أعلم أن الحديث عن حادث جريدة تشارلى فى إهانة مشاعر المسلمين قد يكون متأخرا فلربما كان الأفضل أن نتحدث عنه فى وقت أسبق لليوم، ولكن خشيت أن أتحدث عنه فى خضم غضبى وثورة مشاعرى فأحيد عن الصواب وأجانب الحكمة ولا أرى ما وراء الحدث فأثرت الرويه وأحببت التأنى وإنتظرت إستقرار مشاعرى بعد ثورانها، وكررت إختبار الموقف كاملا لعلى أقارب الصواب وأجانب المبالغة . وخطابى ليس مقصورا على كل مسلم حريص على هويته من المساس ، وإنما خطابى لكل منصف ذى عقل أيا كان موطنه ومعتقده فالإنصاف ليس له موطن إلا فى عقول الرجال
. والقضية لها ثلاثة أطراف أولها هو النبى صلى الله عليه وسلم ولن أتحدث عن فضله فهو معلوم للقاصى قبل الدانى ولا ينكره من دعا إليه ولا من صد عنه فهو كالثريا فى عليائه لا يضره نباح الكلاب، والطرف الثانى هم من يتنادون بالحرية لينالوها لا ليمنحوها، ويصفون أنفسهم بالعلو وغيرهم بالدونيه، هاتكى الأعراض والمقدسات، سالبى الأموال والثروات، يشهد عليهم تاريخهم قبل حاضرهم وكتابهم قبل قرائهم ومثقفوهم قبل جهالهم، لا ينتصرون إلا بخيانه ولا يملكون إلا سلبا، ولن أتحدث عنهم فى سبهم لنبى الإسلام فهم كالتيوس يناطحون الجبال لا أشفق على صخر الجبال من نطحهم ولكن شفقتى على تكسر رؤوسهم . أما الطرف الثالث والذى أرهقنى التفكر فى أحواله وأذهلنى تعريفه بنفسه هو طرف المسلمين، والذى كنت أظنه كثير الأفراد قوى المنعه فوجدته قليل قلة الذهب فى الرمال، فردود أفعال المسلمين لا تنم أبدا عن أنهم أمه تعرف هويتها وتدرك معنى وجودها ومواطن قواها، فقد أظهرت تمايعا فى هويتها لم يكن ليخطر ببالى لولا ذاك.
فمع عدم تيقن أحد قط من هوية الفاعلين حيث لم تتولى أى جهة التحقيق فى الحادث وتدين طرفا أيا كان فقد توجهت أصابع الإتهام مباشرة إلى المسلمين، ورغم تعدد إحتمالات دوافع الحادث من معارضة سياسة ومعارضة فكرية وتنازع مصالح بين الجريدة وأطراف عديدة إلا أن أصابع الإتهام أشارت إلى المسلمين وكأنها بديهة من البديهيات، إستنادا إلى خوف الإرهاب وبإستثارة الصور النمطية ضد كل ما هو إسلامى والتى تم إعدادها مسبقا.
فكثير من أفراد المسلمين قد إنخدع بلعبة الإرهاب ومحاربة الإرهاب ولا يعرف أحدهم حتى تعريف الإرهاب وكيف يوصف طرف بكونه إرهابيا ، فلو أعاد أولئك النظر فى الإرهاب لوجدوا أنه وصفا لا يستخدم الأن إلا كوصف لمن يعارض الأقوى حتى وإن دفع إعتداء، الإرهاب عندهم إنما هو عمل يقوم به الأضعف والذى توصف أعماله ووجوده بالشر المطلق وعدم الأريحية، والطرف الأقوى دائما عنفه هو محاربة للإرهاب وتوصف أعماله وبقائه بالإستقرار والخير المطلق. ولعبة مكافحة الإرهاب إنما هى ملجأ المعتدى لتغطية عنفه بغطاء أخلاقى يحتشد المحتشدون تحت مظلته، فذاك يدعمه وهذا يموله، والأقوى دائما هو من ترتمى وسائل الإعلام تحت قدميه ويقصده القاصدون ويحتمى بقوته منعدمى الهوية والفكر فى صورة أنثويه لا مثيل لها إلا فى عالم الحيوانات والضوارى لا فى عالم البشر أولى النهى.
كثير من أفراد هذا الطرف إنخدع بخداع المعتدى فى تعريفه للحرية وحرية التعبير والرأى، وإنساق إلى خنق المعنى السامى للحرية بحبال الإختيار الشخصى حتى قطعوا علاقات الحرية بإحترام الأخر وإحترام مقدساته بل وإحترام إختياره الشخصى أيضا، الحرية عندهم هى ما أختاروه هم وإن أضروا بغيرهم، الحريه عندهم صارت حرية فى الإعتداء والتطاول، فدنسوا معنى الحرية بدنس الأهواء والإعتداء والتبجح، حتى قالت أفعالهم علانية أنا حر فى الإعتداء عليك وأنت إرهابى فى الدفاع. فإنساق كثير من المسلمين والمفترض أنهم أصحاب الهوية المعتدى عليها إلى أكاذيب من إعتدى حتى أن بعضهم رفع لافتة “كلنا تشارلى” وهى لا تعنى عندى سوى “كلنا مسئ” فلما أهينت هويتهم تبرأوا منها ظنا منهم بأنها الأضعف وإلتجأوا إلى ركن من بدء الإعتداء طمعا فى قوته وإرضاء ومواساة له، ولو علم أولئك بمواطن قوتهم وتحسسوا معالم هويتهم وحفظوا مأثر أجدادهم لزئروا فى وجه المعتدى زئرة الأسد الثائر، صرخة يقولون فيها إن إقتربتم من نبينا جعلنا بلادكم عاليها سافلها ، هذه ليست مبالغة ولكنها واقع فعله أسلافنا فإمتلكوا حريتهم ووهبوها لغيرهم. وإستمرار المعتدى فى إعتداءه يحمل معنى مخذى لأصحاب الهوية الإسلامية بل وللمنصفين من الداعين إلى الحرية، حيث تبين له ضعف شوكتهم وإستسلامهم لإسائته من ردود فعل أولى القوة والسلطة فى البلاد العربية حيث جٌمع أولو النفوذ على صعيد واحد ورفعت الأعلام والرايات واللافتات المسيئة لهويتهم الإسلامية والعربية دون أن ينكر أحد ذلك إلا النادر، فعلم المعتدى أنهم نيام لا يحتمل صوتهم الزئير فتمادى فى إنكاره وإستصغاره لهم وكرر الإساءة بمطبوعات أكثر عددا وإنتشارا.
أعلم أن هناك مخلصين لهويتهم وتراثهم ودينهم يتدورون حزنا على ضعفهم وقلة حيلتهم، كما أعلم أن المنصفين من الناس شعر بإنتكاسة المعنى السليم للقيم ولكن لا صوت له ولا لإنصافه، وإعذروا فى الإنفعال والذى يظهر فى مدولولات معانى المدونة فقد كاد قلبلى يدمع دما من مدلولات الأحداث وترتيبها وتموت الكلمات بعقلى كمدا على حال بلاد المسلمين الذى أضحى لا يرضى أى منصف من أهل الإنصاف، وعلى الحرية التى ضاعت معالمها وتشوهت كغيرها من الفضائل التائهة فى قلوب الناس حتى ضاعت النخوة فى عقول الرجال وماتت الحكمة فى قلوب الكبار.
محمد عادل أبو الخير