من المعلوم أن نظرية القراءة لم تكتمل بعد إلى الآن ، كما أنها تسير في طريق أن تستقل بذاتها كما حدث لغيرها من النظريات. و فعل القراءة كما هو معلوم سلوك غريزي عند الإنسان منذ القدم ، و له ارتباط بعلوم أخرى نذكر منها علم الجمال ، و علم النفس ، و علم الاجتماع.
إن استهلاك أي نص
لا يمكن أن يتحقق بعيدا عن هذه القاعدة الأساسية ، و لعل العديد من العلماء ، قد ذهبوا إلى أبعد حد في حديثهم على أن إنتاج النص و استهلاكه كان دائما متلازمين ، و غير منفصلين عن عملية القراءة ، و هو ما يطلق عليه مصطلح "جمالية التلقي". كما تجدر بنا الإشارة إلى أن نظرية التلقي لم تكن تعرف هذا المصطلح إلا مؤخرا ، و نعني هنا مصطلح "جمالية التلقي".
لقد أهملت الكتب النقدية الاهتمام بمستهلك النص القارئ ، و كان اهتمامها الكبير منصبا على منتج النص (المبدع) ، ثم انصب اهتمامهم على النص. كما لوحظ غياب الحديث عن مستهلك النص سواء عند العرب أو عند غيرهم كاليونانيين ؛ إذ لا يجد الباحث ما يشير إلى ذلك الاهتمام بهذا الطرف الفاعل في العملية القرائية.
لقد اكتسب فعل القراءة بعدا جماليا و قيمة حضارية في سياق الحضارة العربية الإسلامية خاصة بعد نزول أول سورة إبراهيم و هي «اقرأ...» من سورة العلق. لقد كان الاهتمام بفعل القراءة منصبا على نص واحد و هو النص القرآني ، ثم شمل تفسير الأحاديث (الفقه) ، و لم يصل فعل القراءة في المجال الأدبي إلى مرحلة النضج و التميز.
إن القراءة كممارسة كانت موجودة منذ الأزل ، و لكن كفعل مؤصل له قواعده لم يكن حاضرا ؛ ذلك أن البحث كان مقصورا على جمع المعلومات فحسب ، فلم يكن ينشد المتعة و استنباط ما ينطوي عليه النص المقروء من خصوصيات. و لا ريب أن عنصري المتعة و الاستمتاع يكتسيان أهمية قصوى في نظرية القراءة.
و قد تنوعت الآراء حول جمالية التلقي ، و ذلك الوقع الجمالي الذي تتركه في نفس القارئ ، و لكل من هؤلاء العلماء و جهة نظره نحاول أن نعرج على نموذجين منها كما يأتي:
فقد اهتم "ياوس" في صياغة نموذجه طريق تطويره لمصطلح "الأفق" إلى ما أسماه بـ "أفق التوقعات" أو "أفق الانتظار" ، و هو مبدأ أساسي في صياغة نظريته ، كما يعرف هذا المصطلح بأنه: نظام من العلاقات أو جهاز عقلي يستطيع من خلاله فرد افتراضي أن يواجه به أي نص.
و يربط "ياوس" في نظريته بين عملية التلقي و أفق الانتظار ، و أن المتلقي بناء على هذا الأفق يعيد بناء توقعاته ، و من ثم يمكن قياس أكثر الأعمال و مدى وقعها الجمالي على أساس الأفق الذي تم استخلاصه من هذه الأعمال.
و أما "أيزر" فإن منطلقه كان من سؤال كيف يمكن أن يكون للنص معنى لدى القارئ؟ و هو بذلك يقيم إستراتجيته على ثلاثة عناصر هي كما يأتي:
1ــ النص: الذي يفرض حضوره بالقوة ، و يدفع القارئ إلى ملء فراغاته.
2ــ فحص عملية مراجعة النص في القراءة بما تنتجه من صور عقلية أي "عملية بناء الموضوع الجمالي".
3ــ فحص الشروط التي تلمح بالتفاعل القائم بين النص و القارئ ، و تضبطه ، و ذلك في نظرية ما يسمى بالاتصال. و منه فالنص عند باحثنا ينطوي على جانبين هامين هما:
أ ــ الجانب الفني: و هو ذلك المتعلق بإنتاجية النص ، و يفرضها صاحب النص(المبدع).
ب ــ الجانب الجمالي: و يتمثل في تحول النص المقروء إلى نص آخر منجز من قبل القارئ.
كما أن "أيزر" يركز أيضا على مبدأ "الاختلاف" ، أي أن القارئ يفتش في النص عما لا يوجد فيه ، و ذلك بغية إكمال تجربته ، و هو ما يختلف فيه مع زميله "ياوس" في عنصر "أفق الانتظار".