية ومن الطواغيت ومن الأعداء الذين تكالبوا عليها من كل حدب وصوب.

وهذا من رحمة الله التي لم تترك الأمة المحمدية نهبا للأوهام، أو هملا في الأنام، بل يجدد الله لها الدين ويبعث فيها الأمل، ويصلح لها العمل وفق سنته المطردة في تجديد الدين؛ رغم ما أصاب ويصيب هذه الأمة فإنها في النهاية تبقى أمة الخيرية الشاهدة على الأمم.

 لقد زاغ القطار الإسلامي عن سكته بعد ثلاثين سنة من وفاة سيدنا رسول الله r، فتحول ذلك البناء الشامخ من خلافة راشدة على منهاج النبوة، إلى ملك عاض وجبري، ومن شورى الأمة إلى بيعة الإكراه، ومن العدل إلى الظلم، ومن الأخوة والمحبة إلى الطائفية والقومية وحمية الجاهلية، فوقع انحراف خطير وميل عظيم في سير  القطار الإسلامي على مدى قرون الفتنة.وزاد انحرافه  وميله تماما،إبان الصدمة الاحتلالية الاستخرابية،  وبعد أن جثم  حكام الجبر –المغربين- على صدر الأمة الإسلامية.

فالجهاد المطلوب منا اليوم وفي  هذا القرن الذي سيظهر فيه الإمام محمد بن عبد الله المهدي u الملحق بالقرون الخيرية الثلاثة الأولى؛ أن نعيد القطار المنحرف إلى سكته ووجهته،ونعود –والعود أحمد- إلى المنهاج النبوي لنصلح ما فسد، ونجبر ما انكسر، ونبني من جديد على أسس متينة لا على الأنقاض، مقتدين ومتأسين بجهاد سيدنا رسول الله r وأصحابه y، سائرين على دربهم في التجديد ،  لا على درب الحضارة الدوابية الآخذة في الأفول على مستوى الإنسان.

يقول الله جل اسمه: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} ([21])، إنها سنة الله في وراثة الأرض لمن وفر الشروط.

   يقول ربنا تبارك وتعالى:  ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً﴾([22]). فتح إلهي رباني، غير مقيد بزمان ولا مكان، مستمر إلى يوم القيامة، فكل مرحلة من مراحل التجديد وبشائر النصر، وكل الفتوحات الإسلامية، كلها تندرج في هذا الوعد الرباني.

عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ t، عَنْ النَّبِيِّ  rقَالَ:pبَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌi ([23]).

وعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: p لَا يَلْبَثُ الْجَوْرُ بَعْدِي إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يَطْلُعَ، فَكُلَّمَا طَلَعَ مِنْ الْجَوْرِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنْ الْعَدْلِ مِثْلُهُ، حَتَّى يُولَدَ فِي الْجَوْرِ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ، ثُمَّ يَأْتِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْعَدْلِ فَكُلَّمَا جَاءَ مِنْ الْعَدْلِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنْ الْجَوْرِ مِثْلُهُ حَتَّى يُولَدَ فِي الْعَدْلِ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُi ([24]) وتحقيق العدل كله هو ما وعدنا به سيدنا رسول الله r في زمن الإمام المهدي u.

وعَنْ ثَوْبَانَ  tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ:r pإِنَّ اللَّهَ زَوَى لي الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِى سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِى مِنْهَا...i ([25]) والإمام المهدي u هو صاحب هذا الوعد وسيملك الأرض كلها.

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَt  فِيمَا أَعْلَمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ: pإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَاi ([26]).

وعَنْ نَافِعِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r في غَزْوَةٍ - قَالَ - فَأَتَى النَّبِيَّ r قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الصُّوفِ فَوَافَقُوهُ عِنْدَ أَكَمَةٍ فَإِنَّهُمْ لَقِيَامٌ وَرَسُولُ اللَّهِ r  قَاعِدٌ - قَالَ - فَقَالَتْ لِي نَفْسِي ائْتِهِمْ فَقُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ لاَ يَغْتَالُونَهُ - قَالَ - ثُمَّ قُلْتُ لَعَلَّهُ نَجِيٌّ مَعَهُمْ. فَأَتَيْتُهُمْ فَقُمْتُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ - قَالَ - فَحَفِظْتُ مِنْهُ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ أَعُدُّهُنَّ فِي يَدِي قَالَ: «تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ». قَالَ فَقَالَ نَافِعٌ يَا جَابِرُ لاَ نَرَى الدَّجَّالَ يَخْرُجُ حَتَّى تُفْتَحَ الرُّومُ. صحيح مسلم.وهذه الأمور الأربعة المذكورة في الحديث جاء في أحاديث أخرى أن الذي يقوم بها هو الإمام المهدي رضي الله عنه، فهو الذي يفتح جزيرة العرب وفارس ورومية  والدجال.. وهذا يؤكد أن للإمام المهدي عليه السلام بيعتين الأولى بالمغرب الأقصى والثانية بمكة، ويؤكد كذلك خروجه من المغرب الأقصى في هذا الزمان الذي شاهدنا فيه كل أمارات خروجه...

وقد أصدر المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي الفتوى التالية بشأن المهدي المنتظر والمؤرخة في 31 أيار 1976: "المهدي (عليه السلام) هو محمد بن عبد الله الحسني العلوي الفاطمي المهدي الموعود المنتظر، موعد خروجه في آخر الزمان، وهو من علامات الساعة الكبرى يخرج من المغرب ويبايع له في الحجاز في مكة المكرمة بين الركن والمقام بين باب الكعبة المشرفة والحجر الأسود الملتزم. ويظهر عند فساد الزمان وانتشار الكفر وظلم الناس ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، يحكم العالم كله ويخضع له الرقاب بالإقناع تارة وبالحرب أخرى. وسيملك الأرض سبع سنين وينزل عيسى (عليه السلام) من بعده فيقتل الدجال أو ينزل معه فيساعده على قتله بباب لد بأرض فلسطين.

... وإن الاعتقاد بخروج المهدي واجب وإنه من عقائد أهل السنة والجماعة ولا ينكره إلا جاهل بالسنة ومبتدع في العقيدة". حرر الفتوى: الشيخ محمد المنتصر الكتاني، وأقرته اللجنة المكونة من الشيخ: محمد بن صالح العثيمين، والشيخ أحمد محمد جمال، والشيخ احمد علي، والشيخ عبد الله خياط.

وباستيعابنا لجهاد سيدنا رسول الله r نستطيع أن نفهم حقيقة سنة الله في تجديد الدين -التي تحدث عنها الحديث السابق-، ونجعل أنفسنا أهلا لهذه البشارة، بل نسعى إلى استقبال هذه البشارة النبوية بالتربية الإيمانية والإعداد الكامل حتى نكون أهلا لها، كما استقبلتها أجيال الأمة بعد النبوة والخلافة الراشدة.

إذا تدبرنا الانكسار التاريخي([27]) ومراحله وانعكاساته السيئة على الأمة الإسلامية، لا نجد دواء لجبر هذا الانكسار والشرخ في كيان الأمة، إلا عن طريق عملية تجديد شاملة وكاملة تعيد البناء على المنهاج النبوي الواضح المعالم وبالمنهاج النبوي القرآني السني.

 


 


 ([1]) سورة الحديد:21.

 ([2]) سورة آل عمران:133.

  ([3]) سورة النجم: الآيتان 3-4.

  ([4]) سورة هود: من الآية65.

  ([5]) شذرات، ديوان شعر، الإمام عبد السلام ياسين، ص9.

 ([6]) سورة المائدة: الآية 93.

 ([7]) دهم:الدُّهْمَةُ السواد والأَدْهَمُ الأَسْود يكون في الخيل والإبل وغيرهما فَرس أَدْهَمُ وبعير أَدْهَمُ. لسان العرب، مادة: دهم.

 ([8]) بهم: والبَهِيمُ من الخيل الذي لا شِيةَ فيه الذكَر والأُنثى في ذلك سواء والجمع بُهُم. لسان العرب، مادة: بهم.

 ([9]) صحيح الإمام الإمام مسلم، كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل، ح249.

 ([10]) سورة الحشر،الآية 10.

  ([11]) العدل الإسلاميون والحكم، الإمام عبد السلام ياسين، ص61.

 ([12])العدل، ص62.

  ([13]) سورة الرعد، الآية 29.

 ([14]) سورة آل عمران: من الآية191.

 ([15]) سنة الله، ص207.

 ([16]) أخلاقنا الاجتماعية، الدكتور مصطفى السباعي، ص5.

 ([17]) الطريق من هنا، الشيخ محمد الغزالي، ص75.

 ([18]) المنهاج النبوي، الإمام عبد السلام ياسين، ص14.

 ([19]) مقدمات لمستقبل الإسلام، الإمام عبد السلام ياسين، ص44.

 ([20]) العدل، ص 63.

 ([21]) سورة الأنبياء:105.

 ([22])  سورة الفت بهح: 1-3.

 ([23]) المسند، الإمام أحمد، كتاب مسند الأنصار، باب حديث أبي العالية الرياحي عن أبي بن كعب رضي الله عنه، ح21258.

 ([24]) مسند الإمام أحمد، كتاب أول مسند البصريين، باب حديث معقل بن يسار t، ح 20323.

 ([25]) صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، ح2889. سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء سؤال النبيr ثلاثا في أمته، ح2176.

 ([26]) سنن أبي داود باب ما يذكر في قرن المائة، ح4291. المستدرك، كتاب الملاحم والفتن، ح8592.

 ([27]) أقصد بالانكسار التاريخي ذلك الانحراف الخطير في تاريخ الأمة، وتحول ذلك البناء الشامخ والحصن المتين من خلافة راشدة على منهاج النبوة، إلى حكم عاض ثم جبري تتوارثه الأبناء على الآباء، ويسود فيه الظلم وبيعة الإكراه وشراء الذمم، وبيع الدين بأبخس الأثمان.