الدولة الدينية هاجس يطارد عدد غير قليل من النخب والمثقَّفين المصريين والعرب وبخلفيات متباينة، منها ما يتصل بطبيعة الميلاد والنشأة ونمط التربية والثقافة أو بعدم الدراية والعلم ولكل عذره، ومنها ما يتصل بغياب النموذج القدوة بل وجود نماذج ساذجة وسطحية ومبتورة خصمت من الرصيد الإسلامي أكثر مما أضافت إليه، ولهذا أيضاً عذره. والتطرف بين السلمية والعنف بين التدرج والانقلاب، بل يمارس الإرهاب الفكري والابتزاز السياسي باستدعاء فزاعة الدولة الدينية لتكون أداة الحذف لكل ألوان الطيف الإسلامي المشتغل بالشأن العام والعمل السياسي أو على الأقل إحداث أكبر قدر من الضغوط منعاً للتمدد المبهر لهذا التيار في المجتمعات العربية.
لكن تبقى الإشكالية أو المعضلة في الفريق أو التيار الذي يأخذ موقفاً معادياً من الفكر والنظام الإسلامي بصفة عامة والإخوان بصفة خاصة، ويضع كل ألوان الطيف الإسلامي في سلة واحدة، لا يفرق بين الوسطية
هذا الفريق " الليبراليون الجدد "الذي رفع شعارات الحرية والعدل والديمقراطية ثم كان منه ما كان حين أصابه الخرس عن كل ممارسات الاستبداد والفساد وانتهاك حقوق الإنسان خاصة ضد التيار الإسلامي فلم ينزعج من تزوير الانتخابات وكثرة الاعتقالات ولا تحويل المدنيين للقضاء العسكري أو تعطيل أحكام القضاء بل كان المزيد من التحريض وسكباً للزيت على النار، وحين انحاز للمشروع الصهيوأميركي في موقفه من قضايانا المركزية بل كان أكثر غلواً عندما تطابقت رؤيته مع الرؤية الصهيونية في تصفية القضية الفلسطينية وتبرير المواقف الهمجية والبربرية للكيان الصهيوني والإدارة الأميركية بحجة أن المقاومة هي التي استفزت الصهاينة، وحين هلل للتعديلات الدستورية التي سنت خصيصاً لإزاحة الإخوان بإلغاء الإشراف القضائي (الضمانة الوحيدة لنزاهة الانتخابات) على الانتخابات وتأثيم خلط الدين بالسياسة ومنع ترخيص أحزاب بمرجعية إسلامية.
وحين تجاهل عن عمد رؤية الإخوان وغيرهم من التيارات الإسلامية التي تؤكد مدنية الدولة المتفقة وثوابت الأمة وأن الفكر والفقه الإسلامي لا يعترف بالدولة الدينية بالمفهوم الغربي القديم؛ حيث سيطرة رجال الدين على مقدرات وموارد وعقول وإرادة الأمة ولا الدولة اللادينية بالمفهوم الغربي الحديث؛ حيث حالة العداء ليست مع الأديان بل مع رب الأديان، فالدولة في الإسلام مدنية، تحترم وتعتبر الإنسان ككيان متكامل روحًا وعقلاً وجسدًا وليست دولة تختصم القيم والعقائد والشعائر "تعطل الصيام لأنه يقلل الإنتاج "والدولة في الإسلام الكلمة العليا فيها للشعب والقانون والمؤسسات وليست لمجموعة من المغامرين الجدد أصحاب الثروة الذين زوروا إرادة الأمة ونهبوا ثرواتها واحتكروا مواردها وأفسدوا ذمم وأخلاق أبنائها ،الدولة في الإسلام يحكمها أحد أبنائها جاء بالانتخاب الحر المباشر ليتحمل المسئولية القانونية والشرعية يحاسبه شعبه ويخشى هو حساب الله يوم القيامة يقول كما قيل من قرون "لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله لما لم أمهد لها الطريق"، وليست لحاكمٍ يأتي بالتزوير يملك صلاحيات وسلطات لا يملكها البشر فيهمش المؤسسات ويعطل القانون ويحبس المعارضين ويقرب الموالين ويأمم الشركات ويصادر الأموال! لا يحاسبه أحد ولا يسائله أحد!
هذه هي الدولة القائمة الآن! فهل هي المدنية التي يريدون؟! أم أن الهدف هو إزاحة الإخوان وليأتي أي بديل حتى ولو كان الشيطان؟ أو كما قال الدكتور مصطفى الفقي "على الشعب أن يختار بين الاستبداد والفساد - الحزب الحكم – وبين الأصولية والتطرف"! أليس من الأولى أن تطرح الأفكار ويترك الخيار للشعب؟ أم أن الوصاية على أراء واختيار الشعوب من مظاهر الدول المدنية؟!
محمد السروجي \\ مدير مركز الفجر للدراسات والتنمية