إن تزكية المتعلمين وتعليمهم هو الهدف الأعلى للعملية التعليمية. وعلى هذا فإن العمل الأساسي للمعلم يتعلق بصورة أساسية بمدى معرفته للخصائص الطبيعية والانفعالية والنفسية لهؤلاء المتعلمين, والتي تتغير بتغير المراحل العمرية.
تعريف المراهقة لغوياً :
كثيراً ما يربط المعلمون والناس عموماً عندنا بين لفظ المراهقة والإرهاق, فيقولون إن هذه المرحلة العمرية سميت بالمراهقة لأنها فترة مرهقة ومتعبة للفرد نفسه ولمن حوله. وهذا خطأ في الفهم, فلفظ المراهقة يرجع إلى الفعل راهق, ويعني الاقتراب من كذا. فراهق الغلام فهو مراهق أي قارب الاحتلام, ورهقت الشيء رهقاً قربت منه. والمعنى هنا يشير إلى الاقتراب من النضج.
وفي علم النفس: المراهقة تعني مرحلة الابتعاد عن الطفولة والاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي. ولكنها ليست النضج نفسه, لأن الفرد لا يصل إلى اكتمال النضج إلا بعد سنوات عديدة من مراهقته قد تصل إلى 9 سنوات.
وفرق كبير بين أن نتعامل مع المراهق على أساس أنه يمر بمرحلة عمرية مرهقة له ولنا وبين أن نتعامل معه على أنه يقترب من النضج والرشد. ولذلك فمن المهم جداً لكل معلم أن يعرف الخصائص التي تميز هذه المرحلة العمرية, لأن معرفتها تساعدها على معرفة أحسن الطرق للتعامل مع هذا المراهق, وتجنبه كثيراً من سوء الفهم الذي يسبب المشاكل له ولطلابه المراهقين. وسأعرض عليكم أهم الخصائص لمرحلتي المراهقة المبكرة والمتوسطة:
1 ـ الخصائص المميزة لمرحلة المراهقة المبكرة (12 إلى 15 سنة):
ـ الخواص الطبيعية:
1ـ سرعة النمو الجسمي في هذه المرحلة, ويستمر هذا النمو لفترة أقصاها 18 سنة عند البنات, و20 سنة عند الذكور.
2 ـ توجد فروق واضحة في توقيت النمو, حيث تسبق الإناث الذكور بشكل مؤقت, ثم يقفز الذكور قفزة مفاجئة عند البعض فيزيد الطول والوزن في سنة واحدة, وقد يتأخر عند آخرين فيسبب لهم حرجاً شديداً.
3ـ اهتمام الأنثى بالمظهر بشكل أكبر بكثير من الذكور.
4ـ شعور بعض المراهقين بالحرج الشديد والألم, سواء لتقدم نموهم على غيرهم أو تأخره, أو بسبب نموهم بشكل يختلف عما في مخيلتهم للشكل المثالي.
5ـ انخفاض في مستوى التحمل الجسمي والعقلي, وذلك بسبب الصغر النسبي في حجم القلب والذي لا ينمو بنفس معدل النمو العام.
ـ الخواص الانفعالية:
1 ـ التذبذب في تصرفات المراهقين, فهم في مرحلة بين الطفولة والشباب.
2 ـ ظهور تناقض في المشاعر نحو نفس الشيء, فمرة هناك حب لشيء ثم كره له, أو اكتئاب وانشراح , تدين وإلحاد....إلخ وقد صدق وصف ماركس لهذه السن عندما قال:" يمكن للمرء فيها أن يقوم بأنبل التضحيات أو بأحط الأعمال!"
3ـ حدة الطبع, ولا يسهل توقع تصرفاته ويرجع ذلك في جزء منه إلى التغيرات البيولوجية المصاحبة للنمو الجنسي والصراع النفسي في البحث عن الهوية.
4ـ تكثر إنفجارات الغضب عند المراهقين في هذه المرحلة, ولهذا أسباب كثيرة (الغذاء, التعامل الأسري, التعامل في الصف, القلق والتعب .....)
5ـ يسعى المراهق لتكوين شخصية مستقلة. وقد يتميز بعض المراهقين بالعناد والإصرار على رأي واحد, وقلة الصبر, وكلها أمور ترجع بالدرجة الأولى لرغبته بتحقيق الذات المستقلة.
6ـ الخيال الواسع الخصب, والشرود والاستغراق في الخيال والمبالغة في التصورات وتقدير الإمكانات. وللاستغراق في التخيل فوائد ومخاطر كثيرة درسها المختصون وأسهبوا في وصفها وتحليلها.
ـ الخواص العقلية:
1ـ بدء مرحلة التفكير المجرد وممارسة التصور العقلي(بعد أن كان الطفل يعتمد على التفكير العيني)
2ـ مرونة التفكير وتجديده, ونضج القدرات المهارات والنمو العقلي.
3ـ تمايز القدرات الخاصة للمراهقين.
4ـ تنامي قدراتهم على الانتباه والإصغاء, ولكن يكثر بينهم الانسياق نحو أحلام اليقظة والتخيلات والبطولات.
5ـ تنامي قدراتهم على التذكر الناتج عن الفهم الاستنتاج.
6ـ اهتمام بعض المراهقين بإشباع الحاجة إلى المعرفة وحب الاستطلاع بقراءة قصص العنف والقصص البوليسية والجنسية.
ـ الخواص الاجتماعية:
1ـ يتعزز شعور جماعة الأصدقاء باستقلالها, وإلحاحها في كسب الإعتراف بها.
2ـ يهتم المراهق بما يكنه الآخرون له من مشاعر الحب والاحترام.
3ـ تأخذ المشاجرات طابع العنف استخدام أساليب غير مرغوبة ضد الآخرين.
4ـ تتقدم الإناث في السلوك الإجتماعي على الذكور ويملن للتحدث مع الذكور الأكبر سناً, وهنا قد يحاول بعض الذكور التشبه بالكبار للفت أنظار الإناث.
5ـ تنامي النزعة إلى الاستقلال والاعتماد على النفس, والميل إلى القيادة, والميل لى الجنس الآخر وضيق الصدر بالنصائح واعتبار رأي جماعة الأصدقاء مصدراً رئيسياً للقواعد العامة.
بعض التطبيقات التربوية للتعامل مع مراهقي هذه المرحلة العمرية (12 ـ 15 سنة):
1 ـ إعداد المراهقين للنضج الجسمي والتغيرات الجسمية التي تطرأ في هذه المرحلة.
2 ـ الاهتمام بالتربية الصحية للمراهقين.
3 ـ تجنب المقارنة بين الطلبة.
4 ـ تشجيعهم على ممارسة النشاطات الصفية واللاصفية وتعزيز الثقة والتعبير عن الرأي.
5 ـ متابعة سلوكيات الطلبة غير المرغوبة من أجل العمل على تعديلها.
6 ـ تشجيع الخيالات المفيدة, وتشجيع الإبداع والابتكار.
7 ـ مراعاة الفروق الفردية
8 ـ توجيه الطلاب نحو القراءة وحب الاستطلاع, وتنمية المواهب.
9 ـ الاهتمام بتنشئة المراهقين وتزويدهم بالحقائق والمعلومات المقنعة, والتي تثبت إيمانهم وتحميهم من الشك والإلحاد والخروج عن قيم المجتمع.
2 ـ الخصائص المميزة لمرحلة المراهقة المتوسطة (15 إلى 18 سنة):
ـ الخواص الطبيعية:
1 ـ تباطئ سرعة النمو الجسمي, وزيادة الطول والوزن, وتصل معظم الإناث إلى مرحلة النضج الجسمي, بينما يستمر بعض الذكور في النمو.
2 ـ تظهر الفروق الفردية في النمو الجسمي بين الجنسين, فيزداد الطول عند الذكور, ويتفوق الذكور على الإناث في القوة العضلية والجسمية.
3 ـ يعلق المراهقون في هذه المرحلة أهمية كبرى على النمو الجسمي, ويكثر اهتمامهم بالمظهر, ويصبح المراهق أكثر اهتماماً بجسمه والتغيرات السريعة الحاصلة له.
4 ـ يكوّن المراهق صورة مثال عن ما يتمناه من الطول والوزن, وقد يعاني بعض المراهقين من الضيق والقلق وبعض المشاكل النفسية بسبب عدم انطباق جسمه الحقيقي مع الصورة المثال التي يتمناها.
ـ الخواص الانفعالية:
1 ـ تكون الانفعالات قوية ومصحوبة بحماس كبير, كمشاعر الحب, ويتمثل ذلك في الميل نحو الجنس الآخر, وما يرافقه من مشاعر الفرح والسرور عند الشعور بالقبول والرضا من الطرف الآخر.
2 ـ يكون المراهق ذا حساسية انفعالية تتأثر بعوامل عدة (العجز عن إشباع الحاجة إلى الحب من الجنس الآخر, العجز المادي, العجز عن تحقيق توقعات الكبار في السلوك أو النضج.........) ولا يستطيع المراهق التحكم في المظاهر الخارجية لهذا الانفعال, وخصوصاً عندما يشعر أن طريقة معاملة الآخرين لا تتناسب مع ما وصل إليه من نضج وتغير.
3 ـ الغضب الذي ينتج عن الصراع ما بين اعتداد المراهق بنفسه ورغبته بالاستقلال وبين خضوعه للمجتمع الخارجي وضغوطاته. ويعبر المراهق عن غضبه بطرق كثيرة (لفظية, تعبيرية كالعبوس, عنف وعدوان.....) ولهذا الغضب مسببات كثيرة منها شعوره بأن الآخرين لا يفهمونه, وكثرة الضغوط الاجتماعية عليه, وتعرضه للإساءة, وشعوره بالحرمان والظلم, وكثرة فشله وإحباطه.
4 ـ تتميز هذه المرحلة بثنائية المشاعر ( الإعجاب والكراهية, الانجذاب والنفور....)
5 ـ يلجأ المراهق في هذه المرحلة إلى تعويض الفشل الذي يشعر به في تحقيق طموحاته من خلال القيام ببعض التصرفات والممارسات السلبية كالغضب والتمرد والثورة, أو كالتدخين والمخدرات وشرب الخمر وغيرها من الانحرافات الأخرى. وقد يلجأ إلى الانطواء والحزن والاكتئاب.
ـ الخواص العقلية:
1 ـ يزداد نمو القدرات العقلية, وخصوصاً القدرات اللفظية والميكانيكية وسرعة الإدراك, ويظهر كذلك الإبداع والابتكار.
2 ـ المراهق يكون في هذه المرحلة أقرب إلى النهاية العظمى في قدراته الفكرية ولكن تنقصه الخبرة والتجربة.
3 ـ يميل المراهق في هذه السن إلى كتابة المذكرات للتعبير عن نفسه, ويميل كذلك إلى كتابة الشعر والقصص القصيرة, ويرى أن إنتاجه يستحق أعلى تقدير. (كثير من طلابي يعرضون علي إنتاجهم الأدبي, ويرون أنهم بلغوا به أعلى الدرجات رغم قلة خبرتهم ومهارتهم, ولكن العناية بهذا الإنتاج تعرفنا على طريقة تفكير هؤلاء الطلاب واهتماماتهم, وتجعلنا أكثر معرفة بهم, لذلك يجب تشجيعهم والعناية بإنتاجهم).
4 ـ يزداد اهتمام المراهق بمستقبله التربوي والمهني.
5 ـ تزداد حاجة المراهق إلى بناء وتطوير حياته وفق قناعاته الخاصة فيما يتعلق بالدين والأخلاق والأفكار الأخرى.
ـ الخواص الاجتماعية:
1 ـ تتضح لدى المراهق الرغبة في تأكيد الذات والميل إلى مسايرة الجماعة (اختيار المبادئ والقيم, تكوين فلسفة حياة خاصة, البحث عن القدوة)
2 ـ تسيطر على المراهق في هذه المرحلة معايير الأصدقاء, فتزداد الهوة اتساعاً بين عالم المراهقين وعالم الكبار.
3 ـ يظهر لدى المراهق الشعور بالمسؤولية الاجتماعية, ويميل بعض المراهقين إلى الزعامة والقيادة, وتنمو عند المراهق كثيرٌ من الاتجاهات الاجتماعية المرتبطة بالوطن والطبقة الاجتماعية والاقتصادية والجنس والدين.......إلخ.
بعض التطبيقات التربوية للتعامل مع مراهقي هذه المرحلة العمرية (15 ـ 18 سنة):
1 ـ استثمار طاقة المراهقين في أوجه النشاط المختلفة, واستثمار أوقات فراغهم بما هو مفيد ونافع, وتنمية هواياتهم, وتوفير فرص النشاطات الجماعية.
2 ـ نشر الثقافة الصحية بين المراهقين, وخصوصاً الثقافة الجنسية بطريقة علمية مبسطة, فالتفكير بالأمور الجنسية والعاطفية تشغل حيزاً كبيراً من تفكير المراهق, وليس من الحكمة تجاهل هذا أو ترك المراهق عرضة للوقوع في الخطأ بسبب جهله ورغبته الملحة في المعرفة
3 ـ توسيع مجالات التجريب والممارسة العملية للمراهقين.
4 ـ تبادل الحوارات والمناقشات لتنمية الذات وتحقيق الاستقلالية, وتنويع هذه المناقشات لتشمل الدين والسياسة والاجتماع.
5 ـ تشجيع المراهق على التعلم الذاتي من خلال الرجوع للمراجع والكتب والاستعانة بالحاسوب لتعزيز ثقته بنفسه, ولتأهيله للتعليم الذاتي المستمر.
6 ـ الاهتمام بالنمو الانفعالي للمراهق, وتفهم متطلبات هذه السن وتقديرها, والتعامل معه بصبر وسعة صدر, مع العناية بصراعات المراهق الكثيرة.
7 ـ التعامل مع المراهق باحترام, وتفهم اعتداده بنفسه, واعطائه الفرصة للتعبير عن نفسه, وعدم احتقاره أو تحقيره, أو مخاطبته بطريقة جارحة خصوصاً أمام الآخرين.
وختاماً أنقل لكم هذه التوجيهات المهمة التي قدمتها الدكتورة منى يونس الخبيرة الاجتماعية للتعامل مع المراهق حيث تقول:
" إياكم أن تنتقدوهم أمام الآخرين، وأنصتوا لهم باهتمام شديد عندما يحدثونكم، ولا تقاطعوهم، ولا تسفهوا آراءهم".
وتدعو الخبيرة إلى تجنب مخاطبة المراهقين بعدد من العبارات المحبطة بل والمحطمة، مثل: ( أنا أعرف ما ينفعك، لا داعي لأن تكملي حديثك.. أستطيع توقع ما حدث، فلتنصتي إليّ الآن دون أن تقاطعيني، اسمعي كلامي ولا تناقشيني، يا للغباء.. أخطأت مرة أخرى!، يا كسولة، يا أنانية، إنك طفلة لا تعرفين مصلحتك).
وتقول الخبيرة الاجتماعية: " لقد أثبتت الدراسات أن عبارات المديح لها أثر إيجابي في تحسين مستوى التحصيل الدراسي لدى أطفال كانوا يعانون من صعوبات التعلم ونقص التركيز".
و تضرب الدكتورة منى مثالاً ببعض عبارات المديح المحببة إلى قلوب الأبناء والبنات من المراهقين مثل: (بارك الله فيك، ما شاء الله، رائع، يا لك من فتاة، أحسنت، لقد تحسنت كثيراً، ما فعلته هو الصواب، هذه هي الطريقة المثلى، أفكارك رائعة، إنجاز رائع، يعجبني اختيارك لملابسك، استمر، إلى الأمام، أنا فخور بك، يا سلام، عمل ممتاز، لقد أحسست برغبتك الصادقة في تحمل المسؤولية، أنت محل ثقتي، أنت ماهر في هذا العمل،... ).
احرصوا على استعمال أساليب التشجيع والثناء الجسدية، مثل ( الابتسامة، الاحتضان، مسك الأيدي، اربت على كتفه، المسح على الرأس،.... ).
وتختتم الخبيرة الاجتماعية الدكتورة مُنى يونس، حديثها بمراعاة عدد من القواعد والتوجيهات العامة في التعامل مع الأولاد في مرحلة المراهقة، أختار لكم منها:
• اهتم بإعداده لمرحلة البلوغ، وضح له أنها من أجمل أوقات حياته.
• اشرح له بعض الأحكام الشرعية الخاصة بالصيام والصلاة والطهارة بشكل بسيط.
• أظهر الاهتمام والتقدير لما يقوله عند تحدثه إليك.
• اهتم بمظهره، واترك له حرية الاختيار.
• امدح أصدقاءه ذوي الصفات الحسنة مع مراعاة عدم ذم الآخرين.
• شجِّعه على ممارسة رياضة يحبها، ولا تفرض عليه نوعًا معينًا من الرياضة.
• اقترح عليه عدَّة هوايات، وشجِّعه على القراءة لتساعده في تحسين سلوكه.
• كافئه على أعماله الحسنة وتجاهل تصرفاته التي لا تعجبك.
• تحاور معه وحادثه كصديق مقرب, وحاول الوصول إلى قلب المراهق قبل عقله.
• الابتعاد عن الأسئلة التي إجاباتها نعم أولا، أو الأسئلة غير الواضحة وغير المباشرة.
• العيش قليلاً داخل عالمهم لنفهمهم ونستوعب مشاكلهم ومعاناتهم ورغباتهم.