ذُكر التجديد في ثلاثة أحاديث نبوية شريفة، أذكرها هنا لنستضيء بنورها الشريف في تحليلنا لقضية التجديد:
-الحديث الأول: روى الحاكم في مستدركه (كتاب الإيمان) عن عمرو بن العاص t قال: قال رسول الله r: pإن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكمi. قال الحاكم:"
هذا حديث لم يخرج في الصحيحين ورواته مصريون ثقات".
-الحديث الثاني: رواه أبو داود (سبق تخريجه) والحاكم في مستدركه (كتاب الفتن والملاحم) بسند صحيح عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: pإن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينهاi.
-الحديث الثالث: روى الإمام أحمد في مسنده (مسند أبو هريرة t) والحاكم في مستدركه (كتاب التوبة والإنابة) عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: pجددوا إيمانكمi، قيل: "يا رسول الله وكيف نجدد إيماننا؟" قال: pأكثروا من قول لا إله إلا اللهi. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه.
تحصل لنا من هذه الأحاديث النبوية الشريفة أن الإيمان يبلى فيجب السعي إلى تجديده وإزاحة أسباب البلى عنه باستعمال الوصفة النبوية التي لا غموض فيها ولا لبس، يضعف فتتعين تقويته بكل الوسائل التي تزيد المرء إيمانا كما جاءت في الكتاب والسنة وعلى رأسها الكلمة الطيبة "لا إله إلا الله" التي لا لبس في كنهها وماهيتها، وأن الأمة تكلؤها عناية الله فيبعث U لها القائد الرباني والوارث المحمدي-على رأس كل مائة سنة- الذي يجدد لها الحياة في قلبها حتى تقبل على دينها وشرع ربها، فتعبده شكرا ومحبة.
وعليه، فإن التجديد الذي تحتاجه الأمة المحمدية عملية شاملة جامعة لمعاني الأحاديث النبوية الشريفة السابقة الداعية إلى تجديد الإيمان في قلوب الناس، و إلى تجديد دين الأمة المحمدية استجابة للموعود النبوي الذي تشرئب إليه أعناق المستضعفين، ألا وهو الخلافة الثانية على منهاج النبوة بقيادة مولانا الإمام المهدي u.
فالتجديد الإيماني الذي ينتشل الأمة من مستنقعات الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويخرجها من كهوف الحكم العاض والجبري؛ لا بد أن يكون تجديدا من أعالي الأمور، على مستوى إيماني يتحول فيه اهتمام أفراد الأمة من عادات دنيوية إلى ما يتطلبه من الشرع من بذل الجهود والاستغناء عن الكماليات الدنيوية حتى يتحقق الوعد الرباني، ولابد لهذا من رجال دعاة من أهل الصدق والإحسان لا يخافون في الله لومة لائم، كما كان الصحابة رضي الله عنهم في خلواتهم وجلواتهم، وهذا الفهم العميق للموعود النبوي ولحقيقة التجديد يدفعنا إلى ضرورة الفهم الشامل والأصيل للإسلام الذي تترتب عليه خطة شاملة لتنزيل أحكامه في الواقع، من حيث المعنى ومن حيث تطبيق الأحكام في القضايا العينية، فردية كانت أو جماعية.
وهنا لا يفوتنا القول: أن حقيقة التجديد ليس ما يدعيه دعاة على أبواب جهنم الذين يريدون تغيير الثوابت الشرعية، والتملص من أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية.
إنما التجديد أن يبعث الله عز وجل من يجدد للأمة دينها، ويحيي جذوة المحبة في قلبها، هذا رغم اختلاف العلماء منذ القديم في تعيين مجدد كل قرن، ومع ذلك فقد اتفقوا أو كادوا أن مجدد المائة الأولى هو سيدنا عمر بن عبد العزيز t، والمائة الثانية الإمام الشافعي t... ونحن ننظر إلى القرن الرابع عشر الماضي فتشع منه أنوار الإمام حسن البنا رحمه الله الذي بزغ نجمه في ليل حالك وفتن كقطع اليل المظلم، فتربى الشباب الحائر في محضنه التربوي، وتلقوا من نورانيته، وتخرج من مدرسته أجيال صالحة ما زالت ثمارها يانعة، فيكون بذلك مجدد القرن الرابع عشر الهجري.
ونحن الآن قد أشرقت علينا شمس القرن الخامس عشر الهجري بأنوارها، وليس حديث في العالم إلا عن صحوة إسلامية، وعودة الناس إلى دينهم، ودخول الكثير من الغربيين في دين الله أفواجا؛ وسنة الله في تجديد الدين ماضية ولعل صبح المجدد الرباني والوارث المحمدي ومنتهى النور وبقية الله في أرضه الإمام المهدي u قد أسفر، ليحيي القلوب بالمحبة، ويرقى بها في مدارج الكمال والقرب من الله تعالى ونيل رضاه، بعد إنقاذ الأمة مما هي فيه من مصائب وفتن ومحن .
وهذا ومن المعلوم؛ أن التجديد ليس كلاما تلوكه الألسن الغافلة، أو قضية عابرة، إنما تجديد يقرر مصير الأمة وينقذها من غفلاتها وينتشلها من أوحال الفتن والجهل، بالتربية والجهاد، والاعتصام بحبل الله المتين واللجوء إلى ركنه الشديد.
وعليه؛ فهذه" طبيعة الأمة الإسلامية، فهي قادرة على تجديد نفسها، وهي وإن كانت يعتريها من الأسقام ما يُضعف فيها الإيمان ويبعد بها عن المنهج الحق؛ إلا أن رحمة الله تعالى يقيض لها من المجددين والمصلحين من يجدد لها أمر دينها" ([1]).
([1]) التمكين للأمة الإسلامية في ضوء القرآن الكريم، د.محمد السيد محمد يوسف، ص290.