الجاحظ

الجاحظ)) الجاحظ هو أبو عثمان عمرو بن بحر الملقب بالجاحظ لجحوظِ عينيه ولد في البصْرة نحو سنةِ 775م /159هـ توفي والده وهو بعد حديث السنِّ ،ولما شبَّ وتفتحَ ذهنه طلبَ العلمَ برغبةٍ شديدة رافقته طيلة حياته ،وأقبلَ على الكتب يطالعها بكدٍّ كيفما حصلت له،وكانت البصرة مسقطُ رأسه أكبرَ حواضر العلم والأدب بعد بغداد في ذلك العصر ،حيثُ يجتمع في مسجدها طائفةٌ حسنةٌ من العلماء وأرباب الأدب والنحو واللغة وعُرِفوا بالمسجديين  فأقبلَ إليهم الجاحظُ ينهل من علومهم الكثير الكثير بفضل ذكائه المتوقد وحافظته القوية ،وما أن أيفعَ حتى تلقى الفصاحةَ وأساليب التعبير شفاهاً عن خطباء العرب في المربد حيثُ ألفَ التردد إليه منذ حداثته،وكانَ إضافةً إلى ذلك يكتري دكاكين الوراقين ويبيتُ فيها للمطالعة،ولمَّا كبُر واجتمعَ له قدرٌ صالحٌ من العلم قصد بغدادَ واتصلَ بالكبار من رجال الدين وعلماء اللغة فأخذَ اللغة عن الأصمعي وأبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة معمر بن المثنَّى ،وأخذ النحو عن الأخفش ،والحكمةَ عن صالح بن جناح اللخمي ،واخذ علمَ الكلام عن النظّام إبراهيم بن سيَّار البلخي ،وتردد إلى مجالس الأدباء كأبن وهب وابن الزيَّات فوجد عندهم -على ما قال هو نفسه – ما لم يجده عند مشايخه الذين اخذ عنهم الشعر والأدب 0وأما منزلة الجاحظ بين الكتَّاب فهو يُعَدُّ رأس المدرسة النثرية الثانية في الأدب العربي حيث كان ( عبد الحميد) مع (ابن المقفع) رأس المدرسة النثرية الأولى ،لقد كلن الجاحظ صورة صادقة لعصره وبيئته فهو شبَّ في عصر الرشيد ونبغ في عهد المأمون ،وقد امتازَ عصره بحرية الفكر فصوَّر الجاحظُ تلك الحرية بواقعيتها وظهر ذلك في انطلاق أسلوبه ولغته ،وكما مثَّل حرية الفكر في عصره مثَّل أيضاً نتيجةَ تلك الحرية من تشعُّب الحركة الفكرية ،وانطلاق العلوم واتساع الآفاق والبحثِ العلمي الذي يعتمد العقلَ أساسا له 0لقد كان للجاحظ أثرٌ هامٌّ في الأدب العربي فكانت شخصيته الأدبية مقربة إلى أدباء عصره وبعد عصره ،وكان له فضلٌ كبيرٌ على الأدب العربي فقد قرَّبَ الفلسفة والعلوم إلى كلِّ ذهن وصاغها صياغةً أدبية حيث جعل اللغةَ العربية لغة الحياة تنطق بكلّ علمٍ وتعبرُ عن كلِّ فن 0 عمِّرَ الجاحظُ طويلاً ولمَّا ثَقُلتْ عله وطأةُ السنين ووهنتْ قواه أُصيبَ بفالج نصفي فعادَ إلى البصرة حيثُ لزم بيته ،فهرع العلماء والأدباء لزيارته وكان المُبَرِّدُ صاحب كتاب (الكامل ) من زوَّاره وتفاقم عليه المرض فأصيب بداء النقرس إضافة إلى ما فيه من مرض الفالج ،توفّيَ سنةَ 868م/255هـ حيث انهالت عليه الكتب وهو جالس يطالع فيها فقضت عليه وبذلك اطفأ مصباحٌ منيرٌ وهاجٌ من مصابيح العلم والمعرفة الذي ما يزالُ له قيمته الأدبية والفكرية إلى عصرنا هذا0ومن آثاره الهامّة كتابه ( البيان والتبيين ) هو كتاب في الأدب يتضمّنُ مختارات من الأدب من آيةٍ قرآنية ، أو حديث أو شعر أو حكمة أو خطبة ممزوجة بما له من آراء في مسائل مختلفة منها البلاغة والتي كان يمزجها بالأدب والتاريخ فهو يذكر ماهية البلاغة ونعمة الفصاحة ثم يتعرَّض لعيوب اللسان والعي1 ،كاللحن2 ،واللكنة3 ،والفأفأة4 ،والتمتمة5 والتشديق6، والتقعير7 ،والتعقيب8 ويُلحق بالبلاغة أيضاً الكلام عن الخطابة وعيوب الخطيب من نحنحة وسعلة ،وعلاقة الأسنان بالخطابة ويُلحق بالبلاغة أيضاً ما يرجع إلى موسيقى الكلام من حروف وألفاظ متنافرة من سجعٍ وما إلى ذلك ،وأما ما يرجعُ إلى الأدب فأورد الكثير من كلام العرب في العهد الراشدي والأموي والعباسي من شذرات مأثورة منتقاة من خطب بليغة0 وأما ما يرجع إلى التاريخ فثير من أخبار الخطباء والعلماء والأمراء والكهَّان والنسَّاك وغيرهم 0 وأما قيمة الكتاب فتظهر فيه نزعة الجاحظ العربية حيث يردُّ على الشّعوبية ،ويُكْثِرُ من إيراد ما للعرب من مظاهر البلاغة وكذلك يضيف إلى الثقافة العربية الواسعة عناصر مختلفة مما تقدمه من الثقافات الأخرى كاليونانية والفارسية والهندية وغيرها حتى ليمكن القول بأن الكتاب مزيجٌ من ثقافات مختلفة تغلبُ عليها الثقافة العربية ، وأما قيمة الكتاب الأدبية فله قيمةٌ حقيقية جعلت له مكاناً خاصاً بين أصول الأدب وأركانه حتى قال ابن خلدون : (( سمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أنَّ أصول الأدب وأركانه أربعةُ دواوين وهي (أدب الكاتب لابن قتيبة) و (كتاب الكامل للمبرِّد )و وكتاب البيان والتبيين للجاحظ) و ( وكتاب النوادر لأبي علي القالي) وما سوى هذه الأربعة فتَبَعٌ لها وفروعٌ منها )) ولقد عبّرَ الجاحظُ في في كتابه عن مستوى الثقافة في عصره حيث بلغت الأوج من خلال تلاقح الثقافات المختلفة الوافدة عن طريق الترجمة التي كانت ناشطةً جدّاً في ذلك العصر مثل الفارسية والهندية واليونانية وذلك تحت المظلة العربية التي استوعبت هذا الكمَّ الهائلَ من الأفكار وصهرتها في بوتقتها ثم سكبتها ثقافة مطبوعةً بالطابع العربي الأصيل ويُعْتَبرُ كتاب ( البيان والتبيين ) كما وصفه القدماء نقطةً بارزةً من النقاط المضيئة في تاريخ الفكر الإنساني0 -------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- 1- العيُّ : الحصرُ في النطق أي عدم الإفصاح 2- اللحن: الخطأ في الإعراب 3- اللكنة: الثّقلُ في اللسان 4- الفأفأة: الإكثار من الفاء في الكلام والتردد فيها 5- التمتمة: التعجيل في الكلام من غير إفهام 6- التشديق: هو أن يلوي المتكلم شدقه للتفصُّح 7- التقعير: إخراج الكلام من الحلق 8- التقعيب: إخراج الكلام من قعر الحلق

Please publish modules in offcanvas position.